IMLebanon

واجهوا “كورونا” بالسلاح الحيّ!

كتبت نوال نصر في صحيفة “نداء الوطن”:

الأسئلة تكاد لا تنتهي! علامات الإستفهام تستمرّ كثيرة! المشاعر ترتفع لتعود وتسقطـ كما الحجر الثقيل في القاع، لكثرة ما يصدح من هنا ومن هناك، من قصص وخبريات وتلفيقات، عن إصابات وشفاءات في مسلسل 2020: “كوفيد 19″… لكن، ماذا بالفعل عن البروتوكولات العلاجية المعتمدة؟ ماذا عن اعتماد بروتوكول الطبيب الباحث ديدييه راوول في لبنان؟ متى يجوز ومتى لا يجوز؟ ولماذا كلّ هذا اللغط والغموض حول دواء الكلوروكين؟ فلنقطع الدرب عن “القيل والقال” ولنصغِ الى كيفية إدارة ثلاثة أطباء في مستشفى القديس جاورجيوس الجامعي هذا الوباء المتسلل.

كلّ الإجراءات اتخذت في مستشفى القديس جاورجيوس الجامعي للفصل في شكلٍ تام بين كلّ ما له علاقة بالوباء، أو قد تكون له علاقة به، وبين القسم الآخر المخصص لكل أنواع وأشكال الأمراض الأخرى. فحص الكورونا انطلق أمس، الإثنين، عبر السيارة. المدير الطبي لمستشفى القديس جاورجيوس الدكتور إسكندر نعمة يشرح تقسيم المستشفى الواحد الى قسمين حتى ICU، وحدة العناية المركزة، باتت وحدتين، وتمّ إنشاء قسم خاص بالولادة، لأي أم تحمل الوباء. وجرى تقسيم فرق الأطباء والعاملين الى ثلاث مجموعات في شكلٍ يؤمن العمل في شكلٍ دقيق ومنظم.

العمل الميداني على قدم وساق. والبروتوكول العلاجي حُدد من ألفه الى يائه. فلندخل الى حرم المستشفى للإطلاع على تفاصيل المسار العلاجي المتبع من الطبيبين، الإختصاصي في الأمراض المعدية الجرثومية الدكتور عيد عازار والإختصاصي في الأمراض الرئوية والإنعاش الطبي الدكتور جورج جوفلكيان.

من يُصغي بإمعان الى طبيب الأمراض الجرثومية المعدية يطمئن، ليس لأن “العباد” أصبحوا في مأمنٍ كليّ شامل من هذا الوباء، بل لأن اللبنانيين إذا أدركوا كيف يتعاطون بوعي مع كورونا فسيتمكنون من “عبور” هذه المرحلة بأقل أضرار صحيّة. وفي التفاصيل، أن “كوفيد 19” قد أصبح، بحسب الدكتور عازار مسرحاً لخيالات الكثيرين ممن راحوا يسردون “الخبريات” عنه وينددون بعلاجاتٍ قد تكون سبيلاً الى شفاء الكثيرين، من دون أن يستندوا في “تحليلهم” الى أساسٍ علمي وإثباتات واقعية.

الدكتور عيد عازار بدأ يعتمد منذ دخول أوّل مريض الى مستشفى القديس جاورجيوس في السابع عشر من آذار الماضي، العلاج بدواء الكلوروكين مع الأزيثروميسين، والنتائج رائعة. المرضى الذين وصلوا باكراً شفيوا في سبعة أيام. ويستطرد عازار: العلاج بدواء الكلوروكين معتمد منذ عقود في علاج الملاريا، ونحن، كمستشفى، نتعاون منذ أكثر من خمسة أعوام مع الدكتور راوول في مستشفى مارسيليا وهو سبق وزار مستشفى القديس جاورجيوس في بيروت وجال في ربوع لبنان وانتقل الى زحلة وتذوق النبيذ اللبناني، وعقدنا معاً إتفاقية تعاون. ويذهب ثلاثة من طلابنا سنوياً الى مرسيليا لمدة ستة أشهر، في إطار اختصاصهم بالأمراض الجرثومية. والدراسات التي ارتكز عليها ليست وليدة الصدفة فهو سبق وأجرى دراسات معمقة منذ العام 2003 حول علاج فيروس سارس ثم كورونا الخليج وتبيّن له أن دواء الكلوروكين يفيد. وهو عزز أبحاثه بعيد ظهور كوفيد 19 وتبيّنت له إمكانية أن يحدّ هذا الدواء من تكاثر الفيروس في بداياته. الصين عالجت بالكلوروكين وأصدرت دراسة أشارت فيها الى منافع الدواء في معالجة الفيروس. ويوم توغل الفيروس في أوروبا تبيّن له أن خلط هذا الدواء مع دواء أزيثروميسين سيكون نافعاً جداً. مستشفى القديس جاورجيوس اعتمد هذا العلاج. وهو تابع كلّ مرضى كورونا الذين دخلوا إليه، قبيل استفحال الفيروس فيهم، ودرست كمية الفيروسات في الإفرازات الرئوية في اليوم الثالث ثم الرابع ثم الخامس فالسادس ثم السابع، بعيد إعطاء الدواء فبينت له الدراسات قدرة هذا البروتوكول العلاج على تخفيض الإفرازات الفيروسية تدريجياً، وصولاً الى الشفاء في اليوم السابع.

