IMLebanon

القطاع العقاري: حركة نشطة في زمن الإنكماش

كتبت مريم مجدولين لحام في “نداء الوطن”:

كسرت عقارات لبنان قيود المصارف مع لجوء عدد كبير من المودعين إلى تحويل ودائعهم من أرقام إلى أراض وشقق، بخاصة مع احتجاز المصارف ودائع قُدّرت بـ 160 مليار دولار. وسجّل تقرير حديث صادر عن المديرية العامة للشؤون العقارية ارتفاعاً ملحوظاً في إجمالى الرسوم العقارية أو في حجم البيوعات المسجّلة للفصل الأول من السنة، خلافاً لمنحى التراجع الذي ساد على امتداد الأعوام السابقة، إذ كان القطاع يواجه ركوداً في ظل تراجع القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار.

عقب ثورة 17 تشرين، ومع لجوء المصارف اللبنانية إلى فرض “تدابير إستثنائية موقتة” على عمليات السحب والتحويل إلى الخارج وخفض سقوف بطاقات الإئتمان، بدأت عمليات استبدال الودائع بعقارات تسجل “ظاهرة عامة” في لبنان. وفي الأرقام، ارتفع إجمالي الرسوم في خلال شهري كانون الأول من العام 2019 وكانون الثاني من العام 2020 إلى 150.9 مليار ليرة، أي بزيادة نسبتها 116 في المئة مقارنة بالشهرين السابقين. بعدها بدأت تتفاوت الأرقام بين شهر وآخر، فتراجعت البيوعات خلال شهر آذار الماضي بالمقارنة مع كانون الثاني وشباط وكذلك مقارنةً بالشهرين الأخيرين من العام 2019.

وقد بلغت قيمة البيوعات أو المبالغ الخاضعة للرسم في عقود البيع المسجلة في شهر آذار 852.8 مليار ليرة في مقابل 857.8 ملياراً سجّلت خلال الشهر المماثل من العام 2019 أي بتراجع بنسبة 0.6% لكن ذلك بسبب إقفال الدوائر العقارية خلال فترة التعبئة واعتماد البيع عبر كتاب العدول، أما البيوعات خلال شهر كانون الثاني فقد ارتفعت بنسبة 50% مقارنة مع الشهر المماثل من السنة الماضية كما زادت بيوعات شهر شباط 84% مقارنة مع شباط 2019.

هذا وقد بلغ إجمالي المبالغ الخاضعة للرسوم أي البيوعات نحو 3525 مليار ليرة أي نحو 2339 مليون دولار على سعر الصرف الرسمي للدولار 1507.5 ليرات في مقابل 2450 مليار ليرة (نحو 1625 مليون دولار) خلال الفترة المماثلة من العام 2019. نستنتج من ذلك، زيادة نسبتها 43.5%. كما بلغ إجمالي الرسوم العقارية المستوفاة في الفصل الأول نحو 181 مليار ليرة في مقابل 155.8 ملياراً خلال الفصل الأول من العام 2019، أي بزيادة نسبتها 16.3 في المئة عن السنة الماضية.

بيروت الأولى

جغرافياً، جاءت محافظة بيروت في المقدمة لجهة جذب المهتمين بشراء العقارات، إذ أنها استحوذت خلال شهر آذار وحده على نحو 32.6% من إجمالي البيوعات. وأتت بعدها محافظة جبل لبنان التي استأثرت بنحو 47% من اجمالى البيوعات والتي توزّعت بين 18.3% في مناطق بعبدا، الشوف وعاليه و 18.2% في المتن إضافةً إلى 10.4% في كسروان جبيل. إلى ذلك، حلّت في المرتبة الثالثة محافظتا الجنوب مستحوذتين على نحو 12% من إجمالي البيوعات العقارية في الفصل الأول من سنة 2020. لذا، وبمحصلة الفصل الأول من العام الحالي، حصلت عمليات شراء وبيع للعقارات مسجلة بمبلغ 2.3 مليار دولار وبزيادة 43.5% علماً أن هذا الرقم لا يعكس مجمل البيوعات المسجلة حقيقةً في الفصل الأول من السنة، إذ يعمد البعض الى التسجيل الأولي عند كتّاب العدول وتأجيل تسجيل المعاملة لدى الدوائر العقارية.

