IMLebanon

أم المعارك السيطرة على القرار المالي لمصرف لبنان

سعد الياس – القدس العربي:

بعد سلسلة الحملات على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وبعد حديث الخطة الانقاذية الموضوعة من قبل الحكومة عن خسائر مالية للبنك المركزي وتوجّه لإعادة هيكلة القطاع المصرفي، خرج مصرف لبنان عن صمته ولم يوافق على الكلام عن خسائر ضخمة ينبغي تعويضها، فأكد أن هذه المبالغ لا يعتبرها خسائر، “فهي مبالغ مدوّرة ومطفأة بمداخيل مستقبلية” مشيراً إلى “أن مصرف لبنان مؤتمن على الحفاظ على العملة الوطنية بهدف تأمين أساس نمو اجتماعي واقتصادي دائم”.

وكان الهجوم الأعنف على حاكم مصرف لبنان جاء تباعاً من قبل حزب الله ومن قبل مجموعات مرتبطة به، وآخر هذه الهجومات ما ورد على لسان عضو “كتلة الوفاء للمقاومة” النائب علي عمار الذي سمّاه “حاكم المال” متهماً إياه بلعب “دور شيطاني”.

على هذا الموقف يردّ خصوم حزب الله قائلين “إن الحزب الذي استطاع السيطرة على القرار السياسي والعسكري للدولة اللبنانية، وفرض ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة في أكثر من بيان وزاري، يحاول حالياً السيطرة على القرار المالي والاقتصادي للدولة من خلال خوضه أم المعارك وتوسيع الثلاثية إلى رباعية لتصبح، الشعب والجيش والمال والمقاومة، وهذا ما يفسّر هذه الحملة غير المسبوقة على حاكم مصرف لبنان وعلى القطاع المصرفي الذي لطالما تميّز بأنه من أنجح القطاعات الاقتصادية والمالية في البلد”.

إخضاع المصرف للوزارة

وحسب خصوم الحزب “فإن ما كان معمولاً به من فصل للاقتصاد والمال عن الأمن والسياسة منذ سنوات طويلة وتحديداً منذ أيام الرئيس الشهيد رفيق الحرير ، لم يعد يصلح لدى الحزب الذي يسابق الوقت والمتغيّرات الإقليمية، لفرض نفوذه على القرار المالي للدولة من خلال إزاحة حاكم مصرف لبنان، بعد تشويه سمعته وتحريض الناس الخائفة على ودائعها، والتلطّي وراء بعض المجموعات المشاركة في الانتفاضة الشعبية لتوجيه سهامها إلى البنك المركزي والمصارف، وهو ما حصل من خلال إعتداءات متكررة استهدفت عدداً لا بأس به من المصارف في مناطق مختلفة”.

وما يعزّز فرضية وضع اليد على مصرف لبنان، هو محاولة إخضاعه لسلطة وزارة المال التي آلت إلى الثنائي الشيعي في 3 حكومات على التوالي، ومن غير المتوقّع أن يتخلّى عنها هذا الثنائي تماماً كما هو حال المديرية العامة للأمن العام.

وبدا أن المواجهة أصبحت مفتوحة بين فريق السلطة وفريق المعارضة وفي طليعته رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي يتخوّف من برنامج الحكومة الإصلاحي وإعادة هيكلة المصارف والمصرف المركزي. ويعتبر سيّد المختارة “أنهم يريدون السيطرة على المصرف المركزي والمصارف ويتهمون الآخرين بالأموال المنهوبة” معرباً عن قلقه من الذهاب “إلى نظام شبه شمولي جراء إجراءات مثل تأميم المصارف عبر صيغة الاقتطاع من ودائع الناس”.

وهذا ما يفسّر ردود رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة حسّان دياب على جنبلاط من دون تسميته، نظراً لمؤازرته حاكم البنك المركزي رياض سلامة في معركة الحفاظ على النظام الاقتصادي الحر ومحاولة تحميله مع المصارف مسؤولية الأزمة الاقتصادية والمالية بدل تحميلها للدولة العاجزة عن تسديد ديونها والتي تخبّط وزراؤها في أدائهم وفشل خططهم لإصلاح الكهرباء التي وحدها كبّدت الخزينة خسائر بقيمة 40 مليار دولار إضافة إلى سلسلة الرتب والرواتب غير المدروسة، في وقت كان حاكم المركزي يلبّي طلب الحكومات المتعاقبة إلى المساعدة من خلال تمويل عجز الموازنة عبر سندات الخزينة كي يؤجل الانهيار، في انتظار إقرار الإصلاحات ووقف الهدر في المال العام ولكن بلا جدوى.

