IMLebanon

حكومة… في قبضة المستشارين واللجان!

كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:

لم تكن استقالة مستشار رئيس الحكومة حسان دياب لشؤون العلاقات الدولية الدكتور محمد علم الدين من منصبه مستغربة عند البعض، ممن توقع ان علم الدين استقال لأن استشارته لا يؤخذ بها في كثير من الأحيان. كثر هم المستشارون في السراي الحكومي. عددهم صار يقارب الأربعين. أما اللجان الوزارية فحدّث بلا حرج حتى بات الوزراء يشكون الاجتماعات المتواصلة بلا كلل.

من حسنات “كورونا” على الحكومة انه أوقف عداد الوقت لفرصة السماح التي منحت لها ثلاثة أشهر على ولادتها القيصرية، نجحت في إجراءات الحد من انتشار جائحة الكورونا لغاية اليوم، لا سيما بوجود وزير الصحة حمد الحسن الذي أثبت جدارة في ميدان عمله ونشاطاً قل نظيره في لبنان.

كان الحجر المنزلي المفروض على الناس كفيلاً بغض الطرف عن بيان الحكومة الوزاري والمعالجات التي تضمنها والخطة الاقتصادية، وكان لافتاً إعلان رئيس الحكومة انها باتت جاهزة بنسبة 57 بالمئة. وكأن المقصود من تحديد النسبة بهذه الدقة الاشارة الى الشفافية في مصارحة العامة وهذه ايضاً تحتسب للحكومة ورئيسها ولكن…

خلف أبواب الناس الموصدة خوفاً من “كورونا” أنين متصل بلقمة العيش. غداً إذا انتهت هذه الأزمة على خير لن تقابل الحكومة برأفة لأن أكل العيش مر ولن تجد من يعذرها أو يشكرها على أقل الواجب، لذا يكبر السؤال عن المعالجات الاقتصادية والمالية والنقدية، عن الخطة الاقتصادية وعن التقارير التي تعدها اللجان الوزارية. تلك اللجان التي شكلت بالعشرات من دون ان يُعرف رئيسها من المقرر فيها، أو ما ترفعه من تقارير الى مجلس الوزراء. حتى يُنقل أن احد الوزراء ضاق ذرعاً من كثرة اللجان والاجتماعات المتواصلة بلا نتيجة تذكر بدليل ان لا قرارات في هذا الشأن بعد.

ثلاثة أشهر مرت على الحكومة بلا رؤية أو تعيينات ادارية ومالية والخطة الاقتصادية لا تزال قيد النقاش! تكبر الشكوى من تعدد اللجان تقابلها شكوى أشد وأكبر من تعداد المستشارين المحيطين برئيس الحكومة حسان دياب في السراي الحكومي، ما يخلف أثراً سلبياً على وتيرة العمل ويؤخر إتخاذ القرارات.

أخيراً طلب رئيس الحكومة الى أحد المستشارين وهو من كبار الاقتصاديين في البلد مراجعة 12 ورقة إقتصادية والخروج بخلاصة عنها. عملت على إعداد كل ورقة من هذه الأوراق مجموعة أخرى من المستشارين ليكون السؤال لماذا لا يسأل معد الورقة عن تفاصيل ورقته، وكيف لشخص ان يقيّم عمل آخرين ممن يفترض انه تمت الاستعانة بهم لخبرتهم؟

تولّد كثرة المستشارين حول رئيس الحكومة شعوراً بالخيبة. يكاد الانطباع المكوّن عن رئيس الحكومة أنه كلما تعرف الى شخصية ما إقتصادية وبادلته بعض الأفكار يعمد إلى ضمّها إلى “جيش المستشارين”. لم تكن موظفة الـ”يو أن دي بي” التي عيّنها مستشارة للشؤون البيئية سوى واحدة من عداد هذا الجيش، وربما لن تكون آخره بتي هندي مستشارة دياب للشؤون الأميركية والدولية والتي أطلقت “بيت لبنان العالم” العام 2012، وهي تنظم مؤتمرات وتجمعها علاقات مع اعضاء في الكونغرس الاميركي. سياسياً عرفت في البداية على أنها أقرب إلى الجنرال ميشال عون قبل أن تُحسب على صفوف فريق الرابع عشر من آذار.

