IMLebanon

مشتركو المولّدات ضحية تسعيرة وزارة الطاقة

كتب إيلي الفرزلي في “الاخبار”:

وحدهم المشتركون في المولدات الخاصة لم يستفيدوا من انخفاض أسعار النفط. سعر الكيلوواط المحدد من قبل وزارة الطاقة عصيّ على التأثر بهذا الانخفاض. ولذلك، بدلاً من أن يصل السعر إلى 300 ليرة للكيلو، لا يزال فوق الـ400 ليرة. الحجة هذه المرة هي سعر الدولار. تلك حجة قد تبرر ارتفاعاً محدوداً، لكنها بالتأكيد لا يفترض أن تغطي على العامل الأهم، أي انخفاض سعر المازوت إلى مستويات قياسية

403 ليرات هو سعر الكيلوواط/ ساعة الذي حدّدته وزارة الطاقة للمولدات الخاصة في شهر آذار. وهذا يعني بحسب قاعدة الاحتساب المعتمدة من قبل الوزارة أن المشترك بـ5 أمبير عليه أن يدفع 15 ألف ليرة كمبلغ مقطوع زائداً «مصروف الكهرباء»، مضروباً بـ403 ليرات لكل كيلوواط. لكن التدقيق في القرار الصادر في 27 آذار الماضي، يشير إلى أن هذا السعر مبني على متوسط سعر 14803 ليرات لصفيحة المازوت.

سعر الكيلوواط يبدو غير منطقي بالمقارنة مع سعر المازوت. هذا ما تؤكده التسعيرة التي صدرت في الأشهر الماضية. تكفي العودة إلى حزيران 2019 للتأكد من أن في التسعيرة الأخيرة إشكالية تؤدي إلى تكبيد المشتركين أموالاً إضافية غير مبررة. في ذلك الشهر حدّدت الوزارة سعر الكيلوواط بـ403 ليرات أيضاً، بالرغم من أن متوسط سعر صفيحة المازوت كان حينها 18153 ليرة (20 في المئة زيادة عن السعر في آذار). لماذا هذه الزيادة في الوقت الذي يعاني فيه المواطنون من حجر منزلي ملزم منع جلّهم من استئناف أعمالهم، وفاقم من صعوبة الأوضاع المعيشية؟ ليس المطلوب تخفيض الأسعار تماشياً مع الأوضاع الحالية، أو تعميم تجربة بيع الطاقة بسعر الكلفة، كما يحصل في عدد من المناطق، لكن على الأقل يفترض الالتزام بقاعدة الحساب المعمول بها منذ سنوات، والتي يبدو أن الوزارة تخلّت عنها. على سبيل المثال، سجل العام 2017 معدلاً وسطاً لأسعار المازوت مشابهاً لأسعار شهر آذار الماضي (14892 ليرة للصفيحة)، لكن النتيجة كانت سعراً وسطياً للكيلوواط لا يتجاوز 263 ليرة! الفارق يصل إلى 150 ليرة، فهل هناك ما يبرره؟

في جردة لتغير سعر الكيلوواط بالمقارنة مع تغير سعر المازوت منذ تشرين الثاني 2018، تاريخ إلزام أصحاب المولدات بتركيب عدادات للمشتركين، يتضح أن الفروقات ظلت مقبولة في أحيان كثيرة (وإن كانت غير مبرّرة أحياناً)، إلا أن التغيير الفعلي حصل في شباط من العام الحالي، حينها بدأت تداعيات فيروس كورونا تضع ثقلها على الاقتصاد العالمي، فارضة تخفيض الطلب على النفط، فكانت النتيجة انخفاضات كبيرة في أسعاره. وعليه، انخفض متوسط سعر المازوت في لبنان عن الشهر الذي سبق بنسبة 8.6 في المئة (انخفض السعر من 18063 إلى 16507 ليرات)، إلا أن هذا الانخفاض الواضح لم يترجم تخفيضاً لسعر الكيلوواط، الذي انخفض بنسبة 1.4 في المئة فقط (من 429 ليرة إلى 423 ليرة). الأمر نفسه تكرر في آذار؛ انخفض سعر المازوت مجدداً بنسبة 15 في المئة، إلا أن سعر الكيلوواط لم ينخفض سوى 3.9 في المئة، مستقراً عند 403 ليرات. حسبة بسيطة تُبيّن أنه بالاعتماد على أسعار الديزل في نهاية العام 2018، يفترض أن لا يتخطى السعر 308 ليرات، فلماذا زيادة الـ100 ليرة، والتي تعادل 23.5 في المئة، على كل كيلوواط؟ وهذه النسبة قد تزداد في حال الالتزام بطلب بعض المحافظين من أصحاب المولّدات الاكتفاء بتحصيل سعر الكلفة، في ظل الأوضاع الراهنة. عندها سيقتصر السعر على 231 ليرة للكيلوواط.

لا يجد مصدر معني سوى تفسير وحيد لما يحصل: نجح أصحاب المولدات في فرض وجهة نظرهم، التي يكررونها منذ انطلقت الآلية الجديدة للتسعير، ومفادها أن طريقة التسعير تؤدي إلى خسارتهم. قد يكون الأمر صحيحاً، خاصة مع ارتفاع سعر الدولار، لكن ذلك لا يعني وجوب انحراف قرار الوزارة عن هدف تأمين الطاقة للمواطنين بسعر عادل، وبما يسمح لأصحاب المولدات بتحقيق هوامش ربحية منطقية.

