IMLebanon

لبنان مُظلم.. والتقنين طاول الشموع!

في جولة مسائية في شوارع بيروت يستحضر المرء مناخات الحرب الأهلية: شوارع مقفرة غارقة في الظلام، متاجر ومحال كبرى أقفلت، تسابق يومي على تخزين المازوت والمواد الغذائية، والشمع. والقلق يتعاظم مع مواصلة الدولار ارتفاعه، متخطيا عشرة آلاف ليرة، وسط عجز رسمي فاضح عن ضبطه. التوترات آخذة بالتصاعد على رقعة الشطرنج السياسي، داخل الحكومة نفسها ـــــ التي يبدو أن ترتيبات ترحيلها والتفاوض على بديل لها قد بدأت جديا ـــــ ولكن أيضاً في الشوارع، التي تشهد احتجاجات متفرقة في بعض المناطق، وعجز الحكومة عن تقديم اي اشارة مطمئنة.

العتمة التي تغرق فيها بيروت، وكل لبنان عموما، مرشحة للتصاعد، لا سيما أن«مخزون المحروقات في مؤسسة كهرباء لبنان بات حرجاً للغاية، وإنتاج المؤسسة آخذ في التراجع الى مستويات متدنية جدّاً». وزير الطاقة والمياه ريمون غجر رد التقنين القاسي الى عدم توافر الفيول.

في المقابل، هنا أزمة شمع أيضاً؛ فالمتاجر لا تسمح بأكثر من كيسي شمع للزبون الواحد، في حين لجأ البعض إلى «قنديل الكاز» الذي اختفى لأكثر من ثلاثة عقود عن جدران منازل اللبنانيين، وعاد مزهواً بسبب ارتفاع أسعاره هو الأخير لتلامس مئة ألف ليرة لبنانية للقنديل الواحد، من دون الكاز طبعاً.

تصاعد حدة الأزمة المالية، راكمته إشارات دولية متكررة بأن أبواب المساعدات الخارجية امام لبنان موصدة حتى اللحظة، حتى تلك الموعودة من صندوق النقد الدولي. هذا ما قالته صراحة نائبة رئيس الحكومة وزيرة الدفاع زينة عكر، التي اعتبرت أن انغلاق المجتمع الدولي، خصوصاً الولايات المتحدة قرار سياسي، ولو ان الجهات الخارجية تربط ذلك بموضوع الاصلاحات.

حصار اللبنانيين

وفي السياق عينه، أشار رئيس الحكومة حسان دياب إلى جهات محلية وخارجية تعمل على محاصرة اللبنانيين وإدخال لبنان في صراعات المنطقة وتحويله إلى ورقة للتفاوض عليه على طاولة المصالح الدولية والإقليمية، مؤكدا ان الحكومة لن تقبل بمحاصرة اللبنانيين وتجويعهم، لافتا الى انها تعمل على فك الارتباط بين سعر الدولار وبين كلفة المعيشة. واتهم دياب جهات محلية، لم يسمها، باللعب بالدولار ومنع الحكومة من اجراء الإصلاحات. وفي رد متأخّر على تصريحات السفيرة الاميركية التي اتهمت فيها «حزب الله» بمنع الإصلاح في لبنان، قال دياب: «سكتنا كثيراً عن ممارسات دبلوماسية فيها خروق كبيرة للأعراف الدولية، حرصاً على الصداقات والعلاقات، لكن هذا السلوك تجاوز كل مألوف في العلاقات الاخوية والدبلوماسية».

متروك لمصيره

إذا بإقرار الحكومة نفسها، التي «شكّلت» لتقديم خطة اقتصادية إنقاذية، فإن لبنان بات متروكا لمصيره بانتظار انتهاء جولة التفاوض مع صندوق النقد الدولي، الذي يبدي يوميا الشفقة على ما نفعله بأنفسنا، على ما يقول نائب رئيس المجلس النيابي ايلي الفرزلي. وذكرت وكالة رويترز، نقلاً عن عدد من المسؤولين اللبنانيين الحاليين والسابقين والدبلوماسيين والمسؤولين الدوليين وخبراء الاقتصاد، معلومات مفادها أن المحادثات مع صندوق النقد تشرف على الانهيار، وأن الوقت بدأ ينفد.

