IMLebanon

“تسلية” حكوميّة ونيابيّة بالقضايا المصيريّة

كتبت إيفون أنور صعيبي في صحيفة “نداء الوطن”:

أوائل هذا الاسبوع، أقرت اللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجان المشتركة قانون استرداد الاموال المنهوبة ليعرض على اللجان المشتركة، تمهيداً لطرحه مع قوانين رفع السرية المصرفية والاثراء غير المشروع التي اقرتها اللجنة في جلسات سابقة، الا أنها تتطلب وقتاً حتى تصبح فاعلة.

لكن، ولمن لا يعلم، فإنّ مسألة استعادة الاموال المنهوبة يمكن أن تُقسم الى جزءين واحد داخليّ فيما الآخر خارجيّ. دولياً، أصبحت عضوية لبنان نافذة في مبادرة البنك الدولي والامم المتحدة(UNODC) اي في اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد منذ العام 2009. تفرض المعاهدة على كلّ الدول الاعضاء اتخاذ تشريعات مختصّة بمكافحة الفساد كحق الوصول الى المعلومات وحماية كاشفي الفساد، والاثراء غير المشروع، وإنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد…الخ. يُعتبر لبنان متأخراً في هذا المجال اذ انه بقي حتى العام 2017 حتى أقرّ قانون حق الوصول الى المعلومات والذي لا يطبّق من جانب الادارة عن غير حقّ بحجّة عدم وجود مراسيم تطبيقية. ولا يزال المجلس النيابي يتخبّط بالنسبة الى باقي اقتراحات القوانين ذات الصلة والتي معظمها لا يزال موضوع نقاش لدى اللجان النيابية المشتركة. كلّ هذه الامور تؤدي الى تراجع تصنيف لبنان دولياً في سلّم درجات مكافحة الفساد.

تقنياً، تتقدمّ المعاهدات الدولية على القوانين كافة وتحتل المرتبة الثانية بعد الدستور بالتالي لا تحتاج الى قوانين خاصة لتطبيق بنودها.

ذلك يعني أنه ان كانت هناك قوانين تكرّس السرية المصرفية ولا تتطرّق الى استرجاع الاموال المنهوبة، فإنّ المعاهدة تتيح ذلك وتمكّن الحكومة من استرداد الاموال استناداً للاتفاقية والآلية المعمول بها، والتي تلزم كلّ الدول باحترامها واتّباع أسُسها. تتطرق الاتفاقية الى استرداد أصول الدولة وموجوداتها ومنها المال العام وهو في حالة لبنان مال منهوب.

يهتم البنك الدولي بالتعاون مع الامم المتحدة بمساعدة الدول، وقد نجحت دول عديدة في استعادة الاموال المهرّبة المتأتية من مزاريب الفساد. العراق على سبيل المثال واستناداً لهذه الاتفاقية تمكن من استرجاع جزء كبير من أمواله. يمكن أن يكون لبنان جزءاً من المبادرة وهو قرار فوري يمكن أن تتخذه الحكومة، إن وُجدت النيّة لذلك طبعاً…ولن تكون موجودة. داخلياً يتطلب الامر تحديد ماهيّة الاموال المنهوبة ومصدرها. ويمكن تعيين مدعٍ عام يُعطى صلاحيات استثنائية يكون مختاراً من الشعب مباشرةً، ويمكن لذلك أن يترافق مع الغاء قانون السرية المصرفية ومع تفعيل لجنة مكافحة الفساد، على أن تضم من يزخر بالجرأة والنزاهة.

لبنان…مُقصِّر

 

في هذا الاطار، يبرز رأي مستشار التشريعات الاقتصادية في أبو ظبي المحامي عمر البيسار الذي فنّد في اتصال مع “نداء الوطن” الطريقتين اللتين تسودان قضية استعادة الاموال المنهوبة بما ان القانون رماديّ، على حدّ تعبيره. وقال: “هناك اتفاقية تبادل المعلومات الضريبية، بموجبها وان تمّ تصنيف تحويلات معيّنة على أنها مشبوهة أو ان الاسماء التي تمتلك الاموال المحوّلة مشبوهة، عندها تُعتبر الدول الباقية مجبرة على تنفيذ تجميد تلقائي للودائع.

في اتفاقية التبادل التلقائي للمعلومات، تهرّب لبنان من بند “التلقائي” وأصدر قانون 55/2017 الذي أتاح إمكانية الاعتراض أمام مجلس شورى الدولة، ما يُعتبر نقطة ضعف من قبل لبنان. اما اتفاقية مكافحة تبييض الاموال او غيرها من الاتفاقيات فكلها بحاجة الى تشريعات.

وحتى اللحظة، لم يراسل لبنان دولة واحدة لمحاولة استرداد أيّ من الاموال المنهوبة او المهربة الى الخارج، كما انه لم يرسل لائحة بأسماء الذين تعاقبوا على الحكم حتى تتم ملاحقة أصولهم”.

ويضيف البيسار: “تكمن الصعوبة في هذه القضية في لجوء الكثير من السياسيين الى تسجيل ممتلكات وايداع اموالهم بغير اسمائهم. في هذه الحالة يصعب تتبع هذه الاموال، لذلك، هناك شركات خاصة تعمل في مجال البحث في مسائل مماثلة، ويمكن للبنان الاستعانة بها خصوصاً وأنّ الطاقم القضائي غير مستقل وبذلك يكون عاجزاً عن تأدية أي دور لاستعادة هذه الاموال.

باختصار، تتطلب استعادة الاموال المنهوبة إما قانون حماية “المبلِّغين” (whistleblower )، وعلى ذلك ان يترافق مع تفعيل لبنان لاتفاقيات مكافحة الفساد، ومعها تفعيل الاحكام القضائية لمراسلة الدول الاخرى بلائحة الفاسدين المشتبه بهم، أو تكليف الحكومة لوحدة خارجية خاصة للقيام بهذه المهمّة كما حدث في ليبيا بُعيد تغيّر النظام”.

بالاضافة الى ذلك، يقول البيسار: “في اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد، تنص المادة 54 المتعلقة بآلية استرداد الممتلكات من خلال التعاون الدولي في مجال المصادرة على ان تسمح الدولة الراغبة باستعادة أصولها باتخاذ ما يلزمها من تدابير تتيح لسلطاتها المختصة بتنفيذ أمر مصادرة من خلال أمر قضائي. بموجب هذه المادة فان حجز الأموال لدى الدول المنضمة إلى الاتفاقية يتم بناء على حكم محلي أو تحرك قضائي.

لكن وحتى اللحظة لم يبدِ احد من في موقع المسؤولية اهتمامه بإعادة الاموال المهرّبة ومعها أموال الناس التي تبخّرت من المصارف بل ان التركيز مصبوب على تكوين رأس مال هذه المصارف، علماً أنّ المصارف مفلسة ويحقّ بالتالي لأي مودع عاجز عن سحب امواله طلب إشهار إفلاس”.

من وجهة نظر البيسار، “تنطرح قضية ثانية توازي مسألة تهريب الاموال أهمية وخطورة على الاقتصاد هي التهريب الحدودي فهناك نحو 150 معبراً للتهريب على طول 150 كلم. وهذه مشكلة أخرى بالنسبة الى صندوق النقد الدولي حيث تتطلب مكافحة التهريب عبر الحدود البرية تشريعات اصلاحية تضاف الى القوانين الضرورية لاسترجاع الاموال المنهوبة، في حال ذُكر الامر”.