IMLebanon

هل يتحوّل اللبناني حقل تجارب للأدوية غير المرجعية؟

كتبت مريم مجدولين لحام في صحيفة “نداء الوطن”:

بانتظار إقرار “قانون الدواء” في المجلس النيابي خلال الشهرين المقبلين، يتخوّف المواطنون من تواصل فقدان بعض الأدوية من الصيدليات، ويهرع البعض إلى تخزين أدويتهم لأشهر مقبلة في “صيدلية المنزل”… أهمها أدوية أمراض القلب ومعالجة ارتفاع ضغط الدم والصرع والغدد والأدوية المدرّة للبول، وهي أدوية يعتمدون عليها بشكل دائم. وفي ظل استمرار الأزمة، هل امتد تهريب البضائع المدعومة من المصرف المركزي إلى سوريا عبر المعابر غير الشرعية من “الطحين والمازوت” ليصل إلى “الدواء”؟

وكأن هناك حالة نكران للواقع، لم يجد وزير الصحة، حمد حسن، مكاناً “للهلع”، إذ أكد في مؤتمر صحافي في الكرنتينا أن “سوق الدواء اللبنانية بمأمن عن التحديات”، زاعماً أن “المواطن لم يشعر بأزمة” ومعتبراً أن مسألة فقدان الأدوية بشكل مستمر وما يحصل “هو أمر طبيعي فقد يحصل تأخير لبعض الأدوية بضعة أيام، لكن هذا لا يعني أن هناك نقصاً بالأدوية!”

الدواء كالدولار
يقول الصيدلاني محمود منيمنة لـ”نداء الوطن” إنّ “الأدوية صارت كالدولار تماماً من ناحية تهافت المواطنين لشراء كميات إضافية منها، وتخبئتها في المنزل بخاصة منها الأدوية الدورية، التي لا يمكن الإستغناء عنها “، وأكمل: “من جهتنا في صيدلية منيمنة، تصلنا طلبيات كبيرة لم تكن تصلنا من قبل، مثلاً الدواء الذي كنا خلال السنوات الماضية نبيع منه 50 علبة خلال الشهر، صار مطلوباّ منه 200 علبة. وبالتوازي، المستورد الذي كان يرسل لنا 50 علبة صار يرسل لنا 10 علب محاربةً لهذه الظاهرة”. وتابع: “هنا يأتي دور الصيادلة في التصدي لهذا الأمر، ورفض بيع كميات كبيرة من الدواء نفسه، وطمأنة المواطنين وإخبارهم أن تصرفاتهم تضر بهم كمرضى بالدرجة الأولى، كما أنها تساهم في الإنقطاع التدريجي للأدوية”.

هذا وقد برر نقيب الصيادلة غسان الأمين مسألة نقص الدواء وانقطاعه في حديثه إلى “نداء الوطن” بأنّه “حتى اللحظة ما زال الوضع محمولاً ومسيطراً عليه بشكل من الأشكال، ولكن هناك أسباباً كثيرة تقف وراء فقدان بعض الأدوية من الأسواق، ولو لمدة زمنية قصيرة، منها ما هو مرتبط بآلية الطلب التي وضعها البنك المركزي فور ارتفاع سعر الصرف، إذ يجب على مستوردي الأدوية بموجب قرار الدعم، تقديم طلب للمصرف الذي يتعاملون معه للحصول على دولارات تغطّي 85% من الفاتورة بحسب سعر الصرف الرسمي، على أن يتواصل بدوره هذا المصرف مع المصرف المركزي الذي يرسل إليه الموافقة حتى يتمكّن الوكيل من الاستيراد. والمُتعب في هذه العمليّة أنها تأخذ ما يقارب الشهرين أو أكثر، الأمر الذي يؤدّي بدوره إلى تأخر الإستيراد وفقدان الدواء من السوق ولو لمدة قصيرة. أما السبب الثاني فهو أن على الوكلاء شراء دولار من السوق السوداء على سعر مرتفع وغير ثابت يتراوح بين الـ5000 والـ8000 ليرة لتغطية نسبة الـ15% المتبقية من فاتورة الدواء، وهو ما يشكّل كذلك عبئاً كبيراً على المستوردين ويؤخر عملية الإستيراد. كما أنّ المصانع في الخارج باتت تتخوف من التعامل مع لبنان ولا تعدّه أولوية”.

