IMLebanon

«المبادرة الرئاسية».. محاصرة

 

الأزمة اقتصادية والحركة سياسية.. ما يطلبه الخارج، وقد بات شرطا أول لأي مساعدة، هو «الإصلاح».. والمطروح في الداخل هو «الحوار» لبناء «شبكة أمان» وطني و«أمن سياسي».. كثيفة هي حركة الزيارات واللقاءات ومحورها بشكل أساسي مثلث «عين التينة بيت الوسط كليمنصو»، وكثيرة هي التساؤلات التي تطرحها هذه الحركة والشبهات التي تثيرها، ووصل بعضها الى حد التذكير بـ«التحالف الرباعي» (العام ٢٠٠٥)، مع ملاحظة أن الأزمة الاقتصادية المالية على فداحتها لم تعد تشكل مادة البحث الأساسي والبند الأول على جدول اللقاءات والمداولات التي توزعت في اتجاهين رئيسيين: ضبط الوضع الأمني وحركة الشارع، واحتواء تداعيات الأحداث الأخيرة التي حملت معها خطر الذهاب الى الفتنة والأمن الذاتي والحرب الأهلية.. ونقل الأزمة السياسية من المواجهة إلى الحوار من خلال مبادرة رئيس الجمهورية.

هذه المبادرة التي شكلت مفاجأة غير متوقعة لأنها حصلت من دون مقدمات، وفي وقت كانت الأنظار مشدودة الى «الحوار الآخر» الدائر بين الحكومة وصندوق النقد الدولي، طرحت العديد من التساؤلات. أولها ما يتعلق بمستوى الحضور والمشاركة ودراسة «الجدوى السياسية»، وآخرها ما يتعلق بالخلفيات والأهداف الفعلية لجولة الحوار الجديدة.

المشاركة هذه المرة ستكون أفضل من المرة السابقة (الحوار الاقتصادي الشهر الماضي) بفضل جهود مركزة يتولاها الرئيس نبيه بري الذي يقوم بدور «كاسحة الألغام» وفتح الطريق أمام حوار بعبدا. وكان بري نجح في إقناع الرئيس سعد الحريري وانتزع منه وعدا «من حيث المبدأ» بالذهاب الى قصر بعبدا.

وقد أبدى بري إصرارا وإلحاحا في موضوع الحريري لسببين أساسيين: الاول أنه من دون الحريري تبقى «الميثاقية السنية» ناقصة ومبتورة والسبب الثاني أن ذهاب الحريري الى قصر بعبدا للمرة الأولى منذ استقالته، من شأنه أن يكسر حال الجفاء والتوتر مع الرئيس عون ويفتح كوة في الجدار المرتفع بينهما حديثا، والأهم أنه يفتح لاحقا طريق العودة للحريري الى رئاسة الحكومة، وهذا الهدف يعمل له بري الذي لم يقتنع يوما بحكومة دياب ولم يردها من الأساس.

ستحضر قيادات «المعارضة» الى قصر بعبدا وستشارك «على مضض»، غير مقتنعة بجدوى الحوار وبنتيجته العملية من جهة، ومشككة في دوافعه وأهدافه، وحيث تذهب شكوك المعارضين في اتجاهين:

الأول: في اتجاه الرئيس ميشال عون الذي يريد إشراك المعارضة في تحمل مسؤولية الأزمة، والحصول على «صورة» الالتفاف حول رئاسة الجمهورية والاحتكام الى مرجعيتها.

الثاني: في اتجاه حزب الله الذي يحرك من وراء الستارة مشروع الحوار، وهو أكثر المتحمسين له لوضع الخصوم والحلفاء أمام مسؤولياتهم ودفعهم الى مناقشة الخيارات التي طرحها واتخاذ قرارات حاسمة، إما بالقبول بها أو تقديم مخارج جدية وواقعية لكيفية الخروج من الأزمة، بما في ذلك مسار «التوجه شرقا»، وقرار التصدي للحملة الأميركية و«قانون قيصر»، ورفض معادلة «الجوع والسلاح».

هنا تظهر فجوة في المواقف والآراء:

– حزب الله كان واضحا حين أشار السيد نصرالله الى أن لديه بدائل جاهزة للمواجهة، وكان حاسما بأنه لن يسمح بأن يتم تجويع اللبنانيين، وهذه رسالة واضحة للجميع بأن البدائل موجودة على الطاولة، وإذا ما استمر التلكؤ سيكون هناك كلام آخر، وإجراءات أخرى. هو وضع الجميع أمام مسؤولياتهم، وبعدها لا يمكن لوم الحزب على تولي زمام الأمور. فكانت رسالته واضحة الى كل الذين تسول أنفسهم في الداخل التآمر على الوضع الاقتصادي بأن المعركة باتت في مكان آخر.

– المعارضون بقوة لحزب الله يقولون إن لبنان دخل مدار صراع كبير، وما يجري ليس سوى محاولة لشراء الوقت الذي يرفع فيه الكلام التصعيدي. والتهديد لا يستهدف الخارج بل الداخل اللبناني. فالرسالة تخاطب الجالسين على ضفة النهر. والحزب يريد العودة إلى معادلات سابقة، معادلات يربح فيها دوما باستدراجه خصومه الداخليين، الذين يصفهم بحلفاء أميركا والمنخرطين في المشروع «المؤامراتي».

وهذا كي ينحي جانبا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة لكن حزب الله، ومعه لبنان، في لحظة حصار دولي، وبالتالي كل محاولات بحثه عن صيغ داخلية للصراع لن تجديه نفعا أما الأقنعة السياسية الداخلية، بالحوارات الثنائية أو اللقاءات الجامعة، فقد استنفدت ولا تصل الى نتيجة.