IMLebanon

لبنان أمام أخطر حلقات الأزمة

كتب د.ناصر زيدان في صحيفة الأنياء الكويتية:

من المؤكد أن التوليفة السياسية التي تسيطر على الحكم والحكومة اليوم في لبنان تبحث عن تسجيل أهداف في مرمى أخصامها، وهذه التركيبة التي كانت تشعر ببعض الضيق من المشاركة مع قوى أخرى لا تشاطرها الرأي، تلعب في الوقت القاتل بضربات جزاء جنونية، وليس بالضرورة أن يؤمن لها هذا الجنون الفوز المنتظر، بل قد ينقلب السحر على الساحر، وتخسر التركيبة السياسية رصيدها، لكن الجمهور اللبناني الذي يلفه القهر من كل حدب وصوب، يبكي دما على وطن وضع في ملعب مقفل، منع عليه إحضار أصدقائه والمشاهدين، بسبب القيود التي تفرضها الوقاية من جائحة كورونا من جهة، وبسبب تعطيل كل وسائل التواصل الأرضي والجوي والبحري مع أصدقائه من جهة ثانية.

وفي هذا السياق، لا يمكن إغفال كلام رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي قال انه سيسلم لبنان بحالة أفضل مما تسلمه، في وقت تحيط الويلات ببلد الأرز من كل الجوانب الصحية والمالية والاقتصادية والسياسية. ولا يكفي إقرار الحكومة «لخطة الإنقاذ» كما أسمتها لبعث التفاؤل فالعبرة للتنفيذ كما قال د.سمير جعجع، لأن خطط مماثلة كانت قد وضعت في العام 2002 وفي العام 2007 وفي العام 2010 وفي آخر جلسة لحكومة الرئيس سعد الحريري نهاية العام 2019، ولكن كل هذه الخطط لم تسلك طريقها للتنفيذ، بسبب التعقيدات السياسية التي كانت تواجه الحكومات المتعاقبة من قبل القوى الأساسية التي تشارك في التركيبة الحكومية الحالية.

يمكن ذكر بعض الشواهد على استعجال المنظومة الحكمية الحالية في تسجيل أهداف، وتحميل المعارضين مسؤولية عرقلة تنفيذ الإصلاح في السابق:

الاستعجال بفتح ملف الفساد في قطاع الكهرباء والطاقة أمام القضاء قبل أن يقر قانون استقلالية السلطة القضائية، بهدف النفاذ من فتح كامل الملف المسؤول عن 50% من الهدر، وحصره بباخرة فيول مغشوش واحدة، وتوقيف أشخاص هامشيين واستبعاد توقيف الوزراء المتعاقبين، هو شكل من أشكال البطولة القضائية الوهمية، على يد قضاة مشكو من ولائهم لدوائر القصر كما قال الرئيس سعد الحريري بالذات.

علما أن الملف ذاته كان قد أثاره النائب بطرس حرب أمام البرلمان في جلسة 7/4/2017، وحدد الأسماء ومنهم فريد نور الدين بجاوي مدير شركة سوناطراك والملاحق من الانتربول بتهمة قبض رشاوى بأكثر من مليار دولار، ورغم كل ذلك فقد تم منح بجاوي لاحقا الجنسية اللبنانية بمرسوم 11/5/2018، ولم يتحرك القضاء في حينها.

وقد تكون أخطر حلقات الأزمة التي تواجه لبنان، هي الغيوم السياسية السوداء التي تحيط به، وسط مشاريع تطرح من هنا وهناك، يمكن أن تكون أخطر من سايس – بيكو (عندما قسمت المنطقة العربية مناطق نفوذ للمستعمرين عام 1916) كما قال زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط.

وكلام المرشد الأعلى السيد خامنئي عن «المرونة الشجاعة» مضافا إليها الاستعداد لتبادل السجناء مع الأميركيين والصمت الذي رافق تشكيل الحكومة في العراق، وسط اضطراب غير عادي على الساحة السورية، يرافقه توافقات دولية، او توترات.

كل ذلك ينذر بأن لبنان سيكون الحلقة الأضعف، لأنه يعاني من مشكلات تفوق التصور، وقد يكون غير قادر على مواجهتها في ظل التركيبة الهشة الحاكمة، والتي قد تخوض مغامرات مؤذية في سياق الدفاع عن نفسها بسبب اتهام رموزها بسوء الإدارة وبالفساد.

وبسبب خشية قوتين رئيسيتين في الحكومة من افتضاح مسؤوليتهما عن الانهيار الذي حصل، وللتعمية على قرار المحكمة الدولية القريب، وبسبب الضباب الأسود الذي يحيط بالمنطقة، قد يقدمان، مجتمعين أو منفردين على ارتكاب مغامرات خطرة، ربما يكون منها البحث عن صيغة أخرى للنظام، أو الإعداد للتعايش مع شكل من أشكال الفيدرالية، أو اللامركزية المالية في المستقبل.