IMLebanon

كرامي: هذه نصيحتي للشركاء “الجشعين”

كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:

في الأزمة الأخيرة، بدا موقع “اللقاء التشاوري” المفترض أنّه العمود الفقري السنيّ لحكومة حسان دياب، في دائرة التباس. وكأنه أعاد تموضعه من الحكومة بعد الهجمة التي تعرضت لها فاختار أعضاؤه النأي بالنفس، باستثناء بعض التغريدات المحذرة من تهريب التعيينات المالية، فيما كان السراي الحكومي في مرمى استهداف ذوي القربى. فهل تغيّرت احداثيات “اللقاء التشاوري” في علاقته مع حسان دياب؟

وبالفعل، يتبيّن من أعضاء “اللقاء” أنّ “الغياب عن السجالات الإعلامية كان موقفاً متفقاً عليه لأسباب عدّة، أهمها أنّ نواب “اللقاء” حريصون على موقع رئاسة مجلس الوزراء ويربأون أن “يتعامل أي مكوّن مع رئيس مجلس وزراء، أيًّا يكن هذا الرئيس، وفق سياسة ليّ الذراع وكسر الهيبة والتهديد”، لكن التواصل بينهم وبين دياب لم يتوقّف أبداً على قاعدة أعلى منسوب من التفاهم، لا سيما في ما يتصل بملف التعيينات المتعلقة بالمواقع السنية. ويقول الوزير السابق فيصل كرامي لـ”نداء الوطن” إنّ “دياب نجح بصبر وحكمة المسؤول الواعي بردّ سهام الباطل، وباستخدام سهام الحقّ سلاحاً له لا عليه في إدارة المواجهة، التي أفضت أخيراً إلى سحب التعيينات والذهاب إلى آليةٍ شفافة تعتمد معيار الكفاءة. وبذلك نجحت الحكومة في تسجيل نقطة إضافية لصالحها وإحراج المتشبثين بآلية المحاصصة البالية، والأهمّ بالتأكيد لكلّ الذين يفركون أيديهم انتظاراً لسقوط الحكومة بأنّ مهمتهم لن تكون سهلة، وبأنّ استثمار انشغال اللبنانيين بوباء الكورونا لن ينجح كمظلة للالتفاف على كل ما جرى في البلد منذ 17 تشرين الأول”.

ومع ذلك، لم يكن لـ”اللقاء” أي رد فعل تجاه البيان غير المسبوق في تاريخ وتقاليد رؤساء الحكومات السابقين، الذين لا يتداعون عادة إلا في الأزمات الكبرى التي قد تهدد ميثاقياً ودستوريّاً مصالح الطائفة السنية. ويرى كرامي أنّ “هذا التجمع خرج منذ فترة غير قصيرة عن مهامه وأدواره التقليدية التي تبرر وجوده، وتحوّل إلى تجمع سياسي يخدم مصالح طرف سياسي محدّد وهو “تيار المستقبل”، وتضاءلت أهدافه الى مستوى التكتل المذهبي لتعيين النائب الثالث لحاكم مصرف لبنان، وبدلاً من ان يدافع عن صلاحيات رئاسة مجلس الوزراء، فإنه قام بتوجيه ضربة قاسية إلى دياب متجاهلاً ومتناسياً أنّ الأخير يمثل الموقع السياسي السني الأول”.

ولا ينفي ان نواب “اللقاء” ارتأوا عدم الردّ على البيان “كي لا يُسهموا في تأجيج صراعات داخل الطائفة السنية، أقل ما يقال فيها إنها صراعات معيبة في ظل الأزمات الكبرى التي يشهدها الوطن، فضلاً عن خطورة الطرح الذي تضمنه بيان الرؤساء السابقين حول التعيينات، بشكل يعزّز مفهوم السلطة المذهبية بنكهتها الفيدرالية على حساب السلطة الوطنية”.

