IMLebanon

واشنطن تستعدي بكين: أميركا تنتظر كارثة حزيران

قرّرت الإدارة الأميركية أن تخوض حملة شرسة ضدّ الصين عبر تحميلها مسؤولية انتشار الوباء. حملةٌ تسعى الإدارة من ورائها إلى التغطية، وإن جزئيّاً، على فشلها في إدارة أزمة فيروس «كورونا»، بعدما أصبحت الولايات المتحدة في مركز الصدارة عالمياً، لجهة عدد الضحايا: 70 ألف وفاة، وأكثر من مليون و200 ألف إصابة، فيما يُتوقَّع أن تزيد هذه الأرقام إلى أكثر من الضعف اعتباراً من الشهر المقبل

بات خطاب الإدارة الأميركية موجّهاً أكثر مِن أيّ وقتٍ مضى؛ شكّلت الجائحة فرصة مثاليّة للانقضاض على الصين، البلد الذي وضعه وزير الدفاع مارك إسبر، قبل وقتٍ ليس ببعيد، على رأس لائحة الأعداء. لكن العداوة في وقتِ الوباء لها حسابات مختلفة. يعلَم الرئيس الأميركي أنه خسر المعركة أمام «كورونا»، وإذ كان لا يزال يدافع عن أدائه في إدارة الأزمة، فهوَ انتقل، توازياً، إلى مرحلة الهجوم لعلمِه بأن التقديرات التي وُضعت والمنحنيات التي رُسمت لعدد الضحايا، ستحتاج إلى تعديل في مقبل الأيام. تعديلٌ مِن شأنه أن يضاعف حجم الوفيات، وخصوصاً في ظلّ استعجال البلاد إعادة تشغيل اقتصادها الراكد لتجنُّب مزيدٍ مِن الخسائر.