مقايضة الودائع بالعقارات

على الرغم من كل القيود المفروضة على السحب والتحويل، تركت المصارف للمودع حرية التصرف في العمليات المصرفية الدفترية التي تُنجز على الورق فقط وهي المحصورة بالتداول المحلي ومن دون سقف محدد ومن خلال شيكات مصرفية بالعملة الوطنية وبالدولار. وبناء عليه، لجأ البعض إلى مخرج تصريف أموالهم في شراء العقارات.

وفي هذا الإطار يشرح الياس عيسى، مدير شركة دويلينغ للعقارات لـ”نداء الوطن” كيف زاد في الآونة الأخيرة تشجيع المصارف للمودعين على “مبادلة” الودائع المحجوزة بالعقارات التي تملكها، بخاصة المصارف الكبرى التي بحوزتها محفظة عقارية واسعة إذ تمكّنها عملية بيع عقاراتها كمصارف من استرداد المؤونات المقتطعة، بما أن هناك أموالاً مجمّدة مقابل كل عقار مملوك باسمها كمصرف، ذلك بالإضافة إلى استبدال الرهونات على التسليفات العقارية المتعثرة والمتعسّرة بأرباح مضمونة. وقد استجاب المودعون لعروض المصارف ضماناً لأموالهم الممنوعين من الوصول إليها نتيجةً للضوابط القريبة من الكابيتال كونترول التي فرضتها المصارف اللبنانية عليهم، والتي زادت من تخوف اللبنانيين على ودائعهم بخاصة مع ترويج أخبار عن أن أموالهم تواجه “خطر الهيركات” ما دفعهم نحو خيار حماية مدّخراتهم من دون خفض قيمتها من خلال الإستثمار في القطاع العقاري واستبدال الأموال المحتجزة في المصرف بأراضِ وشقق”.

وأضاف عيسى “أما بالنسبة للأسعار فقد لاحظنا انخفاضاً قارب حوالى الـ 20% عن الأسعار التي كانت مطلوبة من قبل، وبنسبة قد تصل إلى 50% في حال كان الدفع نقداً وبالدولار ترغيباً بالشراء” وختم “ما أن يعرف المواطن اللبناني مصير أمواله في البنوك ويتأكد حقيقة من فرض الهيركات عليها من عدمه، ستتراجع الأسعار حتماً، وكل ما نراه من ارتفاع في قيمة البيوعات العقارية المسجلة لدى أمانات السجل ستنخفض”.

أما الوسيط العقاري ورئيس مونتي ليبانو المحامي زياد سلامة فقال لـ”نداء الوطن” إنه لاحظ آلية جديدة في التسعير تضمنت تقسيم قيمة العقارات إلى عدة أقسام من الدفعات، الجزء الأكبر من الدفعة يكون عبارة عن شيك مصرفي وجزء صغير مثلاً “نقدي بالدولار” إذ أن وجود مبلغ “كاش” يسرّع الصفقة. كما عادت آلية تبادل العقارات إلى الظهور هذه الفترة بعد غياب لسنوات طويلة، فقمنا بوساطة بيع بين شخص يملك معرض سيارات وآخر يملك شقة، إذ بادل صاحب العقار شقته بثلاث سيارات، كما تمت عمليات مقايضة ديون بعقار أو مقايضة محل تجاري بأرض، ولاحظنا وجود راغبين بمقايضة عقارات في مناطق سكنية بعقارات في مناطق مصنفة زراعية أو صناعية”. وأكمل “كما أن هناك العديد من اصحاب المؤسسات اضطروا لبيع أحد عقاراتهم مقابل شيك مصرفي لتسيير مؤسساتهم في هذه الضائقة الإقتصادية التي تمر بها البلاد”.