كما لا ينفي أنه “شخصياً كان من الداعين إلى عدم الردّ وعدم الدخول في سجال مع الرؤساء الأربعة، لاعتبارٍ بالغ الخصوصية، وهو أن أحد هؤلاء الأربعة تربطه به صداقة شخصية وهو أحد أكثر العارفين، من خلال تجربته في الحكم، بحجم ومستوى المحاصصات التي تفتقر إلى معايير الكفاءة والنزاهة والتي اتبعتها الحكومات المتعاقبة في عهود الرؤساء الثلاثة الآخرين، ولكن هذا لا يعني أننا سنسكت إذا تمادى رؤساء الحكومات السابقون في حرف هذا التجمع عن دوره التاريخي، بوصفه تجمع رجال دولة وليس فرعاً أو منسقية ملحقة بتيار حزبي وسياسي يسعى لاهثاً إلى استعادة السلطة بكلّ السّبل الممكنة، حتى لا نقول بأبشع السّبل التي ممكن ان تتاح له”.

ولكن ماذا عن تهديد رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية بتعليق مشاركة وزيريه بالحكومة؟

بالنسبة لـ”اللقاء التشاوري”، فإنّ “موقف فرنجية هو ردّ فعل على فعلٍ معلوم من داخل الحكومة، وهو يتناغم مع ردّ فعل الرئيس نبيه بري الذي لطالما ردّد بأنه لا يوافق على سياسة المحاصصة، ولكن في حال اتباعها فإنه لن يتنازل عن حصته، ولعل هذه المواقف الواضحة قد سرّعت في إيقاف الضغوط والتدخلات التي يتعرض لها الرئيس دياب”.

ويكشف كرامي أنّه أبلغ فرنجية بأنه في موقع المتضامن معه انطلاقاً من معادلة بسيطة ومنطقية، وهي أنه “في حال وجود محاصصات فإن أطراف الحكومة وبينهم “المردة” وكذلك “اللقاء التشاوري”، أولى أن يأخذوا الحصص التي تناسب حجمهم وحجم مشاركتهم في الحكومة”. ويؤكد “إذا كانت هناك محاصصات فإنّنا لن نتنازل عن حصتنا لصالح أي جهة. الفرق أن “المردة” اختاروا التعبير عن موقفهم عبر الإعلام ومن خلال مقاطعة جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، في حين اخترنا كلقاء الغياب عن الإعلام والتواصل مباشرةً مع الرئيس دياب، وإبلاغه موقفنا والإصرار على حضور الجلسة والمطالبة بآلية جديدة للتعيينات بعيداً من شبهة المحاصصات”.

وها هي تغريدة فرنجية الأخيرة تؤكد، وفق “اللقاء التشاوري”، أنّ “المعيار الوطني يغلب المعيار الحزبي والشخصي والمذهبي. ونحن على يقين بأن موقفنا عزز قدرة دياب داخل الحكومة وليس العكس، ونحن من جهتنا لن نتوانى عن متابعة هذا الملف وحث الحكومة على اقرار الآلية الشفافة المطلوبة للتعيينات، وعدم ابقاء القديم على علله وشوائبه لتحاشي المواجهة مع اركان النفوذ السياسي”.

وفي هذا السياق، يناشد كرامي “بعض الأطراف داخل الحكومة أخذ العبرة مما حصل، فالزمن تغيّر وما كان يصحّ في الحكومات السابقة لم يعد يصحّ اليوم خصوصاً وان الرغبة بالاستئثار بلغت حدّ الجشع. وبصراحة فإنّ عليهم أن يدركوا بأن حسان دياب ليس من بين طموحاته طرح نفسه مشروع زعيم ولا الترشح للنيابة ولا تأسيس تيار سياسي، وبالتالي فإنّ فرص الضغط عليه عبر الترهيب أو الترغيب هي معدومة تقريباً، وأنّ محاصصات وتسويات الأمس القريب قد انتهت إلى غير رجعة”.

ويقول: “لقد ربح الرئيس حسان دياب جولةً أولى بكثير من الحكمة والهدوء والجرأة والمسؤولية من دون افتعال أزمات لا طائل منها، ولا شكّ ان المتضررين من وجوده ومن وجود حكومته قد يستكينون لفترة قبل أن يُعاودوا شنّ جولات جديدة. ولكن، وخلافاً لما يعتقده البعض حول ضعف دياب كشخصٍ على الساحة الشعبية وربما أيضاً ضعفه على مستوى المصالح الكبرى، فإنّ المسؤول يبقى قويّاً طالما لم يطلب شيئاً لنفسه”.