IMLebanon

“الحزب” الراعي الرسمي للعهد والحكومة!

كتب علي الأمين في “نداء الوطن”:

تضيق الخيارات أمام “حزب الله” بعد حشره في الزاوية الداخلية وانكشاف أمر أسلحته المدمرة عن بُعد بعد تعطيلها عن قُرب، ودخوله في زواريب السياسة والمال والإقتصاد لأسباب محلية وإقليمية باتت “أشهر من نار على علم”، ليتحول إلى الراعي الحصري “الرسمي” للعهد “المستقوي” وحكومته “البتراء”.

والأنكى ان “حزب الله” وبلا وازع أو رادع يُغرق اللبنانيين بمن فيهم أبناء بيئته، في فوضى مالية اوصلت الجميع، باستثناء محميته، إلى الدرك الأسفل من الفقر المدقع، ويظلل مجموعات شغب مخاطراً بالإنجرار إلى اشكالات مذهبية وطائفية لا تحمد عقباها.

فقد كانت حكومة الرئيس حسان دياب إيذاناً بانتقال “حزب الله” من السيطرة المقنعة على الدولة الى مرحلة السيطرة الصريحة على ادارة الدولة وتحديد خياراتها من وقوف الحكومة على باب صندوق النقد الدولي، واطلاق سراح العميل عامر الفاخوري، الى ادارة عملية تقاسم الحصص في التعيينات الادارية، وصولاً الى حماية مصالح القوى التي كانت في الحكومة السابقة من الابتلاع الكامل من قبل اركان قوى 8 آذار، او من الاركان الجدد من ادواته او حلفائه كالرئيس حسان دياب.

لم تجد الحكومة الحالية من تحادثه في الخارج من دول عربية او غربية، وأظهر تشكيلها ان هذا الخارج ينظر اليها باعتبارها حكومة “حزب الله”، فلا رسائل متبادلة تشير الى وجود الثقة مع الخارج، الذي بات ينتظر الحكومة المقبلة او ما سيخلص اليه المشهد اللبناني في ظل الأزمة الخانقة التي يعيشها، وما ستنتهي اليه سياسة الحكومة التي تتمنع عن القيام بأي خطوة اصلاحية جدّية تبني من خلالها الثقة مع هذا الخارج الذي احالها الى صندوق النقد الدولي، والثقة مع الداخل التي تظهر الوقائع في الشارع انها حكومة صامدة بقوة سلاح “حزب الله” وسطوته الامنية والعسكرية.

الحكومة والاستسلام

لم يحظ حسان دياب بدعم المجموعات المنتفضة في الشارع، ولم يلق تعيينه ترحيباً في البيئة السنية، بل يعاني من عزلة سياسية على هذا الصعيد، وهو اظهر بشكل عملي ومن خلال التعيينات الادارية والمشاريع الحكومية، انه وفيّ لمن اوصلوه الى سدة الرئاسة الثالثة، وبدا مطواعاً لمتطلبات “حزب الله” السياسية لارضاء حلفائه، وبعيداً كل البعد عن نبض الشارع الذي يطالب بالاصلاح والخروج عن نظام المحاصصة والفساد.

هذه الحكومة تكشف يوماً بعد يوم عن عجز مقيم تجاه إظهار ارادة التغيير، بل عن استسلام مقيم لمنظومة السلطة التي باتت محكومة بالمزيد من الشيء نفسه في ادارة الشأن العام، لأنها شديدة الانتباه لمصالحها غير المشروعة، والتي بات الاصلاح مشروطاً بتفكيكها وتقويضها.

العصبية الطائفية وادارة صراعاتها وتناقضاتها شكلت في السنوات الاخيرة إحدى وسائل سيطرة “حزب الله” على السلطة، فقد كانت العلاقة التحالفية تترسخ مع الرئيس ميشال عون، ومع رئيس التيار الوطني الحر وتتعزز، كلما زادا من شدّ العصب المسيحي وتمتينه، وتجييره في سياق يظهر ان سلاح “حزب الله” هو عنصر قوة للمسيحيين، في وقت كانت الدولة تزداد هشاشة وضعفاً فيما الدويلة تنمو وتتمدد.

وفي سياق معادلة المتاريس المذهبية والطائفية، كان من الطبيعي ان أقرب حليفين لـ”حزب الله” اي الرئيس نبيه بري وحركة امل من جهة، وباسيل والتيار العوني من جهة ثانية، كانا الأكثر اصطداماً وتحريضاً متبادلاً، ولم يضر ذلك “حزب الله”، وكلاهما كانا الأكثر كسباً في النفوذ والسيطرة مقابل الولاء للخيارات الاستراتيجية لـ”حزب الله”.

