IMLebanon

هذه هي رؤية القطاع المصرفي لخطة الحكومة الاصلاحية

اعتبر كبير الاقتصاديين ورئيس قسم الأبحاث لدى بنك عودة الدكتور مروان بركات، ان خطة الإصلاح الحكومية تضمّنت بعض العناوين الإيجابية بحيث أصبح هنالك على الأقل رؤية لخطة اقتصادية ننطلق منها، وتتضمن توقعات للقطاع الحقيقي والقطاع العام والقطاع النقدي والقطاع المصرفي والقطاع الخارجي للسنوات الخمس المقبلة، كما تضمّنت بعض الإصلاحات على صعيد المالية العامة.

وفي حديث الى وكالة “أخبار اليوم”، قال:  إلا أن الخطة المطروحة بصيغتها الحالية تعاني من عدد من الثغرات أهمها أنها تقلّل بشكل واضح من دور وأهمية القطاع المصرفي لاسيما وأن الأخير يعتبر جزءاً لا يتجزأ من أي خطة نهوض ناجحة نظراً إلى أنه كان وسيبقى أحد أهم المصادر لتمويل الاقتصاد الحقيقي.

واضاف: كما وأننا لا نوافق على تقييم الخطة للخسائر وتحميلها بالكامل للقطاع المصرفي، فالخطة تتطرّق إلى خسائر مالية اجمالية بقيمة 241 ألف مليار ليرة تحمّلها بالكامل للقطاع المالي وللمودعين. نحن بنظرنا الخسائر مضخمة وبكل الأحوال يجب توزيعها بشكل عادل على الدولة ومصرف لبنان والمصارف.

الانكشاف على عدة مستويات

وعلى صعيد انكشاف المصارف على القطاع الخاص، اوضح بركات ان الخطة المطروحة تشير إلى أن قيمة القروض المشكوك بتحصيلها قد تناهز 40 ألف مليار ليرة لبنانية، إنما هذه القروض مغطاة عملياً بضمانات نقدية وعينية وعقارية وبالتالي حتى وإن وصلت نسبة الديون الهالكة إلى 30% من إجمالي القروض، فهي لن تتعدّى 10% بعد تنزيل المؤونات والضمانات. وبالتالي فإن هناك تهويل في موضوع الفجوة المصرفية أكثر مما هو في الواقع.

اما على صعيد الانكشاف على مصرف لبنان، فقال بركات: لقد كان واضحاً بيان مصرف لبنان الأخير الذي أشار فيه إلى أن الثغرة الموجودة على صعيد ميزانيته هي ليست خسائر إنما هي نتيجة إجراءات غير تقليدية للسياسة المالية والتي ضخّمت ميزانية مصرف لبنان مثل ما حصل في عدد من المصارف المركزية حول العام مثل البنك الفيدرالي الأميركي والبنك المركزي البريطاني والبنك المركزي الأوروبي والمصارف المركزية الوطنية في أوروبا. ويشير البيان إلى أن المصرف قادر على معاوضة offset الخسائر المدورة مقابل إيرادات أجنبية ممكن تحقيقها مستقبلياً بالعملات الأجنبية. بغض النظر، فإن خسائر مصرف لبنان لا ينبغي أن تُلقى على عاتق القطاع المصرفي لأن تكلفة تثبيت سعر الصرف يجب ألا تتحملها المصارف، لاسيما وأن سياسة تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية هي سياسة نقدية وطنية أفادت اللبنانيين عموماً على مدى العقود الثلاثة الماضية.

وعلى صعيد انكشاف المصارف على الدولة، اوضح بركات ان الأخيرة قد تعثّرت اليوم عن سداد ديونها بالعملات الأجنبية، وعندما يتعثّر المدين، لا تطالب الدائن بأمواله وإنما تصفّي ممتلكات المدين، علماً أن الدولة اللبنانية لديها موجودات تغطي تقريباً مجمل مطلوباتها.

باختصار، المصارف ليست بحاجة لأي Bail-in  أو Bail-out بل هي بحاجة إلى أن تسدّد لها الدولة ما اقترضته منها لا أكثر ولا أقلّ.

الخيارات المطروحة

من جهة اخرى، سئل بركات: ما هي الخيارات المطروحة أمام الدولة قبل وضع اليد على جزء من أموال مودعين أو حتى المصارف؟ اجاب: يجب أن تعمل الحكومة على استعادة الاستقرار والثقة بالاقتصاد وبالنظام المالي بلبنان والتي تشكل المصارف جزءاً لا يتجزأ منه. ولهذه الغاية، ينبغي على الحكومة في خطتها أن تحافظ على رأسمال القطاع المصرفي كما عليها حماية المودعين الذين يشكلون العمود الفقري لأي قطاع مصرفي.

وابدى بركات اعتقاده أنه من غير المنصف تحميل المصارف والمودعين كامل كلفة سوء الإدارة العامة لسنوات طويلة، فلا بد أن يكون هناك توزيع عادل للأعباء حيث ينبغي على الدولة استخدام العديد من الوسائل لكي تحمل حصة ملحوظة من هذه الخسائر، كخصخصة المؤسسات العامة أو تحويل جزء من أصول الدولة إلى صندوق سيادي خاص ليصار إلى مقايضة تلك الأصول مع دين مصرف لبنان على الدولة.

