IMLebanon

الحكومة محميّة… وبمنأى عن “صراع الموارنة”

كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:

باكراً دُشّنت حلبة رئاسة الجمهورية. قبل أكثر من عامين على انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، انطلق “صراع الموارنة”. أعلنها رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية معركة مفتوحة على مصراعيها. أحرق كل المراكب التي قد تعيده إلى القصر طالما أنّ سيده هو الجنرال… بالتكافل والتضامن مع رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل.

بدا فرنجية كمن أطلِق سراحه من قفص اللياقات السياسية والحسابات الدقيقة، ففجر الجسور مرة واحدة وأخيرة. كان من الممكن أن تمرّ قضية الفيول المغشوش، واستطراداً مذكرة التوقيف الصادرة في حق مدير المنشآت النفطية سركيس حليس بهدوء أكثر. كان من الممكن معالجتها عبر الأطر القانونية. لكن الزعيم الزغرتاوي قرر التخلّص من “بلاطة على صدره”. فبقّ البحصات لا البحصة ليكرّس الطلاق الرسمي بعد مرحلة الهجر، ويقود المعركة نحو كرسي بعبدا مهما كان الثمن.

بنظره، هو لم يخطط لهذه الساعة، لا بل استدرجه إليها العونيون، في محاولة لزجّ اسمه في ملف يُراد له أن يكون شعبوياً. ولذا قرر الردّ الصاع صاعين. بالأساس، هو دخل حكومة حسان دياب، على قاعدة “رجل للأمام وعشرة إلى الوراء”. أصرّ يومها على تسمية وزيرين يكونان من حصته، وإلا “لكم حكومتكم ولي معارضتي”. جلّ ما أراده فرنجية من ذلك التصعيد هو منع احتكار باسيل للكوتا المسيحية في الحكومة وترك الفتات “للمردة”، فصوّب مباشرة على الثلث المعطّل لتجريد باسيل من سلاحه الفتاك.

حينها لم يكن أحد ليعرف حقيقة ماذا ينتظر الحكومة المؤلفة على وقع حناجر المنتفضين. قد تكون نهايتها في أيام بضربة قاضية يوجهها الشارع. وقد يتسنى لها أن تعمّر أكثر من سنة أو سنتين، وقد تنهي روزنامتها في آخر أيام عهد ميشال عون. وهنا صار لها حسابات مختلفة دفعت برئيس “تيار المردة” إلى التحذير من تجيير ثلث صاف لمصلحة باسيل.

نال فرنجية مراده من الحكومة. ومع ذلك، لا يزال يتصرف وكأنه يقف على حافتها. أي نسمة قد تضعه خارجها، أسوة برئيس مجلس النواب نبيه بري. يتصرف الحليفان وكأنّهما يجلسان في حكومة الخصوم، وليس حكومتهما. تقول مصادر وزارية إنّ أكثر الوزراء تعبيراً عن مواقف قابلتهم “القانونية”، هم وزراء الرئيس بري و”المردة”. ومع ذلك، يمكن لهؤلاء أن يقلبوا الطاولة رأساً على عقب في أي لحظة.

سريعاً، تحولت حكومة حسان دياب إلى ساحة صراع بين “ديوك الموارنة”، ولو عن بعد. لكنها لن تكون معفية أبداً من ضريبة التراشق الاعلامي و”التنافس القاتل” بين أبناء الصف الماروني. يمكن لأي تعيين في الإدارة اللبنانية، أن يرفع المتاريس بين قوى الثامن من آذار، عبر ممثليهم اللاحزبيين.

أين “حزب الله” من كل هذا الضجيج؟

لم يسبق لـ”الحزب” أن علّق بشكل علني على خلافات حلفائه. في واحد من المرات، وصف الأمين العام السيد حسن نصرالله فرنجية بـ”صديقي” و”حليفي” و”نور عيني”، ولعل العبارة الأخيرة لم يستخدمها أي أمين عام لـ”حزب الله” منذ نشأة “الحزب” حتى يومنا هذا. أما باسيل فهو الحليف الاستراتيجي الذي “تُغفر” له دوماً “خطاياه”، لاعتبارات عميقة تتصل بالشارع المسيحي.

ما يعني أنّ “الحزب” لم ولن يلزم نفسه بالمفاضلة بين حليفيه، ولا ضرورة للوقوع في هذا الفخ في هذه اللحظات بالذات، وحين نصل للرئاسة نصلي عليها. هكذا، دأب على التصرف مع حالة الخصومة بين حلفائه، وهو لن يغيّر عاداته في هذه الظروف الصعبة.

هو متأكد من أنّ حلفاءه يرسمون خطاً أزرق بين خلافاتهم وبين مصير حكومة حسان دياب، فيما هؤلاء متيقّنون أنّ “الحزب”، وحتى إشعار آخر يضغط ليكون الدرع الواقي لحكومة اضطلع بدور حيوي للمساهمة في ولادتها، بعدما سلّم الثنائي الشيعي بأنّ رئيس الحكومة السابق سعد الحريري يريد تحييد نفسه عن ملعب المواجهة…. حتى لو لم “تركب” الكيمياء بين بري ورئيس الحكومة، وحتى لو أن فرنجية لا تريحه “سطوة” رئيس “التيار الوطني الحر” على دياب. “حزب الله” على بيّنة من كل تلك الملاحظات، ولكن هذا لا يعني أبداً أنّ رفع الغطاء عن الحكومة مسموح.

هكذا يفترض أن يدخل وزيرا “المردة” إلى الحكومة بعد أن يضعا غضب فرنجية خارج مقرّ مجلس الوزراء. أن تستمر الحكومة بعملها، كونها أفضل الحلول المتاحة في الوقت الراهن، شيء، وأن يشمّر الموارنة عن سواعدهم للاشتباك الكبير، شيء آخر لا تأثير له على مجريات العمل الحكومي. أقله هكذا يتمنى “حزب الله”.