IMLebanon

‪النبطية التزمت التعبئة… وأبو حسن يجمع القُمامة ليعيش‬

كتب رمال جوني في صحيفة “نداء الوطن”:

عاد الفيروس للإنتشار، هذه المرة بوتيرة متسارعة، لا تقلّ سرعته عن سرعة إنتشار وباء الفساد، الذي تغلغل في كل شيء كالسوسة التي نخرت الحياة، وأردت المواطن فقيراً. إرتفاع أعداد الإصابات فرض إقفال البلد والدخول في الحجر الذاتي… قد تصيب هذه المرة، وقد تخيب.

لم يعد هناك خيار آخر غير الإقفال لتطويق الوباء، ليس صعباً السيطرة على المعركة بالحكمة، فلا سلاح فتّاكاً للقضاء على “كوفيد – 19” غير الحَجر، القشّة الأخيرة للحؤول دون الإنتشار.

إختفى الناس من الشوارع، إلتزموا منازلهم، لم يخرجوا إلا للضرورة، فضّلوا التباعد على جلب الكارثة للمنطقة.

يشتدّ وقعُ “كورونا” مع تسارع الأرقام، كانت صادمة في الأيام الماضية، فالتفلّت والتراخي عنصران أسهما في الوقوع بالمحظور، عادت نظرية المفرد والمجوز، وعاد التقيّد بالتعبئة، أقلّه هذه الفترة.

عاشت النبطية يومها الأول من الإقفال بكثير من الحذر والترقّب، إختفى الناس من محال الخضار والسوبرماركت، فضّلوا التريّث، فلا شيء ضروري، آثروا الإنقلاب على ما شهدته المدينة في الأيام الماضية حين إنفتحت على الحياة، ظنّاً منهم أن “كورونا” رحل الى غير رجعة، من دون أن يلتزم أحد بالوقاية.

جمع البلاستيك والتنك

وحده خرج الختيار للتنزّه، غير آبهٍ بالتعبئة العامة ولا بـ”كورونا”، حمل وردة حمراء، وسار بها في طرقات النبطية الفارغة، يبحث عن أمل مفقود منذ زمن، لم يُكتب له أن يعيش بعضاً من الإطمئنان، فالراحة باتت تخضع لضريبة الفقر والأمان الذي يسيطر عليه وباء “كورونا”، لم يهتم للخطر المُحدق، خرق التعبئة، ومضى باحثاً عن جرعة راحة، وسط سيطرة القلق والبؤس على حياة الناس، “خرجت لأبحث عن راحة البال”، تكفي كلمته لتوسّم خريطة معاناته مع الوحدة والقهر والظلم في آن، لم ينكفئ عن الحياة، ولا يريد.

أرخت الأزمة الإقتصادية بثقلها على حياة الناس، شرّدت أحلامهم في طرقات المدينة، دفعتهم لتسوّل لقمة العيش في مجتمع يخضع للأوبئة والإنهيار وتحكمه سلطة “الأنا”، لم يجد أبو حسن خياراً أمامه سوى البحث في القمامة عن البلاستيك ليعيش، لم يكن خياراً سهلاً، غير أن الحاجة تبرّر الوسيلة. منذ أشهر، وشغل أبو حسن الشاغل جمع البلاستيك والتنك من حاويات النفايات في النبطية وقراها، إستغل الأزمة القائمة، وعدم إيلاء الناس هذه المواد إهتماماً، وقرّر جمعها وبيعها، ليؤمن قوت عائلته.

في الطريق مقابل مدرسة عبد اللطيف فياض، تحدّى أبو حسن التعبئة والإقفال، خرج ليعمل في جمع البلاستيك من النفايات، تلك أصبحت مهنته في زمن الفقر والعوز. يمدّ يده بين النفايات، يبحث عن شيء يجمعه ضارباً بعرض الحائط خطر “كورونا” وتداعياته على صحته. برأيه “كورونا” الفقر أخطر علينا، نعيش على باب الله، قذفتنا الأزمة الإقتصادية الى جورة الفقر، بتنا نتسوّل لقمتنا، إن لم نعمل لا نأكل، وإن حُرمنا لقمتنا لا أحد يسأل، نحن نعيش في زمن كل مين إلو زعيم، وكل شي للزعيم، ونحن الفقراء، نعيش على باب الله”.

يُسيطر الحزن على وجهه الكهل، ساعات يمضيها مُتنقّلاً بين حاوية وأخرى من دون أن يلتفت الى شيء، هو الذي فرضت عليه الظروف أن يعمل في النفايات، لا ينتظر ابو حسن شيئاً من أحد، ربّ العائلة الذي توقفت أعماله بسبب الأزمة الراهنة، وخسر الكثير من ماله لم يعد يملك خيارات لحياته، “لم يتركوا لنا خيارات لنعيش، سرقوا منّا كل شيء، لم يقدّموا لنا شيئاً، رجل مثلي يُفترض أن يخضع لنظام الشيخوخة ليؤمّن له معاشاً تقاعدياً، راتباً شهرياً يقيه شرور العوز ومنّة الناس، لكنّنا في دولة الشحار والتعتير”.

بالكاد يجمع أبو حسن تنكاً وحديداً بقيمة ٢٠ الف ليرة يومياً، مبلغ يجب أن يوفره ليعيش مع زوجته وأولاده الثلاثة، يُدرك أنه لا يكفي، ويعلم أنّ المهنة التي فرضتها الظروف صعبة، ويراها البعض “حقيرة”، ولكنّها برأيه “مفتاح فرج، أقلّه تُمكّننا من تأمين لقمتنا بالحلال”، ولا يحقّ لأحد أن يسخر من مهنته المستجدة، برأيه “على الناس أن ينتفضوا ضدّ من سرق كل مقدّراتنا ويرقص على فقرنا، ولكن من يسأل عنّا، ومن يدافع عن المشحرين”؟

بحسب أبو حسن، “أقلّه، تمكنّا من الصمود في مواجهة ازمة “كورونا” والغلاء، كل المصالح متوقّفة وعلينا أن نجترح مهناً نتحدّى بها أوضاعنا المهترئة”.