موجودات القطاع العام

واضاف: قبل التطرّق إلى إجراءات اقتطاع تطال المودعين والدائنين، فإن القطاع العام لا يزال لديه موجودات قابلة للتصفية والبيع وحجم وافر من الأملاك والعقارات والمؤسسات القابلة للخصخصة. علماً أن هذه الموجودات تغطي قسما كبيرا من المطلوبات عند تقييم صافي الموجودات Net Asset Value (NAV)، فالمطلوب هنا تسييل هذه الموجودات وإيفاء الذمم المترتّبة على الدولة اللبنانية قبل الكلام عن أي إجراءات تطال المودعين والمصارف.

وفي هذا السياق، شدد بركات على ان القطاع المصرفي جاهز للمشاركة في قسط من الخسائر، لكن لا يمكن تحميله كامل الخسائر، مؤكدا ان  هناك ضرورة للحفاظ على حدّ أدنى من رأسمال القطاع المصرفي، لأننا إذا لم نقم بذلك لن يتمكن لبنان من إرساء الاستقرار الاقتصادي الحقيقي وتحقيق النمو المستقبلي.

صندوق النقد

وهل تعتقدون أن التزام لبنان برنامج مع صندوق النقد الدولي حاجة حتمية وفي ذات الوقت ضمان لتنفيذ الحكومة ما هو صحيح؟ قال بركات: لا شك بأن هناك حاجة حقيقية للتوصل إلى برنامج إنقاذ شامل ينخرط فيه الصندوق من أجل إعطاء صدقية للمساعي الإصلاحية المطروحة وتعزيز القدرة على استقطاب المساعدات المرجوّة من الخارج والتي تقدّر بأقل تقدير بحوالي 10 مليار دولار. وللمقارنة على سبيل المثال، أين كانت مصر منذ ثلاث سنوات قبل الاتفاق على برنامج الدعم مع صندوق النقد وأين أصبحت اليوم… فنسبة النمو الاقتصادي في مصر اليوم هي الأعلى في العالم العربي (6%)، الاحتياطيات الأجنبية تضاعفت من 15 مليار دولار منذ ثلاث سنوات لتصل إلى 45 مليار دولار اليوم، نسبة التضخم انخفضت من 33% إلى ما دون العشرة في المئة، سعر صرف الجنيه شهد تحسّناً خلال العامين الماضيين. في هذا السياق، لا يمكن أن يتحقق الهبوط الاقتصادي الآمن في لبنان من دون المساعدات الخارجية نظراً إلى الثغرات التمويلية الكبيرة التي أصبح لبنان يعاني منها اليوم ودور صندوق النقد بشكل خاص محوري كونه الضمانة الأساسية للحكومة لتنفيذ الإصلاحات الموعودة والذي يشكل ضمانة للدول المانحة بشكل عام.

توقيع الطلب

على هذا الصعيد، اشار بركات الى ان التطور الأبرز اليوم هو أن لبنان قد وقّع طلبه الرسمي لبرنامج مع صندوق النقد الدولي. وقد بدأت المفاوضات بين الحكومة وصندوق النقد الدولي، ويُتوقع أن تستغرق هذه المفاوضات ما بين شهر وشهرين. ويحاول لبنان الحصول على 10 أضعاف حصته في صندوق النقد الدولي، مما قد يساعد في تحرير جزء من مساعدات مؤتمر CEDRE.

في المقابل، يطالب صندوق النقد الدولي بتحرير فوري لسعر الصرف الرسمي لأي خطة يتم التصديق عليها. ففي حين تضمّنت خطة الحكومة تخفيض قيمة سعر الصرف الرسمي إلى ما يقارب 3,500 ليرة لبنانية للدولار الواحد في العام 2020، إلا أن تخفيض فوري للعملة شهد بعض المعارضة الداخلية بسبب الضغوط الاجتماعية الإضافية التي ستخلقها هكذا خطوة في الوقت الراهن. إذ من شأن ذلك أن يؤدي إلى تصاعد تضخم الأسعار، وضغط إضافي على الاقتصاد الحقيقي، وزيادة في البطالة، بالإضافة إلى تداعياته السلبية على التوزيع الوطني للدخل.

وهنا اشار بركات إلى أن انخفاض قيمة العملة الوطنية بنسبة 100% في السوق الرسمية يؤدي إلى تضخم إضافي بنسبة 30%. عليه، فإن موضوع تخفيض سعر الصرف قد ينجم عنه بعض التعقيدات في المفاوضات ما بين صندوق النقد والحكومة.

خبرات أكثر من 30 دولة

واذ أمل بأن يكون هناك تسوية في موضوع تصحيح سعر الصرف الرسمي بشكل يرضى عنها صندوق النقد، أي أن يكون تدريجياً مع الوقت وليس دفعة واحدة. قال بركات: هذا يعني أنه نظراً للمضاعفات السلبية لهذا الأمر على المستوى المعيشي للمواطن، نجد أنه من الأنسب تغيير سعر الصرف بصورة تدريجية.

وختم:  كما ينبغي ألا يكون هناك تخلف عن سداد الديون المحلية أو Haircut على سندات الخزينة كما هو جليّ من خلال خبرات أكثر من 30 دولة مرّت بأوضاع مماثلة للبنان ولم تلجأ إلى التعثّر الداخلي (Internal Default).