انتفاضة 17 تشرين

الانتفاضة في 17 تشرين وامتداداتها تهدد هذه المعادلة السلطوية، لأنها عاجزة بطبيعتها عن ان تكون طائفية او مذهبية، فهي قامت على نبض مناقض للمحاصصة وعلى نقيض مشروع السلطة في ادارة الدولة، وهي غير قابلة بطبيعتها ايضاً للانخراط في نظام المحاصصة، لذا برزت رغم الخيبات، عصيّة على الاستحواذ والتحكم، وتنوّعها بقي عصّياً على التحوّل الى تناقض رغم الجهود التي بذلها “حزب الله” في سبيل القضاء على روح التغيير الديموقراطي التي تعبّر عن تطلعات اللبنانيين في قيام الدولة. يمكن ان يقال الكثير عن الاحتجاجات، ولكن الثابت ان التغيير والخروج من دوامة عجز السلطة وعبثيتها اصبحا رهن ارادة الشارع المتنامية والمتصاعدة.

استحضار الخطاب الطائفي وشعاراته هو تعبير عن العجز ويعكس الارباك لدى السلطة، اذ ليس لدى السلطة في ما تبقى لها من اوراق داخلية، الا السعي لاعادة المتاريس الطائفية والمذهبية، وهو وسيلة تصطدم بعوائق كثيرة. أما الاستعانة بالتصويب على حاكم مصرف لبنان، فلم تعد نافعة، طالما انّ تغييره لم يعد مجدياً لهذه السلطة بقدر استمراره في موقعه، وطالما ان الرئيس نبيه بري يتولى رعايته وتسريب طلبات حليفه اليه.

لم يعد الالتفاف على الأزمة متاحاً بالطرق التي ألفها “حزب الله” في ظروف سابقة، اي بـ 7 ايار جديد، او القيام بحرب ما، ولا الحملات الاعلامية والتخوينية باتت مجدية، فذلك كله لم يعد كافياً لأن يسد رمقاً أو يخفف اوجاعاً مالية واقتصادية تكتسح الجسم اللبناني بأكمله. ليس لدى الحزب ما يقدمه لتهدئة غضب الشارع، غضب بات في بيئته، هو اليوم بخلاف ما كانت عليه الحال غداة حرب تموز 2006، يوم تدفقت الاموال الايرانية والعربية على لبنان، اليوم ما يخرج من اموال اكثر مما يدخل اليه، والمال الايراني وحتى العربي بات عصياً على اللبنانيين ولأسباب مختلفة، سكت الناس في تلك الحرب عن الدمار، لأن “حزب الله” والحكومة عوّضا القسم الكبير من الأضرار والخسائر المادية المباشرة، امّا اليوم فودائع اللبنانيين في البنوك اللبنانية قد نهبتها السلطة عملياً، وان كانت ارقاماً مسجلة لأصحابها في ذمة البنوك، وفرص النهوض المالي والاقتصادي تتلاشى، والفقر والجوع يتسللان الى معظم العائلات اللبنانية، والمؤسسات التجارية تغلق ابوابها، والبطالة تتفاقم والعملة الصعبة تختفي في بلد يعتمد على الاستيراد من الخارج، لا بل يجري تهريبها بوقاحة الى سوريا، في عملية مستمرة لاستنزاف لبنان في سبيل نظام مستعد ان يبيع بلده من اجل ان يبقى على هرم سلطة خاوٍ.

المأزق الذي خلص اليه “حزب الله”، هو انه بات يفتقد الى خصم في لبنان يمكن ان يقنع جمهوره بانه المسؤول عن الأزمة التي وصل اليها لبنان، رياض سلامة والمصارف ليسا كافيين، طالما ان “حزب الله” بات الحاكم الفعلي للدولة، وطالما ان الحكومة حكومته وباسيل حليفه وربيبه، وطالما ان الرئيس بري حليفه، ورئيس الجمهورية هو الرئيس المقاوم، فماذا بعد؟

استعراض فائض القوة في الشارع لا يسد جوعاً ولم يعد ينفع، التغيير بات قدراً وليس مطلباً، في السلطة وفي فك الارتباط مع النظام السوري اذا اراد لبنان التفلت من قانون قيصر.