الفرزلي: لحكومة بديلة

المعطيات الأخيرة تشير إلى أن بعض القوى السياسية المشاركة في هذه الحكومة قد نفضت يدها منها، ولكنها تتريث في اعلان ذلك بانتظار تبلور البديل. الاتصالات السياسية المفاجئة لا سيما بين «أخصام في السياسة»، والتي تكثفت أمس، تصب في هذا الاتجاه. الفرزلي أشار اثر لقائه رئيس الحكومة السابق سعد الحريري إلى أن مسألة إعادة النظر في التركيبة الحكومية بات أمراً الزامياً، يجب أن يفكر الإنسان فيه بصورة طبيعية، مناشداً الرئيس حسّان دياب «أن يذهب باتجاه العمل من اجل تحقيق وتسهيل الأمر لإيجاد حكومة بديلة». وأضاف الفرزلي: ان «الحريري هو المدخل الرئيس، في صناعة لمّ الشمل اللبناني». بالتزامن، كان رئيس التيار الوطني جبران باسيل يلتقي رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي اكتفت مصادره بالقول ان الاجتماع كان جيدا، وجرى خلاله الاتفاق على مجموعة خطوات، أبرزها قيام مصرف لبنان بما عليه لضبط تفلت سعر صرف الدولار، باعتباره شرطاً أساساً لمنع حصول أي اضطراب اجتماعي.

جنبلاط: حكومة العدم

وغير بعيد عن هذا المناخ، غرّد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط عبر «تويتر»، وكتب: «يبدو أنّ هذه الحكومة والملائكة التي تحرسها فقدت كل اتصال بالواقع المأساوي والانهيار الحاصل، وتعيش في غير عالم، وتتخيل مؤامرات وهمية، وحاصرت نفسها بنفسها. إنها حكومة اللاشيء والعدم والإفلاس والجوع».

الانفجار الكبير

على الضفة الدبلوماسية أيضاً، يسجل حركة لافتة، وصفها مسؤول سياسي للبناني بأنها ذكرته بدور القناصل في زمن المتصرفية. وينشط في هذا السياق السفيرة الأميركية والسفير السعودي وليد البخاري العائد الى المشهد السياسي بعد انكفاء دام أشهراً. صحيفة لوموند الفرنسية أبدت تخوّفها من تفجّر الوضع اللبناني، ونقلت عن خبير سياسي أن «ثمة خطراً حقيقياً من حدوث انفجار»، لا سميا أن مليون شخص فقدوا وظائفهم منذ أكتوبر».

ووفق المصدر عينه، فإن لبنان سيدفع ثمن اشتداد التوتّر بين ايران والولايات المتحدة، واصفا السجال الأخير حول القرار القضائي بحق السفيرة الاميركية بأنه مجرد تفصيل. «النقطة الأساسية هي أن الاستقرار الاجتماعي في خطر.. جميع الأطراف في النظام اللبناني مسؤولون عن الكارثة. والفساد والنهب استمرّا منذ فترة ما بعد الحرب (1990) بمعرفة الجهات الغربية التي تطالب الآن بالإصلاحات».

ما يحدث في لبنان لا يمكن فصله عن السياق الإقليمي: النزاع الإيراني ـــــ الأميركي المتصاعد والقرارات الأميركية بشأن المنطقة، من قانون قيصر إلى «صفقة القرن». تصريحات دوروثي شيا تندرج ضمن إستراتيجية واشنطن في ممارسة «أقصى ضغط» ضد إيران وحلفائها. «تصريحاتها الأخيرة تجاه حزب الله واتهامه بتقويض الاقتصاد اللبناني هي ما تُقال بالفعل على أعلى مستوى في إدارة ترامب. تريد الولايات المتحدة الضغط على حلفائها الأوروبيين لتبني الحزم نفسه، بشأن الإصلاحات المطلوبة في لبنان، والتي يزعمون أنها مستحيلة بوجود حزب الله»، وفق هيكو ويمن، المتخصص في الشأن اللبناني في مجموعة الأزمات الدولية.