IMLebanon

حاصباني: لا تتدخّلوا في “المؤسسة المستقلّة”!

كتبت إيفون أنور صعيبي في “نداء الوطن”:

قيل الكثير عن خطة الحكومة الانقاذية، وفي المواقف التي يسعى مجلس الوزراء الحالي اتخاذها للخروج من القعر الاقتصادي-الاجتماعي. في خضمّ هذا النقاش المحتدم، برزت مقاربة نائب رئيس الحكومة السابق غسان حاصباني حول “المؤسسة المستقلّة” بملكيّة الناس المباشرة. فهي إن أُنشئت وفقاً لمعايير الحَوكَمَة الشفافة، لإدارة “أصول الدولة التجارية” وبمنهجيّة علميّة-تنافسيّة، من شأنها أن تُيسِّر إشراك القطاع الخاص تحت مظلّة قانون الشراكة بين القطاعين، وتستقطب استثمارات جديدة ترفع من قيمتها. هذا ويُفنّد حاصباني في هذه المقابلة مع “نداء الوطن” أهمّيّة الاعتماد على التسنيد وسبل التعويض على المودعين الذين خسروا مدّخراتهم وجنى عمرهم، وكلّ ذلك من خلال إنشاء هذه المؤسسة بعيداً من المحاصصة السياسية.

يتعارض الطرح الذي تقدّمه مع ما تضمّنته خطّة الحكومة لناحية خلق صندوق سياديّ للودائع المبخّرة مقابل تحصيل الاموال المنهوبة. فأين تكمن المفارقة بين الطرحَين؟تستند خطة الحكومة على شطب جزء كبير من قيمة الودائع في المصارف والتي هدرت من خلال تمويل الدولة التي لم تعد قادرة على سداد ديونها. لكن المساس بودائع الناس غير ممكن كونها ملكية خاصة محمية دستوراً. تتضمن الخطة الحكوميّة فكرة إنشاء صندوق لتعويض الخسائر المراكمة، تُجمع فيه الأموال المنهوبة المستعادة، مع ما قد تأتي به لاحقاً خصخصة قطاعات الدولة، الامر الذي قد لا يتحقق في المدى المنظور. فالمطروح يتطلب وقتاً لم نعد في الواقع نملك تَرَفه. إنّ عملية استعادة الاموال المنهوبة طويلة الأمد كما أن الاموال المحصّلة يمكن ألا تغطي قيمة خسائر النظام المصرفي البالغة 62 مليار دولار. الى ذلك، لا يجوز أن تقع مسؤولية إنقاذ المصارف عبر الـBail In على عاتق المودعين. من هنا، ترتكز فكرة إنشاء “المؤسسة المستقلّة” الى مبدأ التعويض على المودعين الذين خسروا ودائعهم التي باتت موجودة دفتريّاً فقط.

ما الشكل الذي على المؤسسة المستقلّة اتّخاذه؟قبل كلّ شيء، أودّ أن أشير الى أنّ المؤسسة المستقلّة ليست حلاً مطلقاً بل إنها جزء من سلسلة حلول تبدأ بوقف النزف غير المنقطع في القطاع العام ولا تنتهي عند حدود إصلاحات بنيويّة. بدون الاصلاحات ومعالجة مزاريب الهدر ومكامن الفساد، لا يمكن الحديث أن أية حلول فعّالة.

 

تضمّ المؤسسة المستقلة الوطنية أصولاً تملكها الدولة ويُعطى فيها المودعون أسهماً بدل اقتطاع نسبة من ودائعهم. تُدار المؤسسة باستقلالية تامّة عن النظام السياسي وتحت رقابة دولية ومحلية من الشعب. ذلك يعني أن ملكية المؤسسة المباشرة تعود للمساهمين.