“إسألوا مجرب وما تسألوا حكيم”، لكن إذا كان أطباء قد جرّبوا ويقولون أن هذا البروتوكول العلاجي (كلوروكين + أزيثروميسين) يفيد. كلّ هذا في موازاة أن لا علاج آخر موجوداً يمكن الإختيار بينه وبين هذا البروتوكول. بمعنى أن الإختصاصي في الأمراض الفيروسية المعدية الدكتور عيد عازار يرى أن الطبّ العلاجي اليوم، كما المحارب في قلب المعركة، لا يملك رفاهية الوقت بل عليه أن يعرف كيف يلتقط السلاح الذي أمامه ويحارب. هذا ما فعله راوول وعيد وأطباء آخرون.

يطرح الدكتور عيد سؤالاً: هل تعرفين لبنانياً في السينغال؟ إسأليه عن دواء الكلوروكين. لا يوجد أيّ لبناني ذهب الى أفريقيا إلا ويعرف دواء “نيفاكين”، وهو نفسه الكلوروكين، ويعرف أن عوارضه كما عوارض أي دواء أو حتى حبة بانادول. قد تحدث وقد لا تحدث. لكن، في الحالتين، قد يكون الحلّ الوحيد.

سؤال يطرح نفسه، ما دام الأمر كذلك فلماذا هذا الكمّ من التوجسات العالمية التي قد تتأتى من العلاج بهذا البروتوكول؟

هي البيروقراطية العالمية التي تتحكم ربما، منذ خمسين عاماً، بهذا القطاع. ثمة منطق فلسفي معتمد يحدّ من القدرة على التعامل مع وباء سريع كما “كوفيد 19″. الباحثون عن الأدوية اليوم يظنون أن بقدرتهم أخذ كل الوقت في أبحاث وتجارب وصولاً الى موافقة منظمة الصحة العالمية وإدارة الغذاء والدواء. وانتظار أشهر وأعوام و”روح روح وتع تع”. منظمة الصحة العالمية غير مجهزة لمواجهة تغيير كبير مفاجئ، لهذا نرى هذا الكمّ من اللغط حول المعلومات الصادرة يومياً تجاه هذا الوباء. منظمة الصحة العالمية لم تتمكن من حسم موقفها حتى من ان دواء الكلوروكين يمكن أن يشفي الملايين ويمكن أن تنتج منه الهند 200 طنّ في ساعة! والسبب؟ لا بُدّ من سبب؟ يبدو أن مافيات الدواء في العالم ليست مستعدة بعد، أقله حتى هذه اللحظة، من أجل تسويق دواء رخيص موجود.

 

نحن نعيش في عالم مليء بالذئاب! والسؤال، وماذا بعد؟

ماذا عن الأطباء الذين بدأوا العلاج بالدواء الوحيد الذي دلّت الأبحاث والحالات أنه قادر أن يشفي المصابين بوباء كوفيد 19؟ يتحدث الدكتور عازار عن استراتيجية معتمدة في مستشفى القديس جاورجيوس وليس مجرد علاج، ويشرح: نحرص على وجوب تشخيص المرض في مرحلة مبكرة لا بعد استفحاله، على أن نعتمد بعيد تشخيص الحالة الإيجابية “بروتوكولاً” يتضمن فحص دم وسكانر وصورة صدرية وفحصاً نووياً، كما تتضمن الاستراتيجية وجوب حماية الطاقم الطبي. ويستطرد الإختصاصي في الأمراض الجرثومية والمعدية بالقول: إعتمدوا العلاج المبكر في كوريا وألمانيا ما قلص عدد الوفيات لديهما. ونحن، علينا ألا نقول للمريض إنتظر حتى تشعر بضيق في التنفس ثم نبدأ العلاج. بروتوكول ديدييه راوول لن يعمل في الحالات المتقدمة. والمستشفى يسأل المريض قبل أن يبدأ العلاج إذا كان يوافق عليه و99,999 في المئة من المرضى سيوافقون بين علاج متاح ممكن ولا علاج. والمستشفى عالج تسعة مرضى (حتى يوم الأحد في الخامس من نيسان) وفق هذه الإستراتيجية وتماثلوا الى الشفاء جميعاً. كلّ مريض يعاني من ارتفاع في الحرارة وسعال يفترض أن يجري عليه تقييم صحي سريع يترافق مع فحص الكريات البيضاء والحمض النووي، وما إذا كان هناك انخفاض في الخلايا الليمفاوية وإجراء سكانر له، خصوصاً إذا ترافق ذلك مع انخفاض في نسبة الأوكسجين. هذه العناصر تُحدد ما إذا كان ممكناً معالجة المريض في المنزل أو ضرورة وجوده في المستشفى.

