IMLebanon

الحكومة “شريك مضارب” مع المصارف!

كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”:

بعد تأجيلها لسنوات طويلة عادت قضية دمج المصارف إلى الواجهة من جديد. لكن هذه المرة ليس من بوابة الترغيب باعتماد آليات السوق الطبيعية، بل بالترهيب والإكراه الحكومي. فإعادة هيكلة القطاع المصرفي هي الاولوية مع انطلاق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. الاتفاق في الشكل على تنظيم القطاع وتصويب دوره يقابلة اختلاف في المضمون على الطريقة بين الحكومة من جهة والمركزي والمصارف التجارية من جهة أخرى.

النية السيئة بحق القطاع الخاص عموماً والمصرفي خصوصاً، مبيّتة في “المشروع المالي” للحكومة. فعدا عن ان مرد الأزمة يعود إلى الدولة حصراً وتخلفها عن سداد ديونها، بسبب الهدر والفساد والفشل المتلاحق في الادارة، فإن المشروع المالي للحكومة أتى عدائياً تجاه المصارف. فالحكومة طالبت من خلال مشروعها المالي بصلاحيات استثنائية لاعادة هيكلة المصارف، وتحميل القطاع الكلفة الكاملة للأزمة من جيوب المودعين والمساهمين. وذلك من خلال الـ “Hair cut” القسري، واشتراط تخلي المساهمين في البنوك عن الارباح التي حصلوا عليها في السنوات الاربع الماضية. وبالتالي الوصول تلقائياً إلى تقزيم القطاع المصرفي القائم، وانشاء 5 مصارف متخصصة جديدة.

تقزيم القطاع المصرفي

“طلب الحكومة صلاحيات استثنائية لهيكلة القطاع المصرفي، هو لزوم ما لا يلزم”، يقول رئيس فريق الابحاث الاقتصادية في بنك بيبلوس نسيب غبريل، خصوصاً بعد ان “اتخذت القرار التاريخي في السابع من آذار بالتخلّف عن سداد الديون بالعملات الاجنبية “يوروبوندز”. هذا من جهة”، أما من جهة اخرى فيعتبر غبريل ان “العداوة التي أظهرتها الحكومة تجاه القطاع المصرفي لن تشجع أي مستثمر على المساهمة بضخ الاموال في رساميل المصارف من جديد”. وعليه فان تصغير حجم القطاع والدخول في عمليات الدمج والتملك سيكون النتيجة الطبيعية بعدما قضى تخلف الدولة عن سداد ديونها بالعملات الاجنبية (يوروبوندز)، والمحلية (شهادات الايداع) لدى مصرف لبنان، على المصدر الوحيد لدخل المصارف بالعملتين الاجنبية والمحلية.

في الاجتماع الاخير بين المصارف التجارية ومصرف لبنان، اعتبر الاخير ان التعثر عن دفع “سندات اليورو” سيؤدي الى تعثر في المصارف التجارية ومصرف لبنان، الذي يحمل شهادات بقيمة 6 مليارات دولار، على السواء. مما اضطر “المركزي” الى رفع الخسائر الائتمانية المتوقعة “expected credit losses”، على “اليوروبوندز” الى 45 في المئة. ما يعني تسجيل المصارف خسائر بنسبة 45 في المئة على شهادات اليورو تلقائياً. وإذا أضفنا قرار مصرف لبنان الصريح الى اعادة هيكلة سندات الخزينة بالليرة وتراجع المحفظة الائتمانية للقطاع الخاص وارتفاع نسب الديون المعدومة بسبب الانكماش وتراجع النمو وتوقف الشركات عن العمل، فإن النتيجة الحتمية ستكون تقلص حجم القطاع المصرفي وتوسع عمليات الدمج والاستحواذ.

ليبرالي أم موجّه؟

التسليم بهذه الفرضية لا يعني بحسب المعنيين في الشأن المصرفي القبول بببسط الدولة سيطرتها على القطاع كما تنوي. فالخلاف اليوم على كيفية اعادة هيكلة القطاع، وأي تجربة ستُعتمد. هل سنكمل بالاقتصاد الليبرالي الذي يحترم آليات السوق الطبيعية؟ أم سنستنسخ تجارب الدول العربية المحيطة بنا في أربعينات وخمسينات القرن المنصرم، حيث شهدت الحقبة سيطرة القطاع العام على المصارف؟ والتي بالمناسبة سقطت وأثبتت عقمها.

المصرفيون يشتمّون من خلال طلب الصلاحيات الاستثنائية لهيكلة القطاع والمجاهرة بتقليص عدد المصارف إلى أقل من عشرة… رائحة الخيار الثاني. وهذا ما يفترض من حيث المنطق دخول الدولة شريكاً رئيسياً في رساميل المصارف من خلال الـ Bail out على غرار ما حدث في الولايات المتحدة الاميركية عقب الازمة العقارية. إلا ان هذه الفرضية تصطدم بإفلاس الدولة وعجزها عن التمويل، خصوصاً مع عدم تضمين برنامجها الانقاذي امكانية تخصيص بعض المنشآت والقطاعات في الدولة. وبالتالي من أين ستأتي بالاموال للمشاركة برساميل المصارف؟ وكيف ستدخل الدولة شريكاً في القطاع؟

“ببساطة من خلال تخلفها عن سداد ديونها للمصارف، ونقل العبء إلى كاهل المودعين والمساهمين وتحميلهم الكلفة الكاملة. وهذا ما سيعرض عدداً من المصارف غير القادرة على الرسملة الى الخروج من السوق”، يقول غبريل. هذا بالاضافة إلى “نية الحكومة بالدخول شريكاً في شكل مباشر في المصارف الخمسة التي تنوي انشاءها على أنقاض البنوك المنسحبة”.

إستغلال “الصندوق”

جدية الحكومة في “القضاء” على القطاع المصرفي، وإدخال آخر هجين تكون شريكة فيه يطرحان تساؤلاً عما اذا كان جزءاً من القروض التي تنوي الاستحصال عليها من صندوق النقد الدولي ستستخدم لهذه الغاية.

الخبير الاقتصادي جان طويلة يستبعد هذا الخيار لسببين رئيسيين: الاول هو ان ما سيحصل عليه لبنان من القروض المدعومة يظهر انه سيكون أقل بكثير من المأمول به، حيث من المتوقع ان يتراوح المبلغ بين 3 و 5 مليارات دولار في أحسن الاحوال. وثانياً فان الدولة لن تحتاج الى النقد الاجنبي للمساهمة برساميل المصارف المقيّمة بالليرة اللبنانية. بل تستطيع التدخل من خلال طبع العملة وهو ما ستكون له نتائج كارثية”. وفي الوقت الذي يستبعد فيه طويلة أن تدخل الدولة شريكاً مباشراً في رساميل المصارف، يعتقد ان “العمل يجب ان يتركز على خلق بيئة مناسبة تخلق منافسة حرة وتجذب الاستثمارات الاجنبية وتشجع على انطلاقة جديدة للاقتصاد”.

بدلاً من التلهي بالمصارف، التي من المنتظر ان تبصر خطتها النور في غضون أيام قليلة، يجب صب الاهتمام على اولويات تفعيل القوانين وتحسين بيئة الاعمال والبنى التحتية وفتح أسواق جديدة للمنتجات اللبنانية ومساعدة القطاعات الانتاجية وتأمين الضمانات الاجتماعية.