IMLebanon

شبهات وراء معركة الدفاع الوهمية عن موقع سلعاتا

كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:

لم تنته فصول قضية معمل سلعاتا الكهربائي، إذ إنه لا يزال مدار أخذ وردّ بين وزراء “التيار الوطني الحرّ” وقوى أخرى وعلى رأسها “القوات اللبنانية”. وفي السياق، تدافع وزيرة الطاقة السابقة ندى البستاني عن عقود الفيول وملف استملاكات سلعاتا وردمياتها، وكأنها لا تزال هي وزيرة الطاقة والوزير الحالي ريمون غجر لا وجود له.

وبالرغم من أن كل علامات الإستفهام المطروحة حصلت خلال الفترة الوجيزة التي شغلت فيها منصب وزيرة للطاقة، يطالب البعض بأن يوضح غجر موقفه العلمي من هذه الملفات لأنه هو المسؤول أمام الشعب ومجلس النواب حالياً.

واللافت أن موضوع سلعاتا، كما أثير أخيراً في مجلس الوزراء ومن قبل النائب طوني حبشي، لم يستهدف جدوى وجود معمل كهرباء في المنطقة، بل طُرح من ناحية أولوية إنشائه والشكوك حول التغيير المفاجئ في اختيار الموقع ضمن منطقة سلعاتا. وفي التفاصيل حسبما يروي المتابعون للملف، بدأت الدولة بالإستملاك العام 1998 بهدف إنشاء معمل للكهرباء في موقع يسمى حنوش، وأكد على إختيار هذا الموقع وزير الطاقة السابق سيزار أبي خليل، وعُلم أن كلفة الإستملاكات فيه تقارب 207 ملايين دولار، وكان هذا المبلغ لافتاً لعدد من الوزراء في حكومة الرئيس سعد الحريري، بخاصة وزراء “القوات اللبنانية”، وسرعان ما أعلنت بستاني عند استلامها الوزارة أن ثمة خطأ في هذا الرقم، لأن الرقم الحقيقي هو أقرب إلى 30 مليون دولار.

وبعد انتهاء اللجنة المختصة في مجلس الوزراء من مناقشة خطة الكهرباء وإقرارها والموافقة على دفتر الشروط للمعامل، برزت قطعة أرض جديدة ولم يعد الموقع الأول في حنوش صالحاً، وتمّ تعداد أسباب كانت قائمة في السابق عندما تمّ اختيار الموقع، ومنها وجود بقايا لكنيسة تاريخية أثرية وموقع لتدريب الجيش ومنطقة مجاورة سياحية.

كل هذه الأمور كانت موجودة عندما قُدرت قيمة الإستملاكات بأكثر من 200 مليون دولار ولم يكن من مشكلة فيها، ووضعت الدراسة الفنية آخذة في الإعتبار هذه المعطيات. وعندما انخفض سعر الإستملاك بعد فضحه، أصبحت هذه النقاط اشكالية لدى وزارة الطاقة بسحر ساحر.

أما الموقع البديل الذي تم اختياره بحجة أن كلفته أقل، فاتضح أنه يتطلب استملاكات في منطقة صناعية ستكون كلفتها أعلى من التقديرات التي تم الإستناد عليها من قبل وزارة الطاقة، كما انه يتطلب ردم مساحات كبيرة من البحر تقارب 135 ألف متر مربع ومعدل السعر المعروض للردم هو 400 دولار للمتر، بينما هذه الكلفة لا يجب ان تتعدى 100 دولار بالمعايير الدولية. ما يعني أن كلفة الردم ستفوق 60 مليون دولار في الموقع الجديد. وهنا تثار الشكوك حول مَن الجهة التي تُلزّم تعهدات ردم البحر وبناء الموانئ والمقرات، في وقت يرى المعارضون لما يحصل أن أرقام الإستملاك والردم قد تخبئ نوايا مشبوهة أو سوء ادارة.

أما في ما يتعلق بالمقارنة بين سلعاتا والزهراني، فهناك وثيقة قدمها غجر لمجلس الوزراء والمجتمع الدولي، وكانت قد قدمتها بستاني سابقاً لخّصت نتيجة دراسة من قبل استشاري تبين أن موقع الزهراني أكثر أهلية من موقع سلعاتا لعدة أسباب أبرزها: وجود وصلة تسهل الولوج الفوري للشبكة. وبالرغم من أن خطة الكهرباء تلحظ انشاء المعملين بالتوازي، قرر مجلس الوزراء السير بالزهراني لأن العرض المقدم من الشركات العالمية هو لمعمل واحد وليس حلاً كاملاً للكهرباء، كما أن القدرة التمويلية المتاحة لا يمكنها أن تغطي معملين، فنص القرار على البدء بالزهراني وليس إلغاء سلعاتا.

واتّبع الاستشاري موت ماكدونالد لتقييم المواقع المعايير الآتية: تأمين وصول الفيول، الولوج لمياه التبريد، قدرة تصريف الطاقة المنتجة على الشبكة، المتطلبات البيئية.

ويسأل المطلعون على تفاصيل ما يجري كهربائياً: “إذا لم يلغِ أحد سلعاتا ولم يعترض أحد على الحاجة لمعمل في هذه المنطقة بمن فيهم النائب حبشي ووزراء “القوات”، فلماذا إصرار البستاني وفريقها السياسي على تصوير الموضوع وكأنهم يخوضون معركة دفاع عن الموقع؟ هل هي لوضع القضية في إطار مناطقي طائفي يشد عصب الجمهور البتروني والمسيحي؟ علماً أن معارك المظلومية تجذب الجمهور وتغطي عدم الإنجاز على مبدأ “ما خلونا”، وكانت حجر الزاوية في استراتيجيات الوزير السابق جبران باسيل ووزرائه المتعاقبين على الطاقة. أم ان هذه المعركة، اضافة الى تحييد الوزير الحالي عنها، تغطية للواقع ان الوزير يتفاوض مباشرة ومن دون مناقصة مع شركات خاصة، على انشاء معمل قد تصل كلفته الى مليار دولار؟

وفي السياق، ما زالت اللعبة القديمة تستخدم وما زالت محاولات الالتفاف على المناقصات قائمة، بالرغم من وعود الحكومة بالإصلاح وبشفافية أكبر. والمعارك الوهمية في ملف الكهرباء مستمرة، والمقاربات التي تدور حولها أسئلة أكثر من الأجوبة ويشوبها الغموض تتكرر، والناس ما زالت تنتظر تنفيذ وعود الكهرباء منذ عشر سنوات.