كبش فداء

أما وقد أصاب الإفلاس الدولة، فلا بدّ للمعنيين من تقديم كبش فداء للبنانيين يحقّق لهم بعض الشعبوية، فرأوا أن رأس رياض سلامة قد أينع قطافه، خصوصاً أنه مستقل وغير محسوب على أي جهة حزبية أو سياسية لتؤمن حمايته كما هو الحال مع آخرين. ويكفي التذكير كيف أن حزب الله ردّ في 7 أيار/مايو على محاولة إقالة ضابط شيعي محسوب عليه في مطار بيروت، وكيف تدخّلت مرجعيات سنّية لتأمين حماية موظفين من الفئة الأولى، فيما البطريركية المارونية التي تربطها علاقة جيدة بحاكم مصرف لبنان الماروني ما زالت تراقب سير المستجدات قبل إتخاذ أي موقف، وسبق للبطريرك مار بشارة بطرس الراعي أن التقى سلامة مرتين بعيداً من الأضواء، مبدياً تعجّبه من هدوء الحاكم من خلال وصفه بـ”الاوقيانوس الهادئ”. ولعلّ هدوء سلامة مردّه إلى معرفته بأنه عدا حالة الاستقالة الاختيارية لا يمكن إقالته من وظيفته إلا لعجز صحي مثبت حسب الأصول أو لإخلال بواجبات وظيفته.

ومن ضمن أدوات الحملة على سلامة في الفترة الأخيرة، الدعوة للتدقيق في حسابات مصرف لبنان ومطالبته بكشف التحويلات المالية إلى الخارج ومحاولة التعامل مع البنك المركزي كأنه وزارة من الوزارات التابعة للحكومة، فيما هو حسب مصادر مصرفية لـ “القدس العربي” خاضع لقانون النقد والتسليف الصادر عام 1963 والذي تنص المادة 13 منه على ما يلي “المصرف شخص معنوي من القانون العام ويتمتع بالاستقلال المالي. وهو يعتبر تاجراً في علاقاته مع الغير. ويجري عملياته وينظّم حساباته وفقاً للقواعد التجارية والمصرفية وللعرف التجاري والمصرفي. ولا يخضع لقواعد الإدارة وتسيير الأعمال وللرقابات التي تخضع لها مؤسسات القطاع العام، ولا سيما لأحكام المراسيم الاشتراعية رقم 114 و115 و117 و118 تاريخ 12 حزيران سنة 1959”.

تدقيق الحسابات

وتستغرب المصادر المصرفية المطالبة بتدقيق حسابات المصرف في وقت يوجد داخل مصرف لبنان مفوّض للحكومة برتبة مدير عام، تُبلّغ إليه فوراً حسب قرارات المصرف وله خلال اليومين التاليين للتبليغ أن يطلب من الحاكم تعليق كل قرار يراه مخالفاً للقانون وللأنظمة، ويراجع وزير المالية بهذا الصدد، وإذا لم يُبتّ في الأمر خلال خمسة أيام من تاريخ التعليق يمكن وضع القرار في التنفيذ. كما لمفوّض الحكومة ومساعده حسب المادة 44 حق الاطلاع على جميع سجلات المصرف المركزي ومستنداته الحسابية بإستثناء حسابات وملفات الغير الذين تحميهم سرية المصارف المنشأة بقانون 3 أيلول/سبتمبر سنة 1956. وهما يدققان في صناديق المصرف المركزي وموجوداته وليس لهما ان يتدخلا بأية صورة، في تسيير أعمال المصرف المركزي”.

وحسب معلومات “القدس العربي” من أوساط مصرفية مطلعة، لم يأت أي اعتراض على العمليات الحسابية للمصرف في أي مرّة من المرات. أما في ما خصّ التحويلات المالية إلى الخارج، فالمصرف يستخدم أحدث التكنولوجيات وكل الوثائق محفوظة ولا شيء مخفياً، ولكن قانون النقد والسرية المصرفية يُعاقب أي موظف في حال أخرج أي وثيقة، وبالتالي ليس صحيحاً أن مصرف لبنان هو “مغارة علي بابا” كما يصوّرونه.