في الواقع، جرت العادة أن تُدار مؤسسات الدولة وإداراتها وأصولها وكأنها أملاك خاصة لعدد من الجهات السياسية الحاكمة وهي التي تتحكم بالقطاع العام. وبذلك تكون الدولة قد أثبتت وبكلّ ما تزخر به من امتيازات السلطة العامة أنها عاجزة عن إحقاق المصلحة العامة. وعليه، يجب على هذه المجموعة ان تدفع المترتب عليها من ديون راكمتها على الشعب اللبناني وسددتها من مدخراته بإعطائه الملكية المباشرة لإدارة أصولها ذات الطابع التجاري، تماماً كما تكون الحال لكل مستدين لديه أملاك ويتعثر في دفع ديونه بسبب عدم توفر السيولة لديه. هنالك فئة معارضة لهذا الطرح. ترتكز نظريتها إلى مبدأ المحافظة على أصول الدولة وعدم التفريط بها لأي سبب كان، فكيف يمكن للدولة أن تعوض خسارة الاصول المشمولة في الاقتراح؟

يمكن التعويض عن المداخيل المتأتّية من هذه الأصول بإقفال مزاريب الهدر والفساد في الجمارك والمعابر البرّية والبحريّة بالاضافة الى معالجة ملفّ التوظيف العشوائي والتهرب الضريبي واسترداد الأموال المنهوبة وضرائب الأملاك البحرية… والجدير بالذكر ان الأموال المنهوبة لا تقتصر على أموال صرفت من قبل الدولة واستفاد منها اصحاب النفوذ بشكل غير شرعي فحسب، بل هي تطال الأموال التي لم تدخل أصلاً في حسابات الخزينة العامة او الاقتصاد ككل بسبب التهرب الجمركي والضريبي والتهرب من تسديد الرسوم. كلّ ذلك يُضاف الى سياسة ترهيب المستثمرين ومنعهم من القيام بأي مشاريع استثمارية جراء المواقف التصعيديّة والسلاح غير الشرعي والتعطيل الدستوري لسنوات عديدة، تحديداً منذ العام 2009.

هل يمكن للمصارف أن تنضمّ الى هذه المؤسسة الماليّة المستقلّة؟

على المصارف أن تتحمل جزءاً كبيراً من الخسائر ومن أموال مساهميها الخاصة. فهي اتخذت وعلى مدى أعوام قرارات سمحت لنفسها بواسطتها بالتصرف بأموال الناس، وجازفت بإقراض الدولة بلا سقوف ولا شروط بغية الاستفادة من الهندسات المالية ومن نسب الفوائد المرتفعة. ذلك يعني أن عليها إعادة جزء من الارباح المسجّلة من خلال زيادة رؤوس اموالها. وعليها أيضاً أن تتحمّل جزءاً من نتائج خسارة مدّخرات اللبنانيين وجنى عمر المغتربين ورواتب المقيمين بالاضافة الى المعاشات التقاعديّة وتعويضات نهاية الخدمة، وحسابات مؤسسات متوسطة وصغيرة الحجم ومعها حسابات المهن الحرّة التي تحرك الاقتصاد.

 

ما هي آليّة عمل وتأسيس المؤسسة المستقلّة؟

يختلف الاقتراح الذي نقدمه عن ذاك الذي تبنّته الحكومة في الشكل والمضمون.هناك توجّه من الحكومة لشطب جزء من الدين هو في المبدأ مكوّن من أموال المودعين، وهذا الامر مرفوض دستورياً وأخلاقياً ومنطقياً، واجتماعياً. من هذا المنطلق يأتي طرح إنشاء “مؤسسة مستقلة” وهي تتضمن أسهماً مملوكة من أصحاب الودائع. تضمّ المؤسسة أصولاً ذات طابع تجاري وتقسّم الى فئات وفقاً للقطاعات تشكّل الشركات التي تتبع المؤسسة المستقلّة، ويمكن لكلّ المودعين، إذا اتيحت الفرصة، الانخراط فيها بمن فيهم ذوي الحسابات المصرفية الصغيرة لضمان الشمولية والمساواة.

تضمّ المؤسسة على سبيل المثال لا الحصر شبكات الاتصالات، وبعض العقارات والاراضي التابعة لسكك الحديد، والمشاعات غير المستثمرة القابلة للتطوير، وكذلك تضم المؤسسة إدارة المرفأ كما وإدارة منشآت النفط وكازينو لبنان، والمطارات، والـMEA ومؤسسات المياه وكهرباء لبنان والريجي.

