IMLebanon

الدولار “على طلوع” والتجّار يُحجمون

 كتب خالد أبو شقرا في صحيفة “نداء الوطن”:

يتصدّر الشأن المعيشي هموم اللبنانيين. النقاشات البينية التي تبدأ بالوضع الحكومي والاحتجاجات الشعبية والدعم الخارجي، لا تلبث ان تنتقل سريعاً إلى لهيب الاسعار وكيفية تأمين فتات الدولار. أنظار المواطنين تشوح باتجاه خطوات مصرف لبنان لتأمين استمرار تدفق المواد الغذائية الاساسية، وتحقيق الثبات في سعر الصرف.

يحتار نضال الذي يملك متجراً متوسطاً Minimarket بمن يتصل من تجار الجملة لتأمين النقص في المحارم والمعلبات والمواد الغذائية. فأكثرية التجار امتنعوا على حد قوله عن تأمين الطلبيات. أما الشركات المحلية المشهورة بتصنيع المعلبات فتواجه نقصاً كبيراً، ولا تسلم أكثر من 5 اصناف من أصل لائحة تضم عشرات الاصناف من السلع والمنتجات.

تجميد البيع

تفيد المعلومات المستقاة من التجار ان الكثير من الشركات الموزعة قد جمّدت عمليات البيع، بانتظار السعر النهائي الذي سيرسو عليه سعر صرف الدولار. إذ إن التقلبات الكبيرة والسريعة في سعر الصرف تربك التجار وتجعلهم عاجزين عن التسعير. فاذا باعوا بضائعهم على سعر الصرف المنخفض، وعاد وارتفع سعر الصرف قد يخسرون كل رأسمالهم. أما تحديد الاسعار على السعر المرتفع فيدفع الى احجام التجار عن الشراء، أملاً بموافقة الاسعار مع ما ستحدده منصة مصرف لبنان. وعلى هذا المنوال شهدت الايام الاخيرة الماضية توقف امداد الاسواق بالسلع والمنتجات.القرار 66

لكن ماذا عن قرار وزارة الاقتصاد رقم 66 الذي ينظم آلية دعم استيراد 30 سلعة غذائية على سعر 3200 ليرة، أليس من المفروض ان يساهم بتخفيض الاسعار؟

يجيب نقيب مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي ان “هناك بعض ملفات الاستيراد قد رفعت من وزارة الاقتصاد إلى المصارف التجارية بعد الموافقة عليها.

إنخفاض 20%

الأوساط التجارية تشير إلى ان اسعار السلع المشمولة بالقرار مثل العلف، منتجات الالبان والاجبان، الاسمدة، البذور والشتول، السكر والارزّ، مواد لصناعة الزيوت، الحبوب، السمسم، الخميرة، حليب الاستهلاك الفردي، التونة المعلبة والمواشي الحية سوف تنخفض بنسبة 20 في المئة في حال كانت تباع على اساس سعر صرف 4 آلاف ليرة.

القرار الذي صدر بالتوافق بين وزارة الاقتصاد والتجار ومصرف لبنان في 28 الشهر الفائت لم تبدأ بعد نتائجه بالظهور. وإذا كانت اسعار بعض المنتجات قد شهدت انخفاضاً ترافق مع حملة تسويقية من قبل وزارة الاقتصاد، “فهذا لا يعني ان الاسعار بدأت فعلياً بالانخفاض”، يقول بحصلي. ويتابع: “فهناك بعض التجار الذين عمدوا الى تخفيض أسعارهم من دون ان يكونوا قد اشتروا فعلاً على السعر المنخفض. وهذا يدخل من ضمن المنافسة المشروعة. فالامل بالموافقة على شحنات استيراد بالسعر المدعوم قد يدفع البعض الى البيع بهذا السعر مسبقاً”.
الآلية غير مضمونة

الآلية المتبعة لاستيراد هذه السلع معقدة، وتمر في ثلاث مراحل تتضمن موافقة وزارة الاقتصاد على طلبات الشركات المستوفية كل الشروط القانونية والادارية. من ثم رفع الملف الى البنك الذي يملك فيه التاجر حساباً مصرفياً، ومن بعدها ارسال المصرف التجاري الملف، بعد موافقته، الى مصرف لبنان، وأخيراً اعطاء المركزي موافقته على الدفع عند الاستحقاق. هذه الآلية تشوبها، برأي التجار، مشكلتان تتعلق الاولى بتعقّدها وبطئها، والثانية ترتبط بكمية الاموال المخصصة للدعم والفترة الزمنية التي يستطيع مصرف لبنان التدخل فيها. وإذا اضفنا القرار رقم 66 إلى التعميمين 556 و 557 اللذين ينصان على دعم استيراد المواد الاولية للصناعة والزراعة، بنسبة 90 في المئة على سعر الصرف الرسمي 1515، واستمرار دعم استيراد النفط والدواء والقمح والمستلزمات الطبية، فانه من المتوقع ان يدفع مصرف لبنان أكثر من 3 مليارات دولار سنوياً. وهو ما يثير الشكوك عن قدرة المركزي على الاستمرار. خصوصاً في ظل التراجع الدراماتيكي في الاحتياطي الالزامي.

السلع الأخرى

أمام هذا الواقع الرمادي يبقى مصير السلع غير المشمولة بالدعم مجهولاً. وبحسب نائب رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان د. نبيل فهد، فإن “معظم التجار ينتظرون ما ستحمله الايام القادمة من معطيات عن توفر الدولار. فاذا كان بالامكان الوصول الى دولار بسعر معقول نتيجة الاجراءات الاخيرة، فإن العمليات التجارية سوف تستمر. أما في حال انقطاع الدولار وارتفاع سعره الى معدلات 5000 أو أكثر، فإن النتيجة ستكون إحجام غالبية التجار عن استيراد الكثير من السلع والمواد، لأن الطلب عليها سينخفض”. فهد يؤكد انه “لغاية اللحظة لا يوجد أي انقطاع والبضائع تؤمن. انما الخوف ان يسبب فقدان الدولار اليوم من انقطاع البضائع بعد اشهر عدة. فالموردون كما هو معروف يحتاجون بين شهرين وثلاثة لايصال البضائع”.

إستقرار سعر الصرف عند الصرافين على سعر 3910 ليرات للمبيع لا يعني امكانية حصول كل التجار على هذا السعر. فشريحة كبيرة منهم تضطر للّجوء الى السوق السوداء والشراء بسعر أعلى. وهو ما سيدفع بالقريب العاجل الى خروج آلاف صغار التجار من السوق وتقليص كبريات الشركات لحجم اعمالها، وهو ما سينعكس ارتفاعاً في نسب البطالة والمزيد من تدهور القدرة الشرائية.