بحسب الأسعار الجديدة، يكون المشترك قد خسر معظم الامتيازات التي كان حصّلها مع بدء تركيب العدادات. وهي امتيازات بدأت تتآكل مع كل شهر مرّ منذ ذلك الحين. فهل هذا يعني أن آلية التسعير في الوزارة لم تعد هي نفسها؟ وما قيمة سعر المازوت عندها، بوصفه العنصر الأهم في المعادلة، إذا صار التسعير يعتمد على عوامل أخرى؟ وفي الأصل، لماذا لا توضح الوزارة على موقعها الإلكتروني آلية احتساب سعر الكيلوواط، حتى لو تغيّرت، بدلاً من الاكتفاء بالإشارة إلى سعره كل شهر؟

تقرّ مصادر معنية في وزارة الطاقة بأن السعر المعلن للكيلوواط يفوق السعر الفعلي، موضحة أن عوامل أخرى بدأت تدخل إلى تركيبة السعر. في بيان صادر عن الوزارة، أمس، تقول إن من هذه العوامل: «الفارق بين سعر صفيحة المازوت الرسمي وسعر السوق، إضافة إلى زيادة ساعات التقنين خلال شهر آذار وارتفاع أسعار قطع الغيار والزيوت والفلاتر لارتباطها المباشر بسعر الدولار». وأضاف البيان أنّ الوزارة أخذت كل هذه العوامل في الحسبان عند إصدار التسعيرة التوجيهية أواخر شهر آذار وأدخلتها في المعادلة، ما انعكس انخفاضاً محدوداً وقدره 26 ليرة عن شهر شباط، على أن يستمر هذا الانخفاض تدريجياً خلال شهر نيسان إذا استمر سعر النفط العالمي على وتيرته أو تابع الانخفاض.

سعر الصرف لا شك في أنه يسهم في زيادة النفقات، لكن بالنسبة إلى المولدات فإن العامل الوازن في تحديد التعرفة هو سعر المازوت، وهو يفترض أن لا يتأثر بسعر الصرف، لأن صاحب المولد يدفع ثمنه بالليرة اللبنانية؟ مصادر معنية تجزم بأن هذا الامر كان صحيحاً عندما كانت المولدات تحصل على حاجتها من منشآت النفط، لكن بعدما صارت الأخيرة تعامل أسوة بمستوردي النفط من الشركات الخاصة، أي يفرض عليها تأمين 15 في المئة من قيمة الشحنة بالدولار، لم تعد قادرة على تسليم المولدات كامل حاجتها بالليرة. وعليه، فقد توجه أصحاب المولدات إلى السوق لتأمين المازوت. وفي السوق، على ما يؤكد أحد أصحاب المولدات، لا يباع المازوت بالسعر الرسمي، كذلك يفرض عليهم دفع جزء من قيمته بالدولار، ما يزيد الكلفة عليهم. الأمر نفسه تؤكده الوزارة في بيانها: للمازوت سعران، السعر الرسمي وسعر السوق، والفارق بينهما «يتوسع».

إضافة إلى الفارق في سعر الدولار، فإن عاملاً جديداً يشتكي منه أصحاب المولدات حالياً، هو ازدياد نسبة المتخلّفين عن دفع فواتيرهم، ما يلقي أعباءً إضافية عليهم.

هل هذا يعني أن الأسعار تحرّرت من ترابطها مع سعر المازوت؟ ينكر مصدر في وزارة الطاقة ذلك، مؤكداً أنه يبقى العامل الأكثر أهمية، لكن من دون استبعاد أهمية عوامل أخرى تؤثر في تحديد السعر، ولا سيما منها، حالياً، سعر الدولار.

مع ذلك، يوضح المصدر أن الانخفاض الطفيف في سعر الكيلوواط في آذار كان مجرد هبوط هادئ للأسعار، إلا أنه سيُستكمل في نيسان، خاصة أن سعر المازوت وصل راهناً إلى 10300 ليرة. يضيف: الحرص على مصالح الناس لا يعني الإضرار بمصالح أصحاب المولّدات الذين وصلوا إلى التهديد بإطفاء مولّداتهم إذا لم تراعَ ظروفهم. هنا تستفيض الوزارة في بيانها: توضح أنّ «تطبيق المعادلة بشكل نظري، من دون احتساب تقلبات سعر الدولار الموازي وكلفة الصيانة المرتفعة، كان سيؤدي الى انخفاض أكبر في سعر الكيلوواط ينتج عنه توقف عدد كبير من المولدات الخاصة، المتوسطة والصغيرة، الموجودة في القرى والبلدات والتجمعات السكنية المحدودة، بسبب عدم قدرتها على الاستمرار». وهذا دفع الوزارة إلى «اللجوء إلى التخفيض التدريجي للأسعار، إفساحاً في المجال أمام أصحاب المولدات للتأقلم مع الواقع الجديد والاستمرار في تقديم الخدمة».

بالرغم من إعلان الوزارة نهاية المعادلة السابقة التي تحكم التسعيرة، فإن ذلك لا يبرر أن يكون المشترك هو الضحية، خاصة في ظل الأوضاع الراهنة. وإذا كانت أولوية الوزارة لا تزال المواءمة بين مصالح الطرفين، فإن تجربة الشهرين الماضيين تشير إلى رجحان كفة مصلحة أصحاب المولدات، فهل يعود التوازن في نيسان؟