تهدف المؤسسة الى التعويض على المودعين الذين خسروا مدخراتهم بسبب نهج الدولة وإفراطها بالاقتراض بلا أدنى مسؤولية.

ويكون الكيان المؤسساتي وفقاً لأسهم، تمثّلها جمعية عمومية تتألف من المساهمين على أن تحتفظ الدولة بنسبة معينة من هذه الاسهم. تشرف الجمعية العمومية على أداء المؤسسة عبر مجلس إدارة تنتخبه بأرقى معايير الشفافية تستقطب خبرات لبنانية-عالميّة بمشاركة ومساعدة جهات ذات خبرة عالمية في توظيف كبار الموظفين. ويكون هناك لجنة أخصائيين مستقلين من طراز رؤساء الجامعات الكبرى، كما ومن القطاع الخاص لاختيار الاداريين والمدراء التنفيذيين وتحدّد ولاية المجلس لفترة معينة. ويكون دور الهيئة الرقابية التدقيق بمالية المؤسسة والاعلان دورياً عن نتائجها المحققة لتتمكن الجهات الممولة من الاطلاع على التفاصيل كافة.

يمكن لهذه الآلية أن تتحقق بمؤازرة المؤسسات الدولية التي تدعم لبنان مثل البنك الدولي، والبنك الاوروبي، ومؤسسة النقد والبنك الاسلامي وذلك يساهم في تأكيد ركيزة الشفافية في ما خصّ تأسيس المؤسسة وإدارة شؤونها المالية بعيداً من التسلّط السياسي وبحكم مباشر من الشعب. وبهذه الطريقة لا يكون مصير المؤسسة كالذي شهدته صناديق الدولة المعروفة والتي تحكمت بها السلطات المتعاقبة.

 

من شأن المؤسسة المستقلّة التعويض على المودعين الذين خسروا مدّخراتهم بسبب النظام السياسي-المالي الحاكم. لكن أي فئة من المودعين هي المشمولة في هذا الطرح؟

هي تشمل المودعين بحسب حجم الخسائر المطلوب تحملها. والكم الأكبر من الودائع يعود الى تلك التي لا تتخطى قيمتها الـ 5 ملايين دولار، على أن يتولى القضاء التحقيق باي أموال مشبوهة بين الودائع واتخاذ الإجراءات اللازمة ضمن القوانين المرعية حيث يمكن تجميد الأسهم والتصرف بها بحسب المقتضيات القانونية. وتجدر الاشارة الى أن الأموال المحققة من الهندسات المالية والفوائد العالية، يجب ان تكون خارجة عن التداول هنا. أما الاموال المنهوبة فيجب استردادها بلا أدنى شكّ، الا أن آلية الاسترداد تتطلب وقتاً على أن تُضاف الاموال المحصّلة إما على الخزينة العامة أو أنها تُضخّ في المؤسسة.

 

التسنيد فرصة غير مستغلّة في لبنان. كيف يمكن الاستفادة منه في المؤسسة الوطنية؟

يشكل التسنيد أحد الحلول الكفيلة بتطوير الاقتصاد اللبناني عموماً والمؤسسة المستقلة خصوصاً. فهو يخلق فرصاً جدّيّة امام القطاع الخاص للحصول على التمويل المتوسط والطويل الامد لتعزيز رسملته ولمشاريعه، وامام القطاع العام لاستقطاب الموارد للعديد من برامجه المسندة. انه عملية يتم بموجبها تحويل دين إلى سند، وآلية خاصة لبيع الأصول المكوّنة لسلفات أو قروض، كما يعد بديلاً جديداً للحصول على سيولات السوق. من هذا المنطلق، يمكن للتسنيد” Securitization” أن يؤمن تمويلاً وسيولة لأصحاب الاسهم. من هنا فإن التسنيد فرصة جيدة لتشركة أصول الدولة التجارية. ويمكن اعتماد التسنيد لجني أرباح نقدية فورية ولخلق تمويل سريع وسليم وفي ما بعد يمكن سدّ العائدات المتأتّية واسترداد الاسهم.