IMLebanon

“مفاوضات الصندوق” طويلة… فهل يرضى بدعمنا؟

كتبت باتريسيا جلاد في صحيفة “نداء الوطن”:

عندما بدأت مرحلة “مفاوضات” صندوق النقد الدولي مع الحكومة اللبنانية، استبشرنا خيراً وحسبنا لوهلة أن التأزّم متجه نحو الحلحلة، متناسين أن “الصندوق” جزء من الحلّ وليس الحلّ. أما اليوم وقد تعدّت الإجتماعات الرقم 13 ومع استمرار المسار الإنحداري لوضع البلاد المالي والإقتصادي ومعه الإجتماعي، ومراوحة الحكومة مكانها في ملف الإصلاحات، وتحليق الدولار، تُطرح تساؤلات حول الفترة التي ستستغرقها إجتماعات الصندوق. وكيف ستحلّ علينا الأيام المقبلة وما هو مستوى الفقر الذي سنسجّله إذا لم تبادر الحكومة الى البدء بالإصلاحات؟

صندوق النقد كان ولا يزال خشبة خلاص اللبنانيين، الذين يواجهون معركة البقاء ويترقّبون موعد وصول موسى اقتطاع الودائع الذي “تسنّه” الحكومة لهم، فيما لا تنفع محاولات البنك المركزي لِلَجم “طيران” الدولار وإبقائه ضمن هامش الـ4000 ليرة إذ لامس أمس عتبة الـ7000 ليرة، طالما ليس هناك من توافق سياسي ولا دخول دولارات من الخارج. إلا أنه بدأ يتردّد على مسامع الخبراء الإقتصاديين والماليين أن الإجتماعات والمفاوضات “ستطول وتطول”، الأمر الذي أكّده مصدر مالي مطلع لـ”نداء الوطن”، مشيراً الى أنه “أكثر من ذلك قد لا يقبل صندوق النقد الذي كنا نتكبّر عليه لأشهر، دعمنا”.

وعن سبب تلك الفرضية، طالما أنه سبق أن قدّم الدعم الى دول عدة ومنها والأقرب الينا مصر، التي باتت اليوم تحقّق نمواً يتعدّى الـ5%، يشير المصدر الى أنه “في مصر على سبيل المثال يوجد حاكم واحد، أما في لبنان فيوجد حكّام، حتى أرقام الخسارة التي منيت بها البلاد، لم يتمكنوا من الإتفاق عليها ويريدون رميها في ملعب مصرف لبنان والقطاع المصرفي”.

من هنا فإن الإجتماعات مع صندوق النقد الدولي التي هي اليوم في المرحلة الأولى قبل بدء المفاوضات، لن تنتهي خلال أيام أو اسابيع بل قد تدوم لفترة عام بأكمله، من هنا ماذا سيحلّ بالبلاد وبالمصارف التي “تلملم” نفسها وتقلّص عدد فروعها البالغة 1045 لحينها، وبودائع اللبنانيين وبالمنتمين الى الطبقة الفقيرة، وماذا لو أفلست البلاد فهل يتدخّل فوراً صندوق النقد لنشلنا؟

أسئلة حملناها الى نائب رئيس الوزراء السابق والخبير الإقتصادي غسان حاصباني، الذي قال: “إن صندوق النقد الدولي لا يستلم ويدير الدول المتعثّرة والمفلسة تلقائياً. فهو يُعتبر الملاذ الأخير للبلدان المتعثّرة فيقدّم لها الدعم لينهض اقتصادها، وذلك بعد دراسة خطط تلك الدولة الإصلاحية وإعادة النهوض بماليتها. فيدقّق بالأرقام ويرى اذا كانت مقبولة، ويسجل ملاحظاته لتعديل برنامج الدولة، على أن يقرّر على أساسها، من خلال الدول الأعضاء فيه، آلية الدعم”.

وإذ أكّد حاصباني أن “صندوق النقد هو جزء من الحلّ لمشكلتنا وليس الحلّ النهائي”، أشار الى أن “قيمة الدعم الذي سيوفّره أقلّ بكثير من القيمة المطلوبة في الخطة الإقتصادية، فالحد الأقصى سيكون نحو 4.5 مليارات دولار ويعطى المبلغ على دفعات، فيما المطلوب كما ورد في خطة الحكومة أكثر بكثير، 10 مليارات دولار من صندوق النقد وأخرى من مؤتمر “سيدر”…، وهكذا”.

مسار طويل

من هنا يؤكد ما يقال: “إن مسار صندوق النقد طويل طالما أننا اليوم لا نزال في المرحلة الأولى قبل البدء بالمفاوضات، وفترة الإجتماعات قد تستغرق عاماً. لذلك لا يجب انتظار نتائج تلك المفاوضات وعلى الحكومة المباشرة فوراً بالإصلاحات ووضع حد لإضاعة الوقت، وفي حال حصلنا على مساعدة صندوق النقد، فستكون تلك خطوة إضافية للخروج من الأزمة”.

أبرز الإصلاحات

وحول تلك الإصلاحات، يشرح حاصباني أنها “تبدأ من خلال الهيئات الناظمة، وتشكيل مجالس الادارة، واعتماد الشفافية، فضلاً عن إقفال المعابر ووقف التهريب وتحصين الجمارك. ويضاف الى ذلك تطبيق القوانين، وهي النقطة الأهم، مثل قانون الكهرباء والإتصالات والمحاسبة العمومية والمحاصصات والإتصالات، وتنظيف الدولة من عقود التوظيفات المخالفة للقوانين، إذ تمّ توظيف 36 ألف شخص في الإدارات العامة في المرحلة الممتدة قبل وبعد إقرار مرسوم سلسلة الرتب والرواتب، وتطبيق قوانين التوظيفات أيضاً على المؤسسات التابعة للدولة مثل الخلوي، حيث تمّ توظيف 500 شخص بشكل غير قانوني”.

الى ذلك يلفت الى أن “جانباً من الإصلاحات يمكن أن يبرز من خلال وضع جزء من الأصول ذات الطابع التجاري للدولة، مثل عائدات الشركات المباشرة وغير المباشرة التابعة للإتصالات، المرفأ، إدارة الريجي، اللوتو والميدل إيست…، على شكل ضمانات للودائع المصرفية التي يمكن فقدانها جرّاء تخلّف الدولة عن سداد ديونها”.

دولة فاشلة

من هنا يشدّد على أنه “بدلاً من الإنكباب على الإصلاحات نسجّل حالياً المزيد من التأزّم في ظلّ الأزمة المالية المستشرية في البلاد والمزيد من قلة الثقة، وكأننا نعلن لبنان دولة فاشلة، أي دولة تعمّها الفوضى وتسود فيها شريعة الغاب، فتتوقف فيها الخدمات الأساسية، ونعود عندها الى نقطة الصفر أي الى العصر الحجري”.

فـ”العتمة” بدأت فعلياً تتمدّد في المناطق اللبنانية، وتطرق بابنا حتى من أصحاب الموّلدات الكهربائية جرّاء شحّ المازوت المفقود من الأسواق، ما يجرف معه تعطّل الإنترنت والإتصالات… يقابل ذلك استفحال الدولار وتفشّي الفقر أكثر فأكثر ومزيد من الإقفالات للمؤسسات والمحال التجارية، وتأجّج لهيب نار الأسعار في السوبرماركات الذي سينتج عنه خلو الرفوف من السلع… هذا هو المستقبل الذي ينتظرنا في الأيام المقبلة، إن لم تبدأ الحكومة اليوم قبل الغد بالإصلاحات، وتتوقف عن هدر الوقت في المحاصصات.