7 في المئة فقط لا غير ممن أصيبوا بالوباء واحتاجوا الى أوكسجين بقوا على قيد الحياة. التدخل يجب أن يكون مبكراً وهذه الاستراتيجية لا تزال غير متبعة من قبل الكثيرين، خصوصاً من يقولون للمصابين، الذين يفترض إدخالهم الى المستشفى، يمكنكم البقاء في بيوتكم الى حين شعوركم بضيق في التنفس. حين يضيق التنفس يكون، في أحيان كثيرة، ما فات قد مات.

ما رأي الإختصاصي في الأمراض الرئوية والإنعاش الطبي الدكتور جورج جوفلكيان؟

يؤثر الفيروس على رئتي المريض وقد يصيب الكبد والرأس وعضلة القلب… لكن، السبب الرئيسي لدخول المستشفيات والوفيات هو تأثر الرئتين. ويشرح جوفلكيان: من أصل كل مئة إصابة هناك 85 لا يحتاجون الى تدخل طبي ومشكلتنا هي مع النسبة الباقية. ويتلاقى جوفلكيان مع عازار في جدوى التشخيص المبكر كي لا يدخل المريض في متاهة الإشتراكات الصحية والإلتهابات وضعف المناعة، وبالتالي عدم السماح للجهاز المناعي بالتصرف ضدّ مصلحة صاحبه.

ما لحظه الإختصاصي في الأمراض الرئوية أن كثيراً من المرضى ممن لم يكونوا يشعرون بأعراض واضحة تمّ التأكد من إصابتهم بعيد إجراء السكانر، بمعنى أن تأثير الفيروس على الرئتين سبق ظهور الأعراض السريرية. لهذا يُعدّ التدخل التكتيكي السريع ضرورة ونحن نصرّ على وجوب أن يلجأ الى الطبيب أي شخص إلتقى بمصاب أو أتى من منطقة موبوءة أو يشعر “بشحترة” في زلعومه أو يلهث أثناء الحركة. ويجب ألا يغيب عن بال من أصيب، أو من سيصاب، أن الرئتين تعودان الى طبيعتهما غالباً بعد العلاج والشفاء، أما من لا يتحسنون، وهم قلة، فقد يكون سبب موتهم جلطات رئوية أو تليف في الرئتين. وهذا ما سبق وحصل مع فيروس السارس ومع أتش1 أن1. لذا، ممنوع “التكابر” على الفيروس ولا سبب مقنعاً للتذرع بالخوف من الذهاب الى المستشفى للعلاج خشية حدوث العدوى. مستشفيات عدة بينها مارجاورجيوس أخذت كل الإحتياطات اللازمة للحؤول دون ذلك.

أمرٌ آخر يقلق أطباء الرئة في زمن كورونا أكثر من سواهم، ويتحدث عنه الدكتور جوفلكيان وهو أننا دخلنا موسم الحساسية والربو وبدأ الأطباء، بمعظمهم، بمعالجة مرضاهم وإعطائهم الإرشادات عبر الهواتف النقالة، بلا فحوصات سريرية، خشية عليهم من “الخروج من البيت”، لكن ما أخاف الكثير من الأطباء هو أن بعض مرضى الحساسية والربو قرروا، لوحدهم، وقف أدويتهم في زمن كورونا لأنها تحتوي على الكورتيزون غير مدركين، أو متناسين، أن أدويتهم ممنوع وقفها خشية حدوث نوبة ما.

يبقى أن يتذكر الجميع أن جميع البشر معرّضون، ناس أكثر من ناس، لكن الكلّ قد يصاب ذات لحظة، ذات يوم، وهذا الفيروس يمرّ في ثلاث مراحل: مرحلة الإصابة التي تشبه الكريب العادي مع بعض الوهن وألم المفاصل والرأس. مرحلة تبدأ فيها الإلتهابات وتظهر النتيجة “إيجابية” ويمكن أن تترافق مع انخفاض الأوكسجين. وصولاً الى المرحلة الثالثة التي تبدأ فيها الإلتهابات الكورونية التي لا تشبه أي إلتهاب. وبين أول مرحلة وثالث مرحلة تمرّ أسابيع. ومن سارع وتدارك الأمر في البداية ستُكتب له، بنسبة عالية جداً، النجاة.

يبقى أننا ما زلنا في قلب المعركة. والسلاح، وإن كان قديماً، فبأيدينا.