IMLebanon

البحث عن غطاء سياسي لخطة الحكومة الاقتصادية

كتبت أنديرا مطر في “القبس”:

“لم يعد من حل سوى صندوق النقد الدولي”، يقول دبلوماسي لبناني، تعليقاً على طلب الحكومة اللبنانية مساعدة الصندوق، “مرغمة لا بطلة، كآخر فرصة للانقاذ بعد اهدار لبنان جميع الفرص وآخرها مؤتمر سيدر”.

كان واضحاً بالنسبة لعدد من السياسيين وخبراء الاقتصاد أن الازمة المتمادية، التي بلغت ذروتها في تشرين الأول الفائت مع اندلاع الانتفاضة وصولا الى تشكيل حكومة اللون الواحد تحت مظلة حزب الله، سيؤدي حتماً الى طرق ابواب صندوق النقد الدولي. لكن هذا الأمر تأخر قليلا بسبب مجابهته بمعارضة شديدة من قبل الحزب الذي يرفض الخضوع «لأدوات استكبارية في العلاج» وفق نائب أمينه العام نعيم قاسم.

اذاً، وبعد اقل من 24 ساعة على اقرار الحكومة خطة الانقاذ الاقتصادي، وقع رئيسها حسان دياب مع وزير المال غازي وزني طلب مساعدة الصندوق. وقال دياب اثر التوقيع «هذه اللحظة مفصلية، بدأنا الخطوة الأولى نحو ورشة حقيقية لإنقاذ لبنان من الهوة العميقة التي يصعب الخروج منها من دون مساعدة فاعلة ومؤثرة».

التوقيع لا يفترض حكما حصول المساعدة، لكنه خطوة أولى من مسار طويل يبدأ بدراسة مجلس المديرين التنفيذيين في الصندوق الطلب اللبناني، فإذا وافق عليه يرسل وفدا إلى لبنان ليدرس مدى التزام الحكومة الاصلاحات التي أقرتها، والتي دأبت الجهات المانحة على تكرارها، وفي طليعتها تحقيق إصلاحات جذرية في الكهرباء والجمارك ومكافحة التهرب الضريبي. علما بأن خطة حكومة دياب ترمي الى مكافحة الفساد، وتأمل الحصول على عشرة مليارات دولار من الخارج، إضافة الى 11 مليارا من مؤتمر سيدر. ماذا بعد؟ وفق خبراء اقتصاديين، يبدأ مطلع الاسبوع الاستشاريان القانونيان للدولة لازارد وكليري غوتليب التواصل مع الجهات الدائنة لاطلاق المفاوضات معهم على إعادة هيكلة الدين. على خط مواز يفتح الاستشاريان خط تفاوض مع صندوق النقد الدولي يرجح ان يسهم في تسهيل التفاوض مع الدائنين بهدف شطب 75 في المئة من الديون الخارجية. وسيتسلم صندوق النقد الخطة التي اعدتها الحكومة لتقييمها ووضع ملاحظاته عليها، لتنطلق بعدها المفاوضات مع شركة لازارد ووفد لبناني يمثل رئاستي الجمهورية والحكومة بعد تأمين الغطاء السياسي للخطة الاقتصادية داخليا بعد حوار رئيس الجمهورية مع الكتل النيابية.

من شبه المؤكد أن وفد صندوق النقد سيضع ملاحظاته على الخطة التي تتوافق بعض الشيء مع معاييره، وصولاً الى اتفاق نهائي. ويرجح الاقتصاديون ان تطال هذه الملاحظات الاصلاحات في قطاع الكهرباء، وتحسين الايرادات والجباية واقصاء الصفقات والمحسوبيات، وترشيد القطاع العام وزيادة الضريبة على القيمة المضافة وعلى البنزين، وضبط التهرب الجمركي، اضافة الى «مرونة» في سعر صرف الليرة، بمعنى آخر تحريره. ونقلت وكالة «المركزية» عن أوساط اقتصادية مطلعة انه «فور الاعلان عن الخطة واهدافها ومراميها، صدرت اشارات ضوء اخضر مشجعة جدا، من دول مجموعة الدعم لصندوق النقد، من اجل تقديم مساعدة استثنائية للبنان لمواجهة كورونا والازمة الاقتصادية تقدر بنحو 10 مليارات دولار».

خارجيا، برز موقف للخارجية الفرنسية اعتبرت فيه ان من الضروري الآن للبنانيين تطبيق الاصلاحات لتمكين البلاد من التعافي. من ناحيته، اعتبر مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شنكر، أن تسلم الصندوق الدولي طلب مساعدة من لبنان يمثل اعترافاً من الحكومة اللبنانية بحجم الأزمة المالية، موضحاً ان بلاده تنظر في الخطة الإنقاذية للحكومة، لكنه قال إن الأمر يعتمد في نهاية المطاف على مدى استعدادها للقيام بالخطوات اللازمة للحصول على مساعدة الصندوق.

وأضاف أن أي أموال ستقدم هي ليست مساعدات مجانية، بل مشروطة بخطوات إصلاحية تساعد على إيجاد عوائد للدولة وتتيح للصندوق ممارسة الرقابة. اجتماع بعبدا المزمع رئيس الجمهورية ميشال عون، ابدى خشيته من استغلال بعض القوى السياسية لنقمة الشارع الذي انفجر في وجه الفساد، قائلا انه يفهم أن الناس يريدون تغييرات سريعة وملموسة، لكن معالجة تداعيات السنوات الثلاثين الماضية لن تحصل بين ليلة وضحاها.

وفي انتظار ما سيؤول اليه اجتماع عون مع رؤساء الكتل النيابية الأربعاء المقبل، تتوجه الانظار الى كتل نيابية وازنة هي خارج الحكومة، مثل كتلة المستقبل واللقاء الديموقراطي والقوات اللبنانية التي تبلور موقفها من تلبية دعوة الرئيس. علما بأن كتلة المستقبل، أطلقت موقفا عالي اللهجة؛ اذ لفتت انتباه رئيس الجمهورية والحكومة إلى ضرورة قراءة التاريخ القريب، وانه ليس لهما الحق في القفز فوق الحقائق الدامغة والادعاء بأنها المرة الأولى التي تقر فيها خطة اقتصادية، ويتم تناسي الخطط الاقتصادية السابقة التي لو نُفذت لكان لبنان بألف خير.

رئيس حزب القوات سمير جعجع رأى ان الخطة «ليست سوى عبارة عن تصوّرات ووعود وتمنيات». اما كتلة  اللقاء الديموقراطي فاعتبرت الخطة «ناقصة وعليها ملاحظات كثيرة». وحدها جمعية المصارف عارضت خطّة الحكومة، ووصفتها بأنها انفرادية، معتبرة أن «عملية إعادة الهيكلة المحلية، كما وردت في الخطة، من شأنها الإمعان في تقويض الثقة بلبنان محليا ودوليا». مؤكدة ان ثمة بدائل ذات مصداقية، وانها تعتزم أن تقدم قريبا للحكومة خطة كفيلة بتخفيف الركود وتمهيد الطريق لنمو مستدام.