IMLebanon

هذا ما بحثه باسيل مع ضيفيه الفرنسي والأميركي

كتبت غادة حلاوي في صحيفة “نداء الوطن”:

هل صحيح أن السفيرة الاميركية دوروثي شيا جاءت تبلغ رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بالنسبة إلى الأميركيين خط أحمر؟ بين الموافقين على استمرار المظلة الاميركية الحامية للحاكم وبين من يقول إن الاميركيين عادة لا يتمسكون بشخص بقدر ما تهمهم مصلحتهم، توزعت المواقف لينقسم لبنان بين مدافع عن سلامة ومواقف اخرى مصرّة على تصويب مساره.

منذ أن ألقى رئيس الحكومة حسان دياب كلمته التي رفع فيها الصوت عالياً في ما يتعلّق بأداء حاكم مصرف لبنان، لم تخرج أي ردود فعل تردّ بالأرقام، وإنما مواقف سياسية ودينية مدافعة عن الحاكم حتى ساد الاشتباك داخل البيت السياسي الواحد.

لفهم ما يحصل، يجب استعراض جملة وقائع حصلت خلال اليومين الماضيين، أي منذ انعقاد جلسة مجلس الوزراء ولغاية يوم امس، والتي قد تكون مؤشراً لواقع حال سلامة ومصيره كحاكم للمصرف المركزي.

بالعودة إلى مجريات الجلسة الحكومية، فلا بد من التوقف عند كون هذه الجلسة عقدت برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي افتتح الحديث عن مصير سلامة طارحاً الموضوع على الاستفتاء الوزاري. كان لافتاً بالفعل أن تأتي نتيجة استمزاج الآراء الأولى 18 على 2 دون أن ننسى ان بين هؤلاء الوزراء، ممن وافق على إقالة الحاكم، من يعرف بقربه الى الاميركيين من خارج “التيار الوطني الحر”.

جلسة الحكومة

تقول الرواية إن عدداً من الوزراء كانوا قد بادروا قبل الجلسة الى الحديث الى رئيس الجمهورية حول تعميمات سلامة وتدهور وضع الليرة وما يجب فعله، ما دفع دياب الى طرح الموضوع معه خلال اللقاء “السلبي” الذي جمعهما، ومعاتبته على تعاميم يصدرها من دون العودة الى الحكومة ما يسبّب احتجاج الناس في الطرقات ضد الحكومة.

يبدو رئيس الحكومة على قناعة ان سلامة بات جزءاً من أزمة الدولار والأزمة المالية والاقتصادية خصوصاً وأنه كرئيس للحكومة لم يتسلم حقيقة الارقام المالية بعد فيما رفض الحاكم التدخل لدعم السوق بالدولار متذرّعاً بعدم وجود سيولة بالعملة الاجنبية.

كان واضحاً أن دياب إنما استند في ما قاله عن الحاكم الى أساس صلب في المال كما في السياسة وهو تقرير شركة “لازار” الذي لا يمكن ان يتضمن وقائع مغلوطة، ونحن نتحدث هنا عن شركة اجنبية ليست بعيدة عن الاميركيين. هذا التقرير دفعه إلى الحديث عن “فجوات كبرى في مصرف لبنان”، من بينها “فجوة في الأداء، وفجوة في الاستراتيجيات، وفجوة في الصراحة والوضوح، وفجوة في السياسة النقدية، وفجوة في الحسابات” ما يظهر تشكيكاً في سلوك الحاكم الوظيفي بعدما اظهرت المعطيات “أن الخسائر المتراكمة في مصرف لبنان، تتسارع وتيرتها” فضلاً عن رفض سلامة تسليم دياب أي وثيقة عن حقيقة الأرقام التي بحوزته.

في المقابل يستند سلامة في سياسته الدفاعية الى عوامل عدة منها قدرته المالية، وحمايته من بطريرك السياسة في لبنان وهو الرئيس نبيه بري، والبطريرك الديني بشارة بطرس الراعي، الذي تقول معلومات موثوقة ان الحاكم وعلى غير عادته زار الراعي قبل شهر برفقة الوزير دميانوس قطار ثم توالت زياراته بعد ذلك.

في هذه الأثناء حاولت “حركة امل” تبرير معارضة وزيريها الوقوف ضد إقالة سلامة مؤكدة ان الرئيس بري مهتم بالبلد اكثر من الاشخاص، انما الصحيح ان السفيرة الاميركية أبلغت رئيسي الجمهورية والحكومة من خلال جبران باسيل أن اقالة سلامة ستؤدي الى حجز اموال لبنان وذهبه في الولايات المتحدة واعتبار هذه الأموال هي لـ”حزب الله”.

