IMLebanon

8 آذار… “الإخوة الأعداء”!

وكأنها أصبحت “بيتاً بمنازل كثيرة”، من كيان متماسك بقبضة محورية إلى آخر متهالك تتنازعه المحاور وتتخاطفه الأهواء الروسية والسورية والإيرانية لتبدأ قواها تخور سياسياً وحكومياً ونيابياً وإعلامياً على الساحة اللبنانية. يكفي المتابع أن يترصد “الهريان” الحاصل في القبضة الحديد الناظمة لقوى 8 آذار ويتتبع خطوط تشققاتها الآخذة بالتمدد في أكثر من اتجاه وعلى أكثر من مستوى ليعلم أنّ خَطباً ما أصاب عمق العلاقة التي تربط بين عناصر مكوناتها فتحولوا تباعاً أشبه بالـ”الإخوة الأعداء” يتقاتلون بين بعضهم ويتآكلون بعضهم ويتربصون ببعضهم البعض، وحتى خصومهم يكادون لا يتكلفون عناء التنقيب في فضائحهم طالما أنهم من أفواههم أضحوا يدانون، فهذا تراه يفضح ذاك في ملف النفط وآخر يفضح غريمه في ملف الكهرباء وجهة تطعن أخرى في ملف العفو… وحبل الفضائح على الجرار يومياً على المنابر ومواقع التواصل بين بني الحلف الواحد.

“شو هالحكومة هيدي إذا هني من فريق واحد ومش طايقين بعض!”… عبارة اختصرت حجم الهريان الضارب في بنية 8 آذار قالها صراحةً المدير العام السابق لوزارة الإعلام محمد عبيد بالأمس في معرض انتقاده أداء الحلفاء في الحكومة وتوالي مسلسل الحرد وتهديد أطراف فيها بالانسحاب منها “من نبيه بري على خلفية الكابيتال كونترول إلى سليمان فرنجية وصولاً بالأمس إلى تلويح النائب طلال أرسلان” بتعليق المشاركة في الحكومة على خلفية موضوع تعيين قائد للشرطة القضائية.

باختصار 8 آذار ليست بخير، فإذا كان عبيد المعروف بقربه من قيادة “حزب الله” لم يتوانَ حتى عن التشديد على كون وزراء “التيار الوطني الحر” الذين استأثروا بحقيبة الطاقة منذ العام 2011 هم “وزراء فاشلون إن لم نقل أنهم فاسدون”، يُصبح لنكئه “ذاكرة الرابية” نكهة أخرى حين كشف أنه كان مكلفاً قناة التواصل بين العماد ميشال عون والرئيس السوري بشار الأسد قبيل انتخاب عون رئيساً للجمهورية، ملمحاً إلى أنّ البوح بمضامين هذه الرسائل قد يأتي وقته وأنه شخصياً لم يعد على القناعة نفسها التي أدت إلى انتخاب عون، في وقت لا تزال المشادات بين مكونات قوى الثامن من آذار تتمظهر في أكثر من صورة وعلى أكثر من مستوى وقد انزلقت أمس إلى درك كيل السباب والشتائم بين النائب جميل السيد والإعلامي سالم زهران على خلفية ملف الاتصالات… وكل ذلك ضمن إطار “صراع المحاور داخل المحور الممانع” حسبما وصفته مصادر مواكبة لتصدع العلاقة بين الحلفاء في 8 آذار، مشيرةً إلى “أبعاد محض داخلية وأخرى لها امتداداتها الإقليمية والدولية”.

وأوضحت المصادر أنّ “تحالف 8 آذار باتت تتنازعه محاور داخلية وأجنحة متعددة لم يعد يجمع بينها سوى القبة الحديدية لـ”حزب الله” الناظم السياسي والعسكري والمالي للمنظومة برمتها”، لافتةً الانتباه إلى أنه “ورغم الهالة الكبيرة للحزب فإنّ مسار الأمور بدأ يتفلت بعض الشيء من بين يديه في أكثر من ملف، سواءً على مستوى الاستقتال الحاصل بين الحلفاء على خلافة رئيس الجمهورية ميشال عون أو على صعيد لعبة شد الحبال الخفية في صفوف قوى 8 آذار لتطويق رئيس المجلس وتحضير البدائل لخلافته، أو لناحية محاولة بعض المتحالفين مع “حزب الله” القفز من مركبه خشية الغرق في رماله المتحركة محلياً وإقليمياً”، وهنا تشير المصادر إلى عناصر متداخلة محلياً وإقليمياً ودولياً في تكوين صورة التضعضع المتنامي على أرضية قوى 8 آذار ومردُّه إلى “تفرع الأجندات والولاءات والأهداف بين بعض يدور في فلك “حزب الله” وإيران وآخر يدور في فلك روسيا والنظام السوري”، مؤكدةً أن “جزءاً من الكباش الدائر في صفوف الحلفاء في لبنان متصل بخيوط مرتبطة عضوياً بالكباش الدائر في سوريا وستتبلور صورته أكثر فأكثر عند الاستحقاقات المقبلة”.

وفي إطار مرتبط بمحاولة تخفُّف حلفاء “حزب الله” من عبء التحالف معه أمام واشنطن، بدأت عملية “تحسّس الرقاب” تهيمن على أداء بعضهم خشية أن تشمله مقصلة العقوبات الأميركية، وفي هذا المجال يبرز إسم رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل في طليعة قائمة الحلفاء الذين يعملون جاهدين على إيصال “رسائل مشفرة” إلى الأميركيين تتنصّل من روابط “تفاهم مار مخايل” وتسعى إلى إعادة خطب ودّ واشنطن على حساب التحالف مع الحزب بدءاً من “تهريبة عامر الفاخوري” مروراً بحديثهم عن “قوى الأمر الواقع” عند الحدود وصولاً إلى المس بقدس أقداس “حزب الله” والتطرق إلى مسألة سلاحه مقروناً بالتلويح بخيار الفيدرالية.

وبالأمس جاء توعّد السفيرة الأميركية دوروثي شيا عبر قناة “أو تي في” بسلة عقوبات جديدة مرتقبة لتؤرق حلفاء “حزب الله” والنظام السوري في لبنان، سيما وأنها كشفت عن حزمة جديدة سيعلن عنها اليوم وتطال أطرافاً في لبنان متورطين بقتل المدنيين في سوريا، مشيرةً إلى أنّ العقوبات الاقتصادية الآتية لن تستهدف لبنان بل “حزب الله ومن يدعمه ويساعده”، وسط تشديدها في الوقت عينه على أنّ سلاح الحزب كان من بين الأسباب الرئيسية التي حالت “دون اتخاذ إجراءات إصلاحية” في الدولة اللبنانية فضلاً عن كونه “أضر بسمعة البلد وبمصداقيته” أمام المجتمع الدولي والمستثمرين الأجانب.