ومن بين المستشارين أيضاً نائب حاكم مصرف لبنان السابق أحمد الجشي صاحب فكرة الهيركات الذي لم يلتزم رئيس الحكومة بها فأحجم عن زيارة السراي لفترة طويلة. ومن بين المستشارين بيترا خوري التي كان مقرراً لها ان تكون وزيرة فلم يحالفها الحظ، فكانت جائزة الترضية بأن صارت رئيسة اللجنة الصحية الممسكة بملف عودة المغتربين من الخارج بسبب كورونا، والتي يصفها المحيطون بها على انها “عنيدة” وعلى صدام متواصل مع وزير الصحة لإصرارها على قراراتها.

ينقل الزوار ان في السراي الحكومي لجاناً ومستشارين بأعداد مبالغ فيها، حتى صار كل موضوع تقريباً تلزمه لجنة، والمستشار يُستشار برأيه مستشار آخر. فهناك ما يقارب العشرين مستشاراً من الجامعة الأميركية فقط عدا عن وجود آخرين.

يلقب بصفة مستشار ويحصل على بطاقة كل من وعد بوزارة أو بمركز في الدولة. دائماً ما يحث دياب مستشاريه على الاستعانة بالكتمان في أداء مهامهم، وعدم الإفصاح عن بنود الخطة الاقتصادية لا سيما شق الاصلاحات منها. ولإعداد الخطة الاقتصادية استعان بالدكتور جورج شلهوب اللبناني الآتي من أميركا، المتخصص في أمور اليوروبوند لكنه تحوّل الى مستشار إقتصادي. نصحه به صديقه الدكتور بلال قعفراني الذي له أيضاً لقب مستشار ويمكث في السراي والى جانبه شقيقه.

اللجان وهدفها

المتعارف عليه أنّ تشكيل اللجان يكون في حالات الضرورة القصوى كي تعد تقريراً عن شأن ما لترفعه الى مجلس الوزراء. منذ أيامها الاولى أعدت الحكومة محاور عملها وكلفت لجاناً عدة إقتصادية ومالية ونقدية، عقدت هذه اللجان منذ تشكيلها نحو خمسة اجتماعات قبل أن تنقطع عن الاجتماع منذ ما يقارب الخمسة أسابيع. كأن اللجان مع حكومة دياب تحولت الى مقبرة المشاريع فعلاً. فهل تعد هذه اللجان سياسات عامة تقترحها على مجلس الوزراء وما هي القرارات التي صدرت عنها وأخذت بها الحكومة؟ يقول أحد أعضاء هذه اللجان إنه لم يدع الى اجتماع للجان منذ ما قبل كورونا وأن أي لجنة لم تنته إلى عمل مفيد على المستوى المالي والنقدي. المعلوم أيضاً أنّ تعدد الآراء من شأنه أن يضيع أكثر مما يفيد خصوصاً اذا كانت الاستشارات تتعلق بالشأن المالي والاقتصادي، وصار مستشارو البلاط يتنافسون على رضى الوالي من حولهم على حساب التقليل من قيمة الآخرين. وهذا أمر متوقع ويحصل.

على أنّ كل أعداد المستشارين هذه من شأنها أن تسحب من رصيد وزير المال وتضعف دوره وهذا ما هو حاصل تماماً مع الوزير غازي وزني الذي “يستشير” رئيس الحكومة مستشاريه في الأوراق التي يعدها وزير المال، وقد كان آخرها الإضافات التي ضمنها كارلوس أبو جودة مشروع الكابيتال كونترول، وكانت سبباً في رفض رئيس مجلس النواب نبيه بري وطلب سحبه من النقاش من على طاولة مجلس الوزراء. هناك مثل يتداوله الاقتصاديون “إذا اردت ان تأخذ قراراً استراتيجياً تذكر ان الكاش هو الملك”. فالكاش أي توفّر الأموال النقدية هو الذي سيحكم على عمل الحكومة رغم كل الظروف، واذا لم يتوفّر المال في جيوب الناس وضاقت سبل عيشهم فلن يرحموا هذه الحكومة. ومن يوفر المال هو من سيتحكم حينها بالبلد وإلا…من حسنات رئيس الحكومة حسان دياب اصراره على العمل والمواكبة، ومن سيئاته كثرة المستشارين من حوله ما يفقده امكانية اتخاذ القرارات بالسرعة المرجوة، حسبما يختصر عارفوه تقييم أدائه.