IMLebanon

المستهلك في مرمى نار الدولار ولهيب الأسعار

كتبت باتريسيا جلاد في صحيفة “نداء الوطن”:

حقّق الدولار الأميركي رقماً قياسياً في مرمى الليرة اللبنانية الخميس مسجلاً 3180 ليرة. فبعدما كانت التساؤلات في بداية العام حول جوازية وصول العملة الخضراء الى عتبة الـ3000 ليرة، ها هي اليوم تتخطى هذا الرقم وبسرعة قياسية رغم أزمة “كورونا” وجمود الحركة في البلاد. أما الأسعار الملتهبة والتي تتأجج ألسنة نيرانها، فستشهد طبعاً المزيد من الإرتفاع في ظلّ عدم توفّر العملة الخضراء للمستوردين لتغطية حاجة السوق.

السعر المرتفع للدولارالذي حققه أمس، عززته خطط “الحكومة الإنقاذية” التي لا ترسم سوى بوادر تضخمية وتعميقية للهوّة، من خلال سياسات “الهيركات” التي استبعدتها على أن تأتي بعد حين، كما قال وزير المال غازي وزني في تصريح له.

وفي تفاصيل تحرّك سعر الدولار افتتح امس في السوق السوداء على 3060 ليرة لبنانية للمبيع و3100 ليرة للشراء مقابل الدولار الواحد، إلا أن صدور قرار مصرف لبنان بعد الظهر سارع في ارتفاعه الى 3140 للمبيع و3180 للشراء. وجاء في القرار الوسيط لمصرف لبنان والذي يحمل الرقم 13220 والموجه الى المصارف والمؤسسات المالية وتلك التي تتعاطى العمليات المالية والمصرفية بالوسائل الالكترونية أنه “على المؤسسات غير المصرفية كافة التي تقوم بعمليات التحاويل النقدية بالوسائل الالكترونية: -أن تسدد قيمة أي تحويل نقدي الكتروني بالعملات الاجنبية وارد اليها من الخارج بالليرة اللبنانية وفقا لسعر السوق.

– ان تبيع من الوحدة الخاصة المنشأة في مديرية العمليات النقدية لدى مصرف لبنان العملات النقدية الاجنبية الناتجة عن العمليات المشار اليها اعلاه.”

وشكّل هذا القرار علامة جازمة على أن “التداول بالدولار نقداً” ذهب من دون عودة، وأن السعر المتداول شبه الرسمي سيكون عند 2600 ليرة على ان يخضع للتغيّرات طبعاً.

من هنا فـسعر العملة الصعبة قبل “كورونا” لن يكون كما بعده ولن تكون بعد اليوم في التداول، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول السعر الذي سيصل اليه وهل صحيح قد يطأ عتبة الـ 5000 ليرة؟

مصدر مصرفي مطلع أوضح لـ”نداء الوطن” أن الحركة التصاعدية للدولار أمر “متوقّع وطبيعي بوجود كورونا أو في غيابه، في ظل السحوبات النقدية من المصارف والضغط على تلك العملة وغياب التدفقات الواردة من الخارج”.

وعن القيمة التي ستصل اليها تلك العملة النادرة بعد انتهاء “كورونا” وعودة العجلة في البلاد الى طبيعتها، قال إن “سعر الصرف يحدّده طلب المستوردين في ظل محدودية التدفقات الواردة من الخارج، وسينعكس ذلك على حجم المواد المتواجدة في الاسواق والتي أتوقع انقطاع الكثير منها وارتفاع اسعارها”. وشدّد على أن “المشكلة أننا نهتم بنتائج الأمور وليس بأسبابها”، لافتاً الى أننا “نحتاج الى تدفقات واردة، تبدأ بمساعدات من صندوق النقد الدولي الذي لن يلتفت الى دعمنا إلا بموجب إصلاحات مالية ترتكز على توازن المالية العامة”.

فلماذا تثابر الحكومة إذاً على تعنّتها في عدم القيام بالاصلاحات أو طلب المساعدة من صندوق النقد في حين أن سائر الدول، لا سيما ايران التي لطالما تكابرت على المجتمع الغربي، ها هي اليوم تتفاوض مع صندوق النقد الدولي للحصول على مساعدة منه؟

وبالعودة الى الإرتفاع الصاروخي لسعر الدولار ونظراً الى التداعيات السلبية التي سيتركها، نزل أمس عدد من المواطنين مستخدمين الكمامات الواقية من “كورونا”، الى وزارة الإقتصاد ورفعوا الصوت لتشديد الدوريات التفتيشية وتسطير محاضر ضبط وإحالة المخالفين الى القضاء الذي لا يتحرك بسرعة، ما يحول دون قمع التجار من زيادة اسعارهم التي سجلت بدورها أسعاراً جنونية قبل أن يطأ الدولار عتبة الـ3000 ليرة، فكيف بالحري اليوم مع القفزة السريعة لسعر صرفه وتألقه؟

عملية حسابية بسيطة مع وصول الدولار الى الـ3200 ليرة أمس، تبيّن ان أسعار السلع وأهمها الغذائية ارتفعت بنسبة 100% عن تلك التي كانت عليه قبل تشرين الأول. أما اليوم ومع التصاعد التدريجي لأسعار السلع في السوبرماركت، سترتفع الأسعار أقله بنسبة 10% اذا ما احتسبنا تغير الدولار تمّ من 2900 ليرة الى 3200 ليرة. وتعليقاً على هذا الموضوع اوضح رئيس نقابة أصحاب السوبرماركت نبيل فهد لـ”نداء الوطن” الى أن “السلع تنقسم الى جزءين: تلك التي لا ترتفع فور تغيّر سعر الدولار وهي المسعّرة من المستورد بالليرة اللبنانية (مثل الزيت…) ويكون حدّد سعر الصرف على تسعيرة معينة.

أما الأسعار التي ترتفع فوراً أي يومياً أو أسبوعياً فهي المسعّرة بالدولار من قبل المستورد والتي تقوم على السلع الأساسية مثل السكر والأرز والحمص والفاصوليا والعدس”.

وهنا شدّد فهد على “ضرورة إيجاد حل لتلك السلع الأساسية من قبل الدولة، كونها موادّ أساسية، اذ يجد المستورد اليوم صعوبة في استيراد كمية منها في ظلّ شحّ الدولار وعدم تواجده حتى لدى الصرّافين الذين لا يوفرون لهم المبالغ المطلوبة. من هنا فإن الكميات التي سترد الى البلاد في المستقبل لن تكفي حاجة السوق وهنا ستكمن المشكلة”.

وحول النقص الذي قد نشهده في الأسواق في ما اذا لم يتم توفير حل شبيه بحلّ القمح والبنزين والدواء حيث يتمّ فتح اعتمادات لها من خلال المصارف، أكد فهد على أن “المخزون عادة من المواد الغذائية يكفي شهرين، وفي حال لن يتمّ ايجاد حل لتلك المشكلة سنشهد نقصاً في السوق في تلك المواد الأساسية في المستقبل”. من هنا المطلوب اليوم توفير الدولارات للمستوردين للتمكن من الإستيراد، علماً أنه ونظراً الى انتشار وباء كورونا في العالم هناك طلب على السلع الغذائية، ومن لديه الدولارات ويدفع السعر الأعلى “يحضر ويشتري في السوق” قبل غيره في زمن “كورونا”.