IMLebanon

إلى أين ستأخذ أزمة رامي مخلوف بشار الأسد؟

“رامي مخلوف” هو اسم لمع نجمه مع وصول رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى السلطة كقطب يمسك بين يديه اقتصاد البلاد، إلا أن الحال تغير خلال الأسابيع الماضية، إذ إن النزاع القائم بين الأسد ومخلوف كشف بعضا من خبايا الدائرة الضيقة المحيطة بالأسد نفسه، فهو نزاع عائلي يتجاوز القرارات الاقتصادية بل يكاد يصل أساسيات حكم الأسد نفسه، وذلك بحسب ما يراه خبراء ألمان.

فسوريا التي لطالما عرفت خلال حكم عائلة الأسد الممتد منذ قرابة 50 عامًا، بغياب تام لدور الإعلام، وبتعتيم كامل عن كل الأخبار إلا التي ترغب العائلة المالكة بإيصالها للشعب، تعيش منذ أسابيع على وقت صد ورد من رامي مخلوف والسلطات على العلن وعبر مواقع التواصل الاجتماعي.

نظرية التعتيم هذه كان قائدها حافظ الأسد، كان سرها الكتمان عن أي تفصيل يتعلق بالعائلة، وعدم نشر الفضائح أو حتى السماح لأحد بتداولها مهما كان الثمن، وذلك حفاظاً على بقاء النظام. وأكبر مثال على ذلك، كان الخلاف العميق بين حافظ وأخيه رفعت الذي تفجر عام 1984، فمنذ ذاك الحين حتى اليوم، لا يعرف السوريون تفاصيل القصة، كل ما يعرفونه أن رفعت حاول الانقلاب على أخيه فقام حافظ بنفيه بعد أن أفرغ له أموال مصرف سوريا المركزي.

وبحسب موقع “دير شبيغل” الألماني، فإن العائلة الحاكمة في سوريا تعيش اليوم صراعاً مماثلاً لصراع الثمانينات بين حافظ وأخيه، وأن صراعا آخر من أجل السلطة والمال ينخر دائرته العائلية القريبة، منذ أشهر.

خط الكتمان الأحمر كان رامي مخلوف قد تجاوزه حين خرج إلى الإعلام وكشف المستور عبر فيديو هات نشرها في فيسبوك.

اشتكى رامي بداية من “الطريقة غير العادلة التي يٌعامل بها”، فرجل الأعمال الغني مالك شركة سيريتيل التي يقدر البعض قيمتها بنحو 162 مليون يورو، ويتربع على أكبر ثروة في سوريا، فرض على أمواله الحجز الاحتياطي وفق وثيقة مُوقعة من قبل وزير المالية في حكومة النظام السوري، وذلك ضمانا لتسديد مستحقات لهيئة تنظيم الاتصالات السورية، في تحول اعتبره السوريون خطيرا جدا.

وقبلها ناشد مخلوف في مقطعي الفيديو، الأسد نفسه بوقف الضغوطات عليه للتنازل عن شركاته.

اسم زوجة الأسد يلوح

هي تفسيرات مختلفة وأحيانا متناقضة، مبنية في الغالب على معلومات غير مؤكدة، ظهرت بشأن تفجر هذا الخلاف، منها أخبار متداولة في دمشق تُشير إلى أن مشاكل مخلوف، الذي تعتبره المعارضة من أبرز رموز فساد النظام، لها علاقة مباشرة بالفريق الاقتصادي الذي تديره أسماء الأسد زوجة بشار، ويبدو أن هذا الفريق وضع خطة لاستعادة المبادرة في قطاعات المال والأعمال في ظل الأزمة لاقتصادية الخانقة التي تجتازها البلاد، ولكن أيضا لدرء أي مخاطر أو منافسة محتملة تهدد مستقبل عائلة الأسد.

ووفقا للمعلومات الواردة، فقد أشار الكاتب الألماني موريتس باومشتيغر في صحيفة “زودويتشه تسايتونغ”، أن توجه مخلوف لهذا الطريقة للوصول إلى الأسد فيه جانب استعراضي، لكنه يكشف في الواقع عن تحولات في أعلى هرم السلطة، فلطالما كان مخلوف أحد المقربين من الأسد، الذين موّلوا النظام السوري منذ اندلاع الثورة في 2011.

إشارات إلى دور روسي

إلا أن معلومات أخرى تشير إلى دور روسي في الأمر، كما أن تضارب الروايات يسيطر على الموقف، فهناك من يرى أن الكرملين بات يرى في “جشع” مخلوف خطرا على استقرار النظام في دمشق، فيما يرى البعض الآخر بأن موسكو نفسها تسعى للاستحواذ على شركة “سيريتيل” وأجزاء أخرى من القطاعات الاقتصادية يحتكرها مخلوف.