منذ بدء تمدُّد «كورونا» في الولايات المتحدة، استعر الهجوم الأميركي ضدّ الصين، باعتبارها البلد المُصدِّر للوباء. مع مرور الوقت، علت النبرة الأميركية، لتبدأ الإدارة البحث عن الأدوات الأنجع لمحاسبة بكين، لعلّ ذلك يحوِّل النقاش مِن اتّجاه فشلها في إدارة أزمةٍ جعلت من البلد بؤرة الفيروس عالمياً، إلى اتجاه آخر: هناك مَن يتحمَّل مسؤوليةَ ما آلت إليه الأمور. وعليه، بدأت الإدارة حملةً إعلاميّة منسّقة هدفها صرف الانتباه، وإن قليلاً، عن المحنة الداخلية، في موازاة تهديد الرئيس بإعادة إحياء الحرب التجارية. وبين التهديد والآخر، أعلن ترامب أن ما يصل إلى 100 ألف أميركي قد يلقون حتفهم مِن جرّاء المرض، وهو ضعف العدد الذي توقّعه قبل أسبوعين فقط. إلا أن الرقم هذا يبدو متواضعاً أمام التقديرات غير المُعلَن عنها. إذ تتوقّع الإدارة الأميركية ارتفاعاً مطّرداً في عدد الإصابات والوفيات الناجمة عن المرض بعد الفتح التدريجي للاقتصاد، لتصل إلى حوالى ثلاثة آلاف وفاة يوميّة اعتباراً من الأوّل من حزيران/ يونيو، أي ما يقرب مِن ضعف المستوى الحالي البالغ نحو 1,750 وفاة، فيما سيرتفع عدد الإصابات من حوالى 25 ألفاً إلى 200 ألف يومياً بحلول الشهر المقبل، وفقاً لوثيقة داخلية حصلت عليها «نيويورك تايمز»، وتجمع نماذج «مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها» وبيانات وكالة إدارة الطوارئ الفدرالية. وبحسبةٍ بسيطة، سيبلغ عدد الوفيات في الشهر السادس وحده، 90 ألفاً، يضاف إلى ما يزيد على 100 ألف وفاة (إذا واصل منحنى الضحايا ثباته)، ليتجاوز العدد الإجمالي للوفيات الـ 200 ألف في أقلّ من شهرين، وأكثر من مليوني إصابة. أرقام تؤكّد على حقيقة واقعة: في حين أن الولايات المتحدة كانت متعثرّة خلال الأسابيع السبعة الماضية، فإن الكارثة ستتفاقم في مقبل الأيام. كارثةٌ رغم تعاظمها، إلا أن ترامب لا يزال يعمل على التخفيف من وطأتها، كما أنه يجد وقتاً لإطلالاته الإعلامية، للحديث عن ضرورة إنهاء الإغلاق، وللإشارة إلى أداء الاقتصاد «المتميّز» في 2021 حين يُعاد انتخابه لولايةٍ ثانية. لكنه يعتقد بأن تعامل الصين مع الوباء، دليل على أنها «ستبذل كل ما في وسعها» ليخسر انتخابات الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر.
في الحسابات الجديدة، حلّ الفيروس، في أهميّته، محلّ الحرب التجارية، بعدما أصبح الاتفاق التجاري بين أكبر اقتصادين في العالم «ذا أهميّة ثانوية»، كما يقول الرئيس الأميركي الذي أماط اللثام، أخيراً، عن «كشف» جديد: اطّلعت على «أدلّة» تشير إلى أنّ فيروس «كورونا» مصدرهُ مختبر صيني في ووهان. ومن دون أن يحدِّد ماهية هذه الأدلة، هدّد بفرض رسوم جمركية عقابية على الصين. وعمّا إذا كان يدرس وقف الولايات المتحدة سداد مدفوعات عن التزامات ديونها كوسيلة لعقاب بكين، قال ترامب: «حسناً، يمكنني أن أقوم بالأمر بشكل مختلف. يمكنني أن أقوم بالشيء نفسه، لكن حتى مقابل المزيد من المال، فقط عبر وضع رسوم. لذا لست مضطراً لفعل بذلك». في الاتجاه ذاته، جاءت تصريحات وزير الخارجية، مايك بومبيو، الذي تحدّث، بدوره، عن «عدد هائل مِن الأدلة» تشير إلى أن مصدر الفيروس هو «معهد ووهان لعلم الفيروسات». لكنه أوضح، في الوقت ذاته، أنه يتفّق مع تصريح مجتمع الاستخبارات الأميركية الذي ينسجم مع «التوافق العلمي الواسع في شأن مسألة أن الفيروس (المسبّب لـ)كوفيد-19 ليس من صنع البشر، وليس معدّلاً جينياً». ورأى أن المحاولات الصينية للتقليل من أهمية الفيروس ترقى إلى «محاولة شيوعية كلاسيكية للتضليل». تعليقات الوزير الأميركي جاءت توازياً مع تقرير نشرته صحيفة «ساترداي تلغراف» الأوسترالية، يشير إلى أن الصين حجبت عمداً أو دمّرت الأدلة في شأن تفشّي المرض، بحسب ملف مِن 15 صفحة أعدّته ما يسمى «العيون الخمس»، أي وكالات الاستخبارات في الولايات المتحدة وأوستراليا وبريطانيا وكندا ونيوزيلندا. من جهته، اعتبر وزير الدفاع، مارك إسبر، أن الصين وروسيا تستغلّان الحالة الطارئة للدفع بمصالحهما في أوروبا. وعمّا إذا كانت بكين وموسكو تحاولان كسب نفوذ في إيطاليا من خلال إرسال مساعدات، قال لصحيفة «لا ستامبا» إن بلاده «على دراية بأن بعض (الدول) ستحاول استغلال الجائحة كوسيلة للاستثمار في القطاعات الحيوية والبنى التحتية بما سيكون له أثر طويل الأمد على الأمن… بلا شك، سيحاول منافسون محتملون استغلال نفوذهم للدفع بمصالحهم وخلق انقسامات في حلف شمالي الأطلسي وفي أوروبا… هواوي وشبكة الجيل الخامس مثال مهمّ على مثل تلك الأنشطة الخبيثة من الصين».