IMLebanon

“الحزب” بين 14 آذار و17 تشرين

كتب ميشال الشماعي في صحيفة “نداء الوطن”:

يبدو لافتاً في المشهد السياسي اليوم ما يحدث في طرابلس، جولات وصولات بين النّاس الثائرة والجيش اللبناني. وذلك على وقع معركة من نوع آخر بطلاها حاكم مصرف لبنان ورئيس الحكومة. مقابل تهديدات من “حزب الله” مالك السلاح غير الشرعي المنظّمة الوحيدة في لبنان التي تتزايد يوماً عن يوم بالنّزول إلى الشارع لدعم الحكومة الدّيابيّة لتثبيتها، ما يشير إلى كونه المايسترو الذي يضبط إيقاع اللعبة من بعيد. فهل سينجح “حزب الله” حيث فشلت 14 آذار؟

باتت المعركة اليوم بين تيّارين أساسيّين في لبنان: التيّار الكياني اللبناني، والتيّار التيوقراطي الجديد. وممّا لا شكّ فيه أنّ اللبنانيّين الكيانيّين الذين دفعوا ثمن حرّيّتهم طوال أكثر من ألف وخمسمئة سنة من المقاومة والعرق والدّماء، باتوا اليوم في مواجهة مباشرة مع التيوقراطيّين الجدد المقادين من قبل “حزب الله”. ويحاول الحزب أن يفرض فلسفته السياسيّة النّاعمة على فلسفة الدّولة التي لبننها ميشال شيحا وسعيد عقل وشارل مالك. وهذا يشير إلى أنّ المعركة تحمل أوجهاً مختلفة، والوجه الاقتصاديّ هو منها. في حين أنّ الحزب يتابع معركته بحنكة، فعلى سبيل المثال لماذا وزارة التربية باتت من أولويّاته عن طريق حلفائه؟ من المؤكّد أنّه يحاول أن يرسي نهجاً تربويّاً جديداً قد يتبلور مثلاً في مناهج جديدة تعمل على إنتاجها هذه الوزارة. وإلا ماذا يفسّر الحفاظ على المناهج التربويّة نفسها لنيّف وعقدين من الزمن؟ لذلك ينجح الحزب حيث فشلت 14 آذار مجتمعة في تحقيق ما سعت إليه. هو يرفض العمل مستنداً إلى قاعدة انقلاب القوّة مستخدماً سلاحه، بل يستخدم القوّة النّاعمة، ومن ثمّ يعود متموضعاً في الدّولة التي يحكم سيطرته عليها. كما فعل في أحداث السابع من أيّار 2008. لكن المفارقة أنّ اليوم لن يكون قادراً على تحقيق ضربته القاضية لأنّ العقل الكياني لا يمكن استبداله إلا بتغييب العقل الحرّ عند من سيُستبدَل به.

وهذا ما لن يتمكّن من تحقيقه. والدّليل على ذلك أنّ الثورة التي لم تعد تأبه للخطر الوبائي، نتيجة موت أبنائها من جوعهم المدقع، لن يستطيع مواجهتها بالقمع، حتّى لو كان هذا القمع بأدوات السلطة الأمنيّة التي يهيمن عليها. إنّ ما يستفزّ الشارع الثائر اليوم هو نفسه ما استفزّ الشارع السياسيّ الحكيم الذي رفض الانزلاق إلى مواجهة مؤسسات الدّولة الشرعيّة كالجيش والقوى الأمنيّة. وأعني في ذلك الحريّة. إذاً لا تهديدات في الشارع ولا مواجهات في الاقتصاد ستنجح لأنّ المعركة في مكان آخر. الحزب يحارب في مكان آخر لا يمتّ إلى واقع الكيانيّة اللبنانيّة بأيّ صلة. لذلك، معركته مع أترابه خاسرة، لن يجني منها إلا نقمة قد تدوم لسنين على البيئة التي حضنته لأنّه سيكون قد أخرجها من كيانيّتها الوطنيّة، ولم يستطع أن يؤمّن لها الوطن البديل. وعندها ستعود هذه البيئة لتنتظر من سيعيدها إلى صلب الكيانيّة اللبنانيّة. لذلك هي مدعوّة اليوم لتواكب الثورة اللبنانيّة، ثورة 17 تشرين، بتحديد خياراتها الوطنيّة، بعيداً من أيّ انتماء عقائدي خارج حدود الوطن. لكن ماذا لو جرّت اللبنانيّين مجتمعين إلى بحث جديد في صيغة جديدة قد تصبح خارجها؟