لقاءات باسيل الديبلوماسية

ونفت مصادر وثيقة الصلة بالتيار هذا الموضوع جملة وتفصيلاً لتقول إن ‏”الحديث في هذا الموضوع كان محصوراً بالإجراءات التي تحدّ من الإنهيار المالي، وبدور الدول والمؤسسات المالية، في دعم لبنان”.

وفي المعلومات عن الزيارة، أن السفيرة الاميركية قصدت رئيس التيار في اطار زيارة تعارف امتدت وخلافاً للزيارات البروتوكولية الى ما يزيد على ساعة ونصف الساعة “سادتها أجواء ممتازة”، استهلها الطرفان بحديث عام عن الاوضاع. وفي سياق الحديث بدا واضحاً ان شيا التي باشرت مهامها حديثاً في لبنان كوّنت معطيات اولية خاصة عن الوضع في لبنان والشخصيات السياسية فضلاً عن التقارير التي ساعدتها في التعرف الى تفاصيل الوضع السياسي اللبناني. لم تدع شاردة او واردة الا واستحضرتها في الحديث من اللقلوق الى اميركا. في المضمون السياسي تحدثت عن الوضعين الدولي والاقليمي لتدخل منهما الى الوضع في لبنان وتتحدث عن الانعكاسات الاقتصادية والصحية التي يواجهها العالم نتيجة انتشار “كورونا”.

وفي ما يتعلق بلبنان تحدثت عن الوضع الاقتصادي والمالي الصعب وعن دور المجتمع الدولي والمؤسسات المانحة ومساعداتها ومدى جدية العمل على انجاز الاصلاحات المطلوبة على كل المستويات. تقول المصادر هنا ان الطرفين تبادلا افكاراً حقيقية حول كيفية استنهاض دور لبنان واقتصاده لتشدّد السفيرة الاميركية على فكرة الشفافية ومكافحة الفساد.

وتفيد معلومات خاصة ان السفيرة الاميركية أظهرت حرصاً على ان بلدها غير معني بموضوع الاسماء والتغييرات بل جلّ ما تحدثت به هو الملاحظات على السياسة النقدية المتبعة في لبنان. تجزم المصادر ان السفيرة الاميركية لم تسلّم رسائل ولا انذارات ولا املاءات ولا تسلمت رسائل بالمقابل، بل ان رئيس التيار لمس منها تفهماً وتأييداً لسلوك الحكومة في نقاط عدة تحدثت عنها بإيجابية.

وهي الأجواء ذاتها التي سادت إثر زيارة السفير الفرنسي برونو فوشيه الى دارة باسيل في اللقلوق مع فارق ان الضيف الفرنسي استفاض في بحث الملفات الاقتصادية، مستفسراً عن مكافحة الفساد والاصلاحات التي وعدت بها الحكومة. وخلافاً لما أشيع لمس باسيل ان الفرنسيين سيمضون قدماً في البحث عن الغاز، وان العمل لم ينته بعد حيث تبقت مسافة 200 متر لم يبلغوها بعد ومحاولتهم ستتكرر. تشدّد المصادر على أن الزيارتين تضمنتا “كلاماً واقعياً لا هو تهويل ولا تضخيم ولا تقليل من حجم الأزمة بحقيقتها” وقد تم “بحث افكار ذات طابع عملي لإستنهاض الوضع ووقف التدهور المالي والاقتصادي خصوصاً في ضوء أزمة كورونا”.

أكل العنب

لكن السؤال الى اين يمكن ان يكمل مشوار إقالة حاكم المصرف المركزي؟ تتفاوت الآراء بين من يقول ان المعركة ستكمل الى آخرها ضد التركيبة الحالية المالية السياسية وضمنها الحاكم، وآخر يقول ان ما يهم رئيس الحكومة في نهاية المطاف اتخاذ إجرءات تضع حداً لارتفاع سعر الدولار وتدهور العملة الوطنية والاطلاع على حقيقة الأرقام المالية واذا ما أبدى الحاكم مرونة بذلك فلا مشكلة شخصية معه وابتداء من اليوم قد تظهر معالم مرحلة تعاط جديدة بناء على حركة اتصالات سيقودها موفدون بين الطرفين ليبنى على الشيء مقتضاه خصوصاً وأن المقصود أكل العنب وليس قتل الناطور، لا سيما إذا صدق وكانت هناك محاذير اميركية ازاء إقالة الحاكم لا طاقة للحكومة على تحمّلها في الوقت الراهن.