IMLebanon

الذهب الأخضر: “رائحة” الربح أزكى من “طعمه”

كتب خالد أبو شقرا في صحيفة “نداء الوطن”:

أمام تراجع منسوب التفاؤل من احتواء بحرنا على “الذهب الأسود”، حَضَر سهلُنا بقاعاً ليعوّض علينا الخسائر بـ “ذهبه الاخضر”. أقلّه، هكذا فُهم من تصريح وزير الزارعة عباس مرتضى، الذي توقّع أن تدرّ زراعة الحشيش بعد تشريعها، عوائد على الدولة بقيمة مليار دولار سنوياً.

بحسبة سريعة، تظهر التوقعات من وجهة نظر وزير الزراعة بأن “كل ألف متر مزروع ينتج 250 كلغ من زهرة القنّب، واذا عمدنا إلى بيع الكيلو منها، من دون تصنيع، بخمسين دولاراً، نكون قد دعمنا المزارع اللبناني وأمّنّا مردوداً كبيراً للدولة”. هذا ولا تتجاوز المساحة المزروعة من هذه النبتة بقاعاً نسبة 1 في المئة من حجم السهل المترامي الاطراف.

200 مليون $

إذا اعتبرنا ان المساحة المزروعة من أقصى شمال السهل الى جنوبه تقدر بحدود 167 الف هكتار (1670 كلم متر مربع) فان نسبة الواحد في المئة المزروعة ستكون 16.7 كلم متر مربع، (ما يعادل16.700.000 متر مربع)، ستنتج 4.175.000 كيلوغرام، أي ما يقارب 200 مليون دولار. فمن أين أتى رقم المليار؟

الخبير في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين يرى ان “هناك مبالغة كبيرة في تقدير عوائد زراعة الحشيش للأغراض الطبية”، فبرأيه ان “حاجة المختبرات الطبية في العالم لهذه النبتة لا تتجاوز المئات. في حين أن انتاج لبنان يتوقع أن يكون بالأطنان، هذا أولاً. أما ثانياً فان الحشيشة بحد ذاتها لا تتضمن قيمة مادية، بل ان عدم شرعيتها وتهريبها هما ما ينتج العوائد ويرفعان من قيمتها. فالمزارع لا يأخذ على سبيل المثال أكثر من 10 في المئة من سعرها في حين ان الربح كله يذهب الى التجار والمهربين”.

غياب الدولة “القادرة”

هذه النظرية ليست هي الوحيدة التي تقلل من امكانية استفادة الدولة من زارعة الحشيش، بل ان هناك أيضاً عامل غياب “الدولة القادرة” التي تستطيع تقنياً وسياسياً أن تضبط زراعة الحشيش، وتقيس المساحات المزروعة بدقة، وتحصل في النهاية على القيمة الحقيقية لهذا الانتاج. فـ”التجربة اللبنانية تظهر بما لا يقبل الشك عجز الدولة عن تطبيق أبسط القوانين، كمنع التدخين في الاماكن العامة أو قانون السير، فكيف بنا إذاً في ضبط زراعة الحشيش في أقاصي سهول البقاع في الهرمل وبعلبك والقاع وغيرها الكثير من الأماكن”، يقول رئيس المرصد اللبناني لمكافحة الفساد شارل سابا.

هذا الواقع يشرّع طرح عشرات الإسئلة، التي تهدف إلى تسليط الضوء على نقاط الضعف في هذه المسألة لمعالجتها وليس لنقضها. فمن سيقدر على تحديد الكمية المزروعة، وان كان المزارعون سيسلمون كامل انتاجهم أم جزءاً منه ويحتفظون بالباقي لتهريبه أو استعماله لغير الاغراض المنصوص عنها في القانون؟

يجيب شمس الدين ان “لا أحد يعلم. وذلك نظراً للطبيعة الجغرافية لأماكن زراعة هذا المنتج وضعف الدولة وانعدام قدرتها على المراقبة والمتابعة”. خطورة “الهريان” في النظام لا تنحصر في امكانية استغلال هذه الزراعة لغير أغراضها فهي عملية لم تتوقف يوماً، إنما في تفويت مداخيل على الدولة هي في أمس الحاجة اليها.

