IMLebanon

طرابلس تضرم شرارة انفجار شعبي يعم لبنان

أبدت أوساط سياسية لبنانية مخاوفها من انفجار شعبي شامل في لبنان يؤدي إلى المزيد من الدمار في البنية التحتية لبلد يعاني من أزمة اقتصادية لا سابق لها في تاريخه.

وكشفت هذه الأوساط أن شرارة الانفجار الكبير في لبنان انطلقت من طرابلس عاصمة الشمال، وهي ثاني أكبر مدينة لبنانية وتعتبر المدينة الأكثر فقرا في حوض البحر المتوسط، مبدية شكوكها في إمكان ضبط الوضع في طرابلس في ضوء حالة الفقر التي تعاني منها المدينة والارتفاع الجنوني للأسعار بعد فقدان الليرة اللبنانية ثلثي قيمتها أمام الدولار.

وكان لافتا نزول مئات الشبان إلى الشارع في طرابلس ليل الاثنين – الثلاثاء واصطدامهم بقوات من الجيش والأمن الداخلي حاولت منعهم من قطع الطرقات وإشعال الحرائق ومهاجمة فروع المصارف في المدينة. ولوحظ أن هؤلاء الشبان تجاهلوا تماما التدابير الواجب اتخاذها في مواجهة انتشار وباء كورونا ورفعوا شعارات تركز على المعاناة من الجوع.

وقال الجيش اللبناني في بيان إن “مندسين قاموا بأعمال الشغب والتعرّض للأملاك العامة والخاصة في مدينة طرابلس ليل الاثنين”.

وأضاف أن أعمال الشغب أسفرت عن إصابة أربعين عسكريا بينهم ستة ضباط، فيما أوقفت وحدات الجيش في المدينة 9 أشخاص، لإقدامهم على رمي منزل نائب في البرلمان بالمفرقعات والحجارة، ورشق عناصر الدورية الموجودة في المكان بالحجارة، وافتعال أعمال شغب.

وشيّع المتظاهرون الشاب فواز السمان (26 عامًا) الثلاثاء إثر وفاته متأثرًا بطلق ناري أصيب به واتهمت عائلته عناصر الجيش بإطلاقه، في وقت أبدت فيه قيادة الجيش “بالغ أسفها” لمقتله مؤكدة “أنها فتحت تحقيقًا في الحادث”.

وأكد الجيش اللبناني فتح تحقيق في حادثة وفاة المحتج، مجددا تأكيده احترام حق التعبير السلمي.

واندلعت الاشتباكات إثر تردي الأوضاع الاقتصادية، إذ تجاوزت قيمة العملة اللبنانية عتبة الأربعة آلاف مقابل الدولار الواحد في السوق غير الرسمية (السوداء)، مقارنة بسعر الصرف الرسمي البالغ نحو 1500 ليرة.

وأسفرت المواجهات ليلاً، وفق قيادة الجيش، عن تعرّض ثلاثة مصارف وعدد من الصرافات الآلية للحرق واستهداف آلية عسكرية ودورية في المدينة.

 

وأقفلت جمعية المصارف كافة البنوك في طرابلس بدءًا من الثلاثاء “بسبب الاعتداءات”.

ودفعت مشاهد العنف في طرابلس، التي سقط فيها قتيل برصاص الجيش اللبناني أو مسلحين مجهولين استغلوا حالة الفوضى التي سادت المدينة، إلى تحذير أطلقه ممثل الأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش.

وقال كوبيتش إن “الأحداث المأساوية في طرابلس إشارة تحذير إلى القادة السياسيين. وإن الوقت ليس مناسبا لتبادل تصفية الحسابات”.

وبدا كلام ممثل الأمم المتحدة موجها إلى رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس الوزراء حسّان دياب اللذين يرفعان شعار “مكافحة الفساد” بغية النيل من زعماء جبهة المعارضة التي بدأت تتبلور أخيرا في ظلّ الاتصالات المباشرة وغير المباشرة بين كلّ من سعد الحريري رئيس الوزراء السابق وزعيم تيّار المستقبل والزعيم الدرزي وليد جنبلاط ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع.