والأكيد بحسب مراقبين أن الخلاف لم يكن بسبب المال، فمخلوف مان قد جمع منذ 20 عاما حتى اليوم ثروة ضخمة، إنما هو صراع على النفوذ والسلطة.

والمهم ذكره أن الصراع لا يقتصر على المال فقط، فقد كدست عائلتا الأسد ومخلوف ما يكفي من الثروة للعيش في رغد دائم، لكن الأمر يتعلق أيضا “بصراع على السلطة والنفوذ” على حد تعبير أوليفر بيشا في مقال نشره موقع “مينا ووتش”.

خلاف قديم

وبحسب المعطيات، فإن خلاف الأسد مع مخلوف لم يكن وليد الأسابيع الماضية، بل بدأ منذ صيف العام الماضي، حين استحوذت السلطات السورية على جمعية رامي مخلوف الخيرية، قبل حل الميليشيات التي يمولها والتي تورطت في الحرب على السوريين، حيث تؤكد المعارضة أن ما تعرف بجماعات “الشبيحة” التي قتلت كثيريين كان ممولة من مخلوف.

وحينما قررت السلطات متابعة عدد من رجال الأعمال بالتهرب الضريبي والإثراء غير القانوني، شمل ذلك أيضا صديق طفولة الأسد، وهو مخلوف.

يشار إلى أن أنشطة مخلوف لم تقتصر فقد على الاتصالات، بل شملت قطاع المحروقات والكهرباء والبنوك والنقل الجوي. وهناك من يقدر ثروته بعدة مليارات من الدولارات.

أين إيران من هذا؟

أما عن الدور الإيراني، فمن الضروري ذكره بأي تفصيل يتعلق بسوريا، لأن هناك من يُرجع قضية مخلوف لصراع النفوذ بين طهران موسكو، فعلى الرغيم من أن آل مخلوف على علاقة وطيدة مع روسيا، ويملكون فيها استثمارات هائلة، إلا أن هناك من يشير إلى أن روسيا منزعجة من مخلوف لأن شركاتها لا تحصل على نصيبها من مشاريع إعادة الإعمار الضخمة.

وهناك روايات تؤكد أن الروس هم من يقفون وراء انهيار إمبراطورية مخلوف لرغبتهم في تقاسم الكعكة الاقتصادية بعد دورهم الحاسم في إنقاذ نظام الأسد.

وحسب “مينا ووتش” يبدو “أن الإيرانيين بدورهم أرادوا دخول سوق الهواتف المحمولة السورية عامي 2014 و 2015 ، إلا أن مخلوف حال دون ذلك، لأن سوريا ليست “دولة عادية”، بل إن هناك أسرة نهبت بلدا منذ عقود، بحسب الموقع.

قوات إيرانية في سوريا

وعن إيران، فقد نقلت شبكة الإعلام الألمانية “إير.إن.دي” قبل أيام، دعوة حشمت الله فلاحت بيشة العضو في لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، إلى استعادة أموال إيران من سوريا والتي قدرها بـ 20 إلى 30 مليار دولار، ما دفع مراقبون للتساؤل حول توقيت تلك التصريحات. حيث أكد بيشة أن “الدعم الإيراني للحكومات والحركات المسلحة في سوريا واليمن وفلسطين ولبنان يواجه انتقادات متزايدة داخل البلاد، ظهر ذلك جليا خلال الاحتجاجات الشعبية الأخيرة هناك، وزاد الوضع تأزما بعد تجدد العقوبات الأميركية والأزمة الاقتصادية الناتجة عنها، فبات العديد من الإيرانيين يطالبون الحكومة باستثمار الأموال في البلاد وعدم إنفاقها على العرب، بحسب تعبيره.

تكهنات لا تأكيد لها

وفي النهاية، تبقى كل التقارير مجرد تكهنات لا أحد أكد صحتها، فهل بالفعل وصل مخلوف لأن يشكّل خطرا على بشار وأخيه ماهر؟، خصوصا وأن مؤسسة “البستان” الخيرية التابعة لمخلوف كانت بدأت بتقديم الدعم المالي للمنتسبين للجيش وقوات الأمن من أبناء العلويين. كل هذا يبقى مجرد كلام في ظل غياب معطيات واضحة من مصادر رسمية.

بدوره، كتب كريستوف إرهارت مراسل صحيفة “فرانكفورته ألغماينتسايتونغ” في بيروت مقالا قبل أيام عرض فيه شهادات لسوريين من الطائفة العلوية، وأورد شهادة رجل في الثلاثينات قال “لقد ضحينا بدمائنا، لكننا لم نحصل على شيء مقابل ذلك”، في إشارة للحرب التي استنزفت طاقات البلاد.

إلا أن الأكيد هو أن أزمة مخلوف مشكلة حقيقية بالنسبة للأسد، قد تكلفه غاليا.