IMLebanon

سباق بين العقوبات الأميركية والانقلاب على الدستور

كتب احمد الايوبي في صحيفة “اللواء”:

واصلت الإدارة الأميركية حملة ضغوطها السياسية والمالية على إيران وأذرعها في المنطقة العربية، وأبرزها «حزب الله» في لبنان، بالتوازي مع بروز توترات عالية السقف بين «أهالي» بعض القرى الحدودية في إطار حملة تحريض واسعة النطاق ضد قوات اليونيفيل التي توجه إليها الأمين العام للحزب حسن نصرالله بالقول: «إذا أردتم إنقاص العدد، أو إذا أرادوا الذهاب، فلا يعنينا الأمر، من دون أن يعني ذلك، أننا لا نرغب بعلاقة جيدة معهم، لأننا نقرأ ما يريده الإسرائيلي، ولكن نحن نراقب تغيير مهمة هذه القوات، ونحن نسأل لماذا لا يقبل الإسرائيلي بقوات يونيفيل عنده؟».

في هذا الوقت، استخلص مساعد وزير الخارجية الاميركية ديفيد شينكر في حديثه لقناة «فرانس 24» أن الحكومة اللبنانية تواجه تحديات كبيرة: أزمات مالية وصحية، إضافة الى جائحة الكورونا كسائر البلدان، وهذا نتاج سنوات طويلة من الفساد وسوء الإدارة، وكذلك تبعات الحرب في سوريا، الحكومة اللبنانية هي حكومة تحالف مع «حزب الله»، فالحزب إذاً هو جزء من هذه الحكومة، ويجب على الرئيس دياب ان يقدم خطة، وهو قدم خطة، ونحن ننتظر التزام الحكومة بالإصلاح وأن يسيروا قدما في تنفيذ هذه الإصلاحات، ولا يكفي التشريع لها والإعلان عن الإصلاحات، بل تنفيذها بالفعل، وعندئذ يمكننا ان نرى إمكانية دعم لبنان مع الصندوق النقد الدولي، بعد تنفيذ هذه الإصلاحات وكون حزب الله هو جزء من هذه الحكومة وما هو معروف عنه انه ضد الإصلاحات، ونحن نتطلع الى فرض عقوبات على قوى سياسية داعمة لهذه الحكومة وهي قوى متحالفة مع حزب الله، وأشخاص شاركوا في قتل مئات الآلاف من السوريين في لبنان وسوريا ونعمل على حزمة من العقوبات ونأمل ان يتم تنفيذ جزء منها قريبا.

وأكد شينكر ثلاثة مسارات في الموقف الأميركي:

– إنّ وجود «حزب الله» كقوة مسيطرة في الحكومة يحمّلها المسؤولية السياسية عن جرائم الحزب التي يرتكبها في لبنان وسوريا.

– إن العقوبات الأميركية ستطال القوى الداعمة للحكومة الحليفة لـ«حزب الله».

– إنه لم يعد بإمكان التحالف الحاكم شراء الوقت بالإعلان عن الإصلاحيات، بل إن الانتقال إلى التنفيذ، وخاصة في القطاعات التي يستشري فيها الفساد، بات ضرورة حتمية، وتحديداً في مجالات ضبط التهريب الجمركي والحدود والكهرباء والطاقة.

– إن الموقف الأميركي هو المحدِّد لموقف صندوق النقد الدولي، ولم تعد هناك هوامش للمناورة.

في المقابل، اعتبر نصرالله أنه «من الخطأ التوجه إلى صندوق النقد الدولي وكأنه لا حل للأزمة الاقتصادية إلاّ عبره»، وذهب في اتجاه ما أسماه الاقتصاد المشرقي، من خلال الحوار مع النظام السوري والحكم العراقي لتصريف المنتجات اللبنانية، في وقت يطلب فيه العراق مساعدة عاجلة من صندوق النقد الدولي كما يطلب مساعداتٍ مالية من السعودية ودول الخليج، ومؤخراً قدمت له السعودية 4 مليارات دولار.

العقوبات الأميركية تضرب في عمق المحور الإيراني، ويبدو واضحاً أنّها تتقدّم نحو لبنان، لتطال حلفاء «حزب الله» المسيحيين بشكلٍ رئيسي، وفي هذا التوقيت، يبدو أنّ ملف رئاسة الجمهورية سيكون العنصر الأهم في حسم المواقف، حيث أن الجميع بات يتصرّف على أن الوضع الصحي للرئيس ميشال عون وصل إلى حدود حالة الطوارئ، لذلك، تحتدم المفاوضات على خطوط كثيرة، وتتوالى المساومات، وتتزاحم المشاريع.

فهل يقتنع النائب جبران باسيل أنّ «حزب الله» هو مدخله الوحيد لرئاسة الجمهورية، أم يفضّل الانقلاب نحو البوصلة الأميركية والانضمام إلى المنظومة الدولية، مع وجود عوائق جدية أمام هذا التحوّل، نظراً لانعدام الثقة بمسيرته السياسية، ولوجود ملفات فساد طاغية في وزاراته التي تولاها، من النفط إلى السدود.

في هذه الأجواء تحدّثت أوساط سياسية عن إدارةٍ جديدة للفراغ الرئاسي المحتمل، عن طريق إنشاء مجلسٍ رئاسي، يضم رؤساء الكتل النيابية للأحزاب الممثلة للطوائف، بدل تطبيق الدستور الذي ينصّ على انتقال الصلاحيات إلى الحكومة مجتمعة في حال وقوع الفراغ الرئاسي لأيّ سببٍ من الأسباب، وأنّ الرئيس سعد الحريري لم يُبدِ اعتراضه على هذا الطرح إذا لم يكن حسان دياب رئيساً للحكومة.

ورأت المصادر أنّ مجرد الحديث عن مثل هذا المجلس يعتبر تمهيداً للانقلاب الذي أشار إليه المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، حول سقوط الصيغة اللبنانية، وأن هناك من بات يجرؤ على التفكير في تحطيم كلّ القواعد الدستورية الحاكمة، والذهاب نحو فرض تغييرٍ سيؤدي حتماً إلى فوضى في الانتظام العام، لن تكون حدودها الاعتداء على صلاحيات رئاسة الحكومة، بل الإطاحة بكل منظومة الاستقرار في لبنان.

رغم الحديث الهادئ الذي أدلى به أمين عام «حزب الله» حسن نصرالله حول الطائف والتغيير ومراعاة التركيبة اللبنانية، إلاّ أنّ ما يجري في الجنوب من صدامات تصاعدية مع القوات الدولية، وما يحصل في لاسا بأبعاده الاستراتيجية، يوحي بأنّ كلام نصرالله ليس أكثر من مناورة تنظيمية للولوج إلى مرحلةٍ جديدة، بأبعادها العسكرية والأمنية والدستورية، تلائم المصالح الإيرانية وتسحق المصلحة الوطنية اللبنانية.