أهم الحلول اقتصادياً

قال أمين سر نقابة المطورين العقاريين مسعد فارس لـ”نداء الوطن” إن “تحويل اقتصاد لبنان من ريعي إلى انتاجي يقتضي التعاون مع المطوّرين العقاريين والتعاون بين القطاعين العام والخاص من أجل “إحياء العقلية الإنتاجية” وبناء مناطق صناعية أو زراعية أو طبية متكاملة، بتخطيط محترف ومدروس” مشيراً إلى أن “التعاون بين الدولة والأخصائيين العقاريين في إطار مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص P.P.P لبناء هكذا مدن متكاملة يعتبر من أهم الحلول التي تساهم في فتح أبواب عمل لأكثر من 73 مهنة غير أنها في المحصلة تسهم في تحويل الإقتصاد من إقتصاد يعتمد في أكله ولبسه ومواده الإستهلاكية على الخارج إلى اقتصاد مكتفٍ ذاتياً. إذ أن تحقيق الأمن الغذائي للبلاد لا يتم عبر اعطاء “البذور” للمزارع بل يقوم على تحويل العقارات التي تملكها الدولة إلى استثمارات خاصة بالمزارعين، والتعاون مع المطورين العقاريين في انشاء مدينة متكاملة تنتج ما يحتاجه السوق، وقس على ذلك صناعياً أيضاً كتطوير مجمعات صناعية محترفة ومدروسة التفاصيل يمكنها أن تُغني لبنان عن استيراد العديد من السلع وتصدير أخرى، بخاصة مع انعدام وجود العُملة الصعبة في ظروفنا الحالية”. وتابع “لقد عرضنا كذلك الأمر مساعدة الدولة في تقييم الأملاك العامة، والتعاون من جهتنا كأصحاب اختصاص لوضع تقرير مفصل عن القيم الفعلية لموجودات لبنان الثابتة لما في هذه الخطة من إفادة للبلاد لجهة تحديث “داتا مفصلة” عن موجودات الدولة ولنعلم ما هو معطل منها وما هو جيد وما هو ممتاز وما هو معتدى عليه لتصحيح الوضع، وكذلك لإعطاءئنا توصيات استثمارية متعلقة بكل عقار مثلاً، لكن حتى اليوم لم نتلق جواباً”.

وقد شرح فارس كيف ساهمت الثورة بتسريع “الهجمة” على البيع والشراء ما بعد 17 تشرين، قائلاً “قبل الثورة كانت السوق شبه ميتة، وبعد كل ما اتخذته المصارف من اجراءات التقت مصلحة المودعين مع مصلحة المطورين العقاريين الذين عانوا من أعباء الديون المترتبة عليهم والفوائد التي تتراكم منذ سنة 2011، فارتفعت المرونة في البيع بهدف تسديد هذه الديون. كما قامت المصارف أيضاً في مساعدة المطورين وأصحاب الرساميل في الالتقاء واتمام عملية البيع، بخاصة أنه كان من مصلحتها التخفيف من محفظة الديون المشكوك بتحصيلها.

وعن الإستثمارات الجديدة التي يجب أن تُدرس بجدية وتنفذ حالياً في الوضع الإقتصادي الذي هي “الإيجار التمليكي” أي فتح الأبواب أمام الإستئجار لمدة طويلة يمتلك فيها المستأجر العقار في نهاية المطاف. كما يشمل هذا النوع من الإستثمارات قيام شركات كبيرة ببيع عقاراتها لمستثمرين بهدف حل أزمة سيولة قد يعانون منها مقابل توقيع عقود ايجار طويلة الأمد لهذه العقارات مع “المالك الجديد” الذي يكون مستأجراً إلى حين ايفاء القيمة المحددة بفوائدها.