IMLebanon

السلطة تبرع بالقمع الإقتصادي والأمني..

كتبت مريم سيف الدين في صحيفة “نداء الوطن”:

هدأ الشارع اللبناني بعد احتجاجات في مناطق مختلفة شهدها جرّاء انخفاض سعر صرف الليرة بشكل مفاجئ أواخر شهر نيسان. فاللحظة التي ظنّها محتجون لحظة “الثورة” وبأنها اللحظة المناسبة لإعادة إحياء انتفاضة تشرين، لم تكن كذلك. بل كانت التحرّكات أشبه بـ”تنفيسة”، تفاوتت حدّتها بين منطقة وأخرى، وظهرت العاصمة بيروت على أنها الأضعف في الاحتجاج. وكشفت التحركات مهارة الأجهزة الأمنية وبراعة وزير الداخلية محمد فهمي في قمعها، فالرّجل ذو خبرة في هذا المجال. في المقابل استمرت المجموعات والمحتجون بتخبطهم وضيق خياراتهم.

ومن خلال حديثهم لـ”نداء الوطن” يتبيّن أن العديد من المواظبين على التحرك في الشارع ينظرون بقلق إلى مشهد الأيام الماضية.

وإن كان الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، قد ظهر في خطابه أمس الأوّل مرتاحاً لوضع الشارع، وسعيداً بمحدودية تحرّكاته، لكنّ “الحزب” لا يبدو مرتاحاً للتطورات المقبلة. فهدوء الضاحية التي كانت الأكثر انتفاضاً فجر 18 تشرين، محروس بانتشار عناصر “الحزب” الأمنية مساءً في أحيائها خوفاً من اندلاع احتجاجات لا يريدها “الحزب”، باعتباره الأب الروحي للحكومة التي يطالب بمنحها الفرصة على الرغم من استمرارها على نهج سلفها. وكأنه لم يدرك أن الاحتجاجات كانت على نهج الحكومة مجتمعة ورئيسها لا على شخص الرئيس سعد الحريري. ويظهر ربط نصرالله، بين “المناخ الذي أثير في الأسبوعين الماضيين” و”حركة السفيرة الأميركية”، بعدَ السيّد عن الأرض وعن هموم الناس، ونسيانه، ربّما أنّ التحركات اندلعت جراء هبوط سعر صرف الليرة والارتفاع الجنوني في أسعار السلع. أما السبب في اندلاع الاحتجاجات ومن ثمّ تراجعها فلا يمكن الحصول عليه من خطابات نصّت بعيداً عن الأرض وعن ناسها، وإنما من خلال الإطلاع عن كثب على حركة الاحتجاجات.

فالتظاهرات ووجهت بحسم كبير من قبل القوى الأمنية وتحديداً الجيش اللبناني، الذي أطلق حملة اعتقالات سريعة طالت العشرات. كما كشف موقوفون تعرضهم للتعذيب بالكهرباء والضرب. بينما أربك المحتجون من مسار الأمور ونوع المواجهة التي فرضت عليهم.

تساؤلات الناشطين

وفي صيدا يقول أحد الناشطين إن ليلة احراق المصارف شاهدوا وجوهاً جديدة لم يعتادوا رؤيتها من قبل، شاركت في تحركاتهم ورمت المولوتوف على المصارف ما أشعرهم بالحيرة. ويرجح الناشط الصيداوي خرق أجهزة وأشخاص لتحركهم.

في بيروت، يكشف ناشط بارز لـ”نداء الوطن” عن أن العلاقات بين المجموعات سيئة، ويوجّه عتبه على الناس التي “ما زالت مخدرة” إذ فوجئ بهدوء الشارع، “فسيكولوجية الشارع في لبنان غير مفهومة”.

في طرابلس، تقول الزميلة جنى الدهيبي لـ”نداء الوطن” إن لديها هي أيضاً تساؤلات حول حقيقة ما جرى وسرعة انتهاء الاحتجاجات. إذ ترى أن جزءاً مما جرى في المدينة كان مدبراً، وأنّ “حجم العنف الذي مورس فقط في طرابلس لم يكن مفهوماً، هناك شيء غير طبيعي كيف بدأت الأمور وانتهت، ومن هم أولئك الذين نزلوا إلى الشارع وانسحبوا منه بسرعة. ولا أقصد الطرابلسيين العاديين وإنما أتحدث عن العنف”.

من جهته، يرى ماهر أبو شقرا، من مجموعة “لحقي” في حديث لـ”نداء الوطن” أن السلطة تمارس بطشاً إقتصادياً ومعيشياً ضدّ الناس، وأيضاً بطشاً أمنياً، ويضيف: “السلطة واضحة بأنّ الناس ستعيش هذا الجحيم وفي حال عبّرت عنه ستحصل مواجهة على أعلى مستوى وعملية قمع شديد”. ويعتبر أن السلطة تلجأ أيضاً إلى محاولة الإيحاء بأن هذه التحرّكات تتبع تصفية حسابات سياسية لقمعها. ويصف ما حصل أخيراً بـ”فشة خلق جوبهت بقمع شديد، وتظهر كيف ستتعاطى الشرطة في المراحل القادمة، ما يتطلب جهداً أكثر في التنظيم وبضرورة لامركزية التحركات لتربك النظام أكثر فأكثر”.

ويتوقّع الأستاذ الجامعي باسل صالح، الناشط في “لحقي”، أن يبقى الشارع اللبناني على هذه الحال فترة طويلة، حيث سيشهد صعود احتجاجات ومن ثم خفوتها. ويرى صالح أن الأحداث تضع الانتفاضة أمام استحقاق وهو أن تتوجّه إلى الناس بخطاب سياسي واضح، فيما لا يرى أن الوقت قد حان لأن تفرز قيادات، “ففي ظل استعارة الهجمة الأمنية على الانتفاضة سيتعرض بعض الأشخاص للاستهداف الأمني، الأهم التوحد على مشروع”.

وإذ تظهر الأحداث أنّ السلطة لا تزال الأقوى، والأقدر على إدارة التحركات على الأرض، تسقط نظرية أنّ جوع الشعب سيحوله لثائر، بل ربما يتحوّل الجوع أحد حلفاء السلطة. إذ تعمل الأحزاب على استغلال الضائقة المالية لإعادة كسب ولاءات الناس، وبذل الجهد لئلا يتحوّل عنف المواطنين باتجاهها، غير مكترثة بأن يمارسوه ضد بعضهم. وهو ما بدأت تظهر تباشيره من خلال جرائم القتل والسرقة التي تحصل. انطلاقاً من ذلك، يرى صالح أن الانتفاضة بحاجة إلى نقلة نوعيّة، “لكن إلى الآن لا أحد يعرف شكلها. ويجب خلق لجان في المناطق والأحياء، فنحن متجهون إلى مرحلةٍ لم يشهدها لبنان”.