IMLebanon

سوريا بين فكي كماشة.. قيصر يطرق الأبواب وخبز يهدد النظام

نورا الجندي – “العربية”:

يبدو أن قانون قيصر الأميركي لن يمر مرور الكرام على سوريا أبداً، بل من الممكن له أن يغيّر مسار المجريات، فتأثيراته الكبيرة لن تطال فقط النظام في سوريا بل كل المحيطين به والداعمين له، بما فيهم دول وأشخاص.

فبعدما أكد متعاملون ومصرفيون أن الليرة السورية هبطت إلى مستوى قياسي جديد خلال اليومين الماضيين في وقت يسارع فيه المستثمرون للحصول على الدولار قبل فرض القانون بعد أيام من حزيران الجاري، عادت الليرة وارتفعت قليلا وسط معلومات عن ضخ النظام لعملة صعبة في السوق.

الأسد ضخ دولاراً

في التفاصيل، وبعد سقوط حر سريع كانت سجلته الليرة السورية وصل إلى 3200 ليرة مقابل الدولار الواحد خاسرة بذلك ما يعادل ثلث قيمتها، عادت وارتفعت قليلا لتصل إلى ما يقارب 2600 ليرة للدولار الواحد، الأربعاء.

وأفادت معلومات بأن النظام ضخ عملة صعبة في السوق خففت الارتفاع المخيف للدولار، وذلك إثر مظاهرات خرجت ضده في مناطق عدة كالسويداء ودرعا تطالب بإسقاطه ورحيل بشار الأسد.

قيصر الأشد

فيما أكد مصرفيون أن قيصر المزمع صدوره بعد أسبوع تقريبا سيكون الأشد بين كل ما أصدر من عقوبات طالت النظام وأتباعه خلال السنوات الماضية، ما دفع مستثمرين ورجال أعمال إلى التحرك فوراً، إذ يخشى هؤلاء من أن تؤدي العقوبات الجديدة إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية التي تشهدها سوريا.

وهو ما ترجم فعلاً بعد إغلاق تجار كثر محالهم في مختلف أرجاء البلاد رافضين البيع حتى استقرار الأمور ومعرفة إلى أن سيصل الدولار، فيما سارع الناس بحسب المصادر، إلى جمع الدولارات وحماية مدخراتهم.

وأوقف بدورهم مستثمرون معاملاتهم التجارية إلى حين معرفة الجديد.

ندبات 9 سنوات من الحرب

تعليقا على الموضوع وفي تصريح خاص لـ”العربية نت” أشار خبير الاقتصاد السوري وائل حمّاد المدير التنفيذي لشركة ICM Capital، إلى أن عوامل كثيرة أدت إلى تدهور العملة السورية إلى هذا الحد، حيث ذكّر حمّاد بداية أن النظام في سوريا استطاع طيلة سنوات الحرب تقريبا أن يضبط سعر الصرف بمساعدة الدول الحليفة له وبدعم منها، كما أن بداية التراجع الملموس لليرة بدأ يظهر بشكل مؤلم مع بدء الاحتجاجات في لبنان أي قبل أشهر، مؤكدا أن الوضع الحالي في سوريا أضحى صعباً للغاية.

واستذكر الخبير أن الحرب في سوريا تركت ندوباً كثيرة، حيث أضحت البلاد تنتج ما يقارب 150 ألف طن من القمح بعدما كانت تنتج 5 ملايين طن، وكانت تنتج 385 برميل نفط يومياً فأصبح إنتاجها يصل إليى ما ما يقارب في بعض الأحيان 2000 لا أكثر، وحتى تصدير الدواء حيث كانت تصدر إلى ما يقارب 96 دولة، فبعدما كانت تتمتع باكتفاء ذاتي خرجت معامل سوريا عن الخدمة، وقطاعات أخرى كثيرة تضررت من الأزمة.

جرّ إلى الحوار

كما أن للعقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران دور كبير جدا على سوريا، وما مر به العراق أيضا من أزمات إلى أن وصل فيروس كورونا المستجد المنطقة، ومن قبله طبعا احتجاجات لبنان، كل هذه العوامل كانت كفيلة بأن تصل سوريا لما وصلت إليه اليوم.

وأضاف حمّاد أنه مع الصعوبات التي يعانيها النظام المصرفي في لبنان، أثرت سلباً على التبادل التجاري مع لبنان الذي هو رئة سوريا والعكس صحيح، فكان ذلك ضربة قاسمة لليرة، إلى أن جاء قانون قيصر، الذي إذا لم تكن نيته إسقاط النظام فعلاً فسيكون بالتأكيد أداة تدفع الأسد إلى قبول الحوار وإيجاد مخرج للأزمة.