ماكينزي والحشيشة

تشريع زراعة الحشيش غالباً ما اصبح يَرِد في الخطابات الرسمية ملاصقاً لخطة “ماكينزي”، التي أدرجت ضمن بنودها امكانية استفادة الاقتصاد من هذه الزارعة. “شهادة حق تستعمل في شكل خاطئ لخطة تطوير الاقتصاد اللبناني التي وضعتها ماكينزي قبل عامين”، يقول أحد المتابعين لمسار الخطة التي لم تُطبّق بعد. فـ”الخطة ليست كتاباً منسياً، نفتحه عند الحاجة ونأخذ منه “عالقطعة” ما يلائمنا، ومن ثم نغلقه ونقول اننا نطبق الخطة”. فالعمل على “القطعة” والانتقاء المنفعي قد يكون أسوأ على الاقتصاد من عدم تطبيقها أبداً. فـ”ماكينزي” وُضعت من أجل تطبيق رؤية شاملة تتعلق بكيفية عمل القطاعات مع بعضها البعض، وليس للعمل بشكل معزول.

“لو كانت النية تطبيق الخطة لكنا رأينا ان زراعة الحشيش قدمت كمشروع قانون من السلطة التنفيذية وليس باقتراح قانون من النواب”، يعلق سابا على التلطي خلف “ماكينزي” لتبرير أو لدعم القرار بزراعة الحشيش. هذا من حيث الشكل، أما في المضمون فان القانون الذي سينفذ عبر مبدأ الترخيص المسبق من الهيئة الناظمة، سيعوزه “حسن التطبيق، نظراً لفقدان الدولة لهيبتها واستفحال التدخلات السياسية والطائفية والمناطقية في حماية المخالفات، والذود عن المخالفين”.

المشكلة ليست بالقانون

المشكلة إذاً ليست بالقانون كقانون، ولا بأهمية تشريع الحشيش للغايات الطبية، انما في دور الدولة المراقب وامكانية حصر التراخيص بالغايات الطبية فقط، والقدرة على تحصيل العوائد المجدية. فبرأي سابا ان “تضخيم القيم الناتجة عن هذه الزراعة وتحسين العوائد مرتبط أولاً وأخيراً برغبة القطاع الخاص وشركات الادوية في شراء المحصول. أما عن رقم المليار دولار فهو ناتج عن فرضية بيع كل المحصول للدولة لغايات طبية، ومع هذا فان الارقام مبالغ فيها”.

الدولة اللبنانية ممثلة بسلطتها التنفيذية، أي الحكومة، أقرت في غضون السنوات القصيرة الماضية ما لا يقل عن 5 خطط اقتصادية واصلاح مالي بدأت بـ “باريس 1 و2 و3 مروراً بـ “ماكينزي وسيدر” ووصولاً الى “برنامج الانقاذ وخطة لازارد”، كلها مشاريع بقيت حبراً على ورق، تفتقد إلى الأبعاد التنفيذية، بمعنى تحديد الكيفية التي سيتم عبرها دعم القطاعات الزراعية والصناعية والقطاعات المنتجة. الحكومة تذهب دائماً، برأي سابا، إلى “خطوات مجتزأة غب الطلب لغايات غير اقتصادية. على سبيل المثال لا الحصر اقرار دعم الانتاج الزراعي والثروة الحيوانية أخيراً بقيمة 4.9 ملايين دولار. حيث استعاضوا عن الخطة التنفيذية التي يجب ان تتصل بالحوافز والسياسة الجمركية والتسويق وغيرها بـ قانون يتيم ومجتزأ”.

الخوف اليوم هو ألا تذهب خطوة زراعة الحشيش وبقية الخطوات الاصلاحية إلى تشجيع الاقتصاد وتحفيز الصناعات ذات القيمة المضافة المرتفعة والتي لديها قدرات تصديرية، بل إلى تغذية الزبائنية السياسية.