ويكمل الأمين قائلاً: “أما السبب الثالث، فهو منوط بالسياسة الخاطئة التي اعتمدتها وزارة الصحة منذ عشرات السنين باعتمادها بنسبة 80% على الأدوية الغالية ذات العلامة التجارية، والتغاضي عن الاعتماد على الأدوية البديلة (الجينيريك) أي تلك التي تقوم على التركيبة نفسها وبسعر أقلّ. واليوم يحتاج القطاع أن يغير من سياساته مع تجهيز “مختبر مركزي رسمي” لتحليل الأدوية البديلة. ما يحتّم كذلك دعم الصناعة المحلية وحمايتها وتفضيلها، وبناء خطة على أن يكون الدواء متوفراً بسعر أرخص بخاصة الأدوية التي يحتاجها المرضى بشكل منتظم. لا بل تغيير قانون “الوصفة الطبية” والسماح للصيدلي بوصف دواء بديل من ذلك المدوّن من قبل الطبيب ما هو ممنوع حالياً. ويلفت الأمين إلى أنّه من المهم أيضاً “رفع هامش ربح الصيادلة إلى أكثر من 22% فالصيدلي لا يستورد ولا يسعّر الدواء، بل يلتزم التسعيرة الرسمية، وبالتالي خسر كثيراً”.

كارتيل تهريب الدواء

ويبدو أنّ فقدان بعض الأدوية والنقص في توافر البدائل، هما مؤشّران لأزمة أكبر، حذّر منها رئيس لجنة الصحة العامة والعمل والشؤون الاجتماعية النيابية، النائب عاصم عراجي، الذي أكّد لـ”نداء الوطن” أن “هناك أزمة في موضوع فقدان بعض الأدوية المهمّة من السوق اللبنانية، لا بل هناك “شُحّ” في توافر الأدوية التي يحتاجها المريض بانتظام، ولا سيّما أدوية القلب وأدوية در البول والتي لم تُفقد بسبب سعرها، فهذه الأدوية رخيصة جداً لا يتخطى سعرها الـ 8000 ليرة”

وأشار عراجي الى أنّ لديه “تخوّفاً” من تهريب الدواء إلى الخارج، عبر كارتيلات تجارية انتهازية، كونه مدعوماً من مصرف لبنان بنسبة 85% ويصل إلى لبنان بسعر الصرف الرسمي، أي 1517 ليرة لبنانية للدولار الأميركي الواحد. وبالتالي، تماماً كالطحين والمازوت، هناك احتمالية أن تكون هذه الأدوية تعود وتصدّر إلى الخارج بأسعار أغلى، سواء عبر المرفأ بطرق رسمية حيث ليس هناك من منع لتصدير الدواء أو عبر المسالك غير الشرعية، بخاصة مع توقف معظم معامل الأدوية السورية عن الإنتاج، وارتفاع أسعار الأدوية في سوريا مع انخفاض سعر صرف الليرة السورية”. تابع عراجي: “سنتابع هذا الموضوع عن كثب مع وزير الصحة، فأنا أتلقى بشكل يومي اتصالات من مواطنين يخبرونني عن عدم قدرتهم على الحصول على دواء معيّن مثل دواء “لازيكس” وأدوية اخرى كـ”بورينكس وكوردارو وفلاسيند” مثلاً، وقد اعطينا بدائل عنه مصنعة في كندا وهذه البدائل ايضاً مفقودة”.