مع العلم أن الولايات المتحدة كانت أبدت مساء الأربعاء، حرصاً واضحاً على إيضاح موقفها من الوضع الاقتصادي والمالي المنهار في سوريا، فأرسلت سلسلة مواقف عبر تغريدات على تويتر ردّت فيها على تصريحات مسؤولين سوريين من النظام أرادوا تحميل واشنطن مسؤولية هذا الانهيار.

وقالت تغريدة في حساب السفارة الأميركية في سوريا: “يتحمل بشار الأسد ونظامه مسؤولية الانهيار الاقتصادي السوري بشكل مباشر، إذ يبذّرون عشرات الملايين من الدولارات كل شهر لتمويل حرب غير ضرورية ضد الشعب السوري بدل توفير احتياجاته الأساسية”.

وأضافت في تغريدة أخرى: “على غرار ما قاله السفير جيفري مرارا وتكرارا في الاجتماعات الخاصة والعلنية على حد سواء، يتحمل بشار الأسد ونظامه مسؤولية الانهيار الاقتصادي السوري بشكل مباشر”، مؤكدة أن “العقوبات الجديدة مرسومة لردع بشار الأسد ونظامه عن استغلال النظام المالي العالمي ومنظومة الإنتاج الدولية ومنعهما من استعمالها لقهر الشعب السوري، حيث تريد واشنطن منع نظام الأسد وشركائه من استعمال الحرب التي شنّوها على الشعب السوري لتحقيق مغانم”.

فيما يتمسك الأميركيون بمبدأ الحل غير العسكري في سوريا من خلال مسار دولي، ويرون أنه من الضروري إنشاء نظام بعيد عن إيران لا يسمح ببقاء قواتها على أرض سوريا.

محاولات إنعاش

وعن إجراءات النظام، حين قام بضخ أموال في السوق خلال الساعات الماضية لكسر حدة التداعيات قليلا، أكد حمّاد أن هذه ما هي إلا حلول مؤقتة، ومحاولات إنعاش ليس لها أثر كبير على المدى الطويل، فالاقتصاد السوري اليوم أصبح بأتعس حالته وهو بحاجة إلى قرارات كبيرة جدا وخطط عميقة تحتاج وقتا كبيراً للخروج من هذه المحنة.

هل يتدخل الحلفاء؟

يشار إلى أن النظام في سوريا كان اعتاد في مثل هذه الأزمات، على تدخل الحلفاء لإنقاذه وتمييل كفة الميزان لصالحه، إلا أنه وأمام الوضع الجديد اليوم، حلفاء النظام معاقبون أصلاً، كروسيا وإيران وحزب الله، وبالتالي لا ملامح لحلول من هذه المنطلقات، بحسب ما أشار إليه حمّاد، الذي أضاف أن السيناريوهات أمام قيصر الآن مفتوحة، مؤكداً على أنه وبحسب التحليلات الاقتصادية فلا مكان لتفسير هنا يجزم بما ستؤول إليه الأوضاع، وذلك لأن سوريا لا تملك تاريخا اقتصاديا شابته أزمات كهذه وخرجت منها ليتم الاعتماد عليه.

إلا أن الأكيد أن البلاد ستمر بسبب القانون بأزمة عملة بمستوى حاد صعب التنبؤ به.

قيصر ولبنان

قانون قيصر بحسب الخبير، لن يجر سوريا وحدها إلى الهاوية، فلبنان دائم التأثير بجارته والعكس صحيح، وبحسب حمّاد لا حل أمام بيروت إلا طريقتها المعهودة المتمثلة باتباع سياسة النأي بالنفس.

وبذلك يعود لبنان إلى النقطة السياسية، لأن آثار قيصر ستعم على المنطقة بأسرها بما فيها إيران، والعراق، ولبنان، والأردن فضلا عن سوريا، إلا أن للبنان سيكون النصيب الأكبر بعد سوريا، ومن الممكن أن تشهد الفترة القادمة انهيارا كبيرا بالعملة هناك، ما سيدفع أصواتا داخلية إلى الظهور والمناشدة مجددا بالنأي بالنفس، كي لا يصبح هذا البلد في قبضة العقوبات الأميركية أيضا.

وبالتالي من الممكن أن نرى خلال الأيام القادمة مشاحنات سياسية لبنانية ودعوات للابتعاد عن نيران قيصر، بحسب حمّاد، خصوصا وأنها بدأت بالفعل قبل أيام.

يذكر أن قانون قيصر المتوقع تنفيذه بعد أيام، كان قد أثار قلقا كبيرا، خصوصا وأنه يطال شركات أجنبية تتعامل مع شركات سورية تدعم النظام، ودول عظمى وأفراد، وذلك وسط خشية المستثمرين من أن تشديد العقوبات على تلك الكيانات سيقلل من احتمالات تدفق رأس المال من الخارج، متسببا بأزمة كبيرة.