وعلى الرغم من امتداد الإضرابات إلى بيروت مساء الاثنين الماضي ويوم الثلاثاء، إلّا أن الأوساط السياسية شدّدت على أن الوضع في العاصمة اللبنانية ما زال تحت السيطرة.

وأكدت هذه المصادر أن حزب الله الذي يتحكّم بالحكومة تراجع عن الضغط في اتجاه استبدال حاكم مصرف لبنان (البنك المركزي) رياض سلامة.

وكشفت أن ضغوطا دولية مورست على الحكومة من أجل طي قضية إقالة سلامة.

وشملت هذه الضغوط تحذيرات مباشرة من قِبل سفراء أجانب من أن إقالة حاكم مصرف لبنان ستعني أن “لا سقف بعد الآن لسعر الدولار تجاه الليرة اللبنانية”.

في غضون ذلك نقلت وسائل إعلام عن الشيخ نعيم قاسم، نائب زعيم حزب الله اللبناني، انتقاده البنك المركزي بسبب الانخفاض القياسي لليرة مقابل الدولار. وقال إن حاكم المصرف يتحمل المسؤولية جزئيا.

وتأتي تصريحات قاسم بحق حاكم المصرف المركزي رياض سلامة عقب هجوم رئيس الوزراء حسان دياب على سلامة الأسبوع الماضي مما دفع رئيس مجلس النواب إلى التحذير من إقالته.

وقال قاسم في تصريحات نقلها تلفزيون الجديد إن الأزمة تشير إلى “أخطاء متراكمة وأداء سلبي” من مصرف لبنان، مضيفا أن “حاكم مصرف لبنان يتحمل المسؤولية فيما وصلنا إليه لكن ليس لوحده”.

وأعلن وزير الاقتصاد راؤول نعمة أن أسعار السلع الاستهلاكية، في البلد الذي يعتمد على الواردات، ارتفعت بنسبة 50 في المئة منذ أكتوبر، بما يتماشى تقريبا مع انخفاض سعر الليرة في السوق الموازية.

ومنذ توليها مهامها مطلع العام، أعلنت الحكومة أنها ستنكبّ على وضع خطة إنقاذية للنهوض بالاقتصاد وإجراء إصلاحات ملحة، دون أن تُقدم على أي إجراء عملي وسط تفاعل أزمة السيولة وشح الدولار.

ويقول الأستاذ الجامعي والخبير الاقتصادي سامي نادر “حتى الآن، لم تفعل الحكومة شيئًا باستثناء تعليق دفع سندات اليوروبوند (…) لم تتخذ أي إجراء باتجاه الإصلاح”.

ويرى نادر أن الحكومة، التي هاجم رئيسها الجمعة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بشدة محملاً إياه مسؤولية التدهور السريع في سعر الصرف، “تطرح مقاربة غير متوازنة بتركيزها على الموضوع النقدي والمصرفي، وهو ضروري جدا، لكن من دون إغفال أو القفز فوق الإصلاحات في (قطاع) الكهرباء والقطاعات المنتجة والمرفأ”.

ويعدّ لبنان من أكثر الدول مديونية في العالم، إذ تبلغ قيمة الديون 92 مليار دولار، أي ما يفوق 170 في المئة من ناتجه المحلّي.

وخرجت أموال هائلة من المصارف رغم قيود مشددة على السحب بالعملة الخضراء والتحويلات.

ويحذّر نادر من أن البلاد “مقبلة على انفجار اجتماعي لا محالة، مع خسارة الليرة نحو مئتين في المئة من قيمتها، وانحسار القدرة الشرائية للمواطنين”، مبديًا تخوّفه من “سقوط حر من دون أي كابح أو مظلة”.