إستنزاف

في السياق، أوضح النائب فادي علامة لـ”نداء الوطن” أنّه “لا يمكننا أن نستمر في الإعتماد بشكل كلّي على الخارج، فموضوع دعم الدواء ما هو الا استنزاف للدولار الموجود في خزينة المصرف المركزي ومتعلق به وبقدرته على الإستمرار، إذ إننا ندفع حوالى مليار ونصف المليار دولار سنوياً ثمن الأدوية المستوردة من الخارج. وإنطلاقاً من هنا، علينا أن نسرع في اقرار القانون الّذي تقدّمنا به تحت عنوان “قانون الدواء”، كونه يرمي إلى تفعيل “المكتب الوطني للدواء” والإتفاق على هيئة ناظمة للدواء، وهي وكالة تتعاطى بموضوع الدواء على صعيد التسعير والنوعية وادارة المختبر المركزي المقفل منذ 20 عاماً.

وتابع علامة: “وعليه، فور اقرار هذا القانون، ستكون هناك صناعة وطنية للأدوية موضوعة تحت الإشراف ما يقلل بشكل كبير حجم الفاتورة الصحية التي يدعمها البنك المركزي حالياً، وبالتالي تفادي اخراج عملات أجنبية من البلد. فلبنان لديه القدرة على التصنيع المحلي للأدوية التي رصدنا انقطاعها بشكل مستمر، ولكن ما يعيقهم عن ذلك حالياً هو انعدام وجود آلية الحماية لهذا القطاع وهو ما سيوفره القانون ما إن يتم اقراره”. وختم علامة: “لدينا في لبنان ما يقارب الـ12 معملاً، زرت قسماً منها وعلمت أن ارتفاع اسعار الأدوية اللبنانية ما هو الا نتيجة لحجم الطلب القليل عليها، وهذا ما سيتغير مع اقرار القانون حيث أن الجهات الضامنة الرسمية ستعطي افضلية للدواء المحلي وتحميه، ليصل الدواء المحلي الى المواطن بنوعية جيدة وبكلفة مقبولة”.

حقل تجارب
وفي وسط كل هذه المعمعة، يأتي ملف “الأدوية الإيرانية” ليزيد الطين بلة، إذ يتحوّل المواطن فيه إلى “حقل تجارب للأدوية غير المرجعية”. ولفت عضو تكتل الجمهورية القوية النائب فادي سعد لـ”نداء الوطن” الى أن “في لبنان 59 دواء Biosimilaires أتت من دول غير مرجعية ومشكوك بطريقة تسجيلها في وزارة الصحة اللبنانية، ولا تحمل شهادة الجودة، وهذا أمر أساسي لتسجيل الدواء في القانون اللبناني وفي قوانين وزارة الصحة وأهمها الأدوية الإيرانية، التي للأسف أدخلت إلى السوق بأمر وزاري، ألغي في استقدامها إجراء التحاليل المخبرية الإجبارية. وخلافاً لكل المعايير المتبعة والتسلسل الزمني لطلب التسجيل، تخطت الوزارة اجراءات التحاليل الإجبارية على تلك الأدوية متفادين الاستحصال على شهادة “حُسن الدواء” من المختبر المرجعي المُعتمد في الوزارة في إسبانيا، لأدوية “البدائل الحيوية” عبر فرض النفوذ واستعمال صلاحيات إستثنائية. فبعدما قُدمت اللائحة في أيلول صار الدواء جاهزاً ومسعراً في شباط، بعكس القرار 1504 الذي يقول انه يجب أن يكون هناك تسلسل زمني في تسجيل الأدوية بشرط تـحلـيلها مسبقاً في المختبرات”.

في المقابل برر وزير الصحة حمد حسن ذلك تحت عنوان “عدم التسييس” متذرعاً بالنظام الإقتصادي الحر، وبأنه “يمكن لأي دولة ان تتقدم بتسجيل الدواء، وكل الدول الموجودة في مؤشر الادوية يمكنها ان تسجل الادوية من دون قيد او شرط”، راجياً “احترام خصوصية ومهنية وزارة الصحة وترك المناكفات السياسية جانباً”، من دون أن يتطرق لموضوع تسريع تسجيل الأدوية من دون شهادة موثوق بها.