IMLebanon

“الحزب” يعيد لبنان إلى زمن ما قبل الكهرباء

كتبت أنديرا مطر في القبس:

تتسارع وتيرة الانهيارات المتتالية في مجمل القطاعات بلبنان جرّاء فقدان العملة الصعبة، وتراجع القدرة الشرائية للمواطن واتجاه الكثير من المؤسسات إلى الإقفال التام، في حين إن البلد عاد إلى عصر ما قبل اكتشاف الكهرباء، رغم أنه بعد توماس إديسون كان ابن مدينة النبطية في الجنوب اللبناني حسن كامل الصبّاح من أبرز المخترعين في مجال الكهرباء.

رغم محاولات الإنعاش الأخيرة لحكومة حسان دياب، فإن هذه الحكومة لا تزال قاصرة عن اتخاذ خطوات إنقاذية، في حين أثار أمين عام «حزب الله» سخرية اللبنانيين، لا سيما من بئيته الحاضنة، عندما دعا إلى «الجهادَين الزراعي والصناعي»، فجاءت التعليقات على موقعي تويتر وفيسبوك بأن الناس يريدون أن يعملوا بشهاداتهم واختصاصاتهم، ويريدون أموالهم المحتجزة في البنوك ويريدون محاربة الفساد، وليست الزراعة التي هي مسؤولية الدولة، التي يجب أن تنمّي هذا القطاع المهم وتدعم المزارعين على حساب جشع التجار المحسوبين على الزعماء.

وبدا حاسماً أمس كلام وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بأن الولايات المتحدة لا تقبل أن يتحوّل لبنان إلى دولة تابعة لإيران وتدعم اللبنانيين للحصول على حكومة نزيهة، مجدداً وصف «حزب الله» بأنه منظمة إرهابية، داعياً كل الدول إلى تصنيفه إرهابياً. وأكد أن الولايات المتحدة ستساعد لبنان على الخروج من أزمته.

القطاع الصحي: إنذار أخير

لم تعد الأزمة تهدِّد المواطن في لقمة عيشه وعمله فحسب، بل وصلت إلى القطاع الاستشفائي بعد إعلان نقيب أصحاب المستشفيات أن المستشفيات مرغمة «في المرحلة المقبلة على حصر الاستقبال فقط بالحالات الطارئة، وستعطي مدة أسبوعين أو ثلاثة للمسؤولين، لتدارك الوضع قبل الانتقال إلى الخطوة الثانية، وهي إقفال المستشفيات، ما عدا حالات غسل الكلى وعلاج السرطان».

ولا تختلف الصورة السوداوية عن القطاع السياحي، الذي يئنّ كسائر القطاعات. وأمس، فنّد اتحاد نقابات المؤسسات السياحية هواجسه ومطالبه، إلا أنه أرفقها بصرخة تحذيرية وبلهجةٍ أشدّ صرامة، ممهلاً الحكومة والسلطات المعنية مدة شهر حتى 3 أغسطس المقبل للإعلان عن تاريخ «اليوم الأسود» «للسياحة في لبنان، وإلا فإن قرابة نصف مليون لبناني يستفيدون من هذا القطاع سيكونون من كثير الثوّار الجائعين على الأرض».

كل ذلك وسط ازمة تقنين كهربائي قاس بحيث لا تتجاوز التغذية بالكهرباء ساعة واحدة في اليوم في ظل شح مادة الوقود المستخدم لتوفير الطاقة والناجم عن عدم توافر السيولة الأجنبية. فلبنان يعود لعصر ما قبل الكهرباء، والحل في إيقاد الشّموع، والعودة إلى قنديل الكيروسين و/او سراج الزيت. وفي حين كان الاجداد يعقدون جلسات السمر والفرح على ضوء السراج، بات اللبنانيون اليوم محبطين يتأففون ويتذمرون ويتضورون جوعاً نتيجة سياسة الافقار المتواصلة وعدم قدرتهم على تخزين كميات كبيرة من المواد الغذائية، اما لعدم توافر السيولة لشرائها او لعدم توافر الكهرباء لحفظها بعيداً عن التلف.

الجهاد الزراعي

عرابو الحكومة يواصلون تقديم اقتراحات وخطط تدور حول المشكلة ولا تقارب جوهرها. فبعد دعوة رئيس التيار الوطني الحر الى ابتكار زراعات وصناعات جديدة، والى استبدال السلع الأجنبية بسلع وطنية، أطلق أمين عام حزب الله حسن نصرالله «الجهاد الزراعي والصناعي»، داعيا مناصري الحزب إلى «زراعة كل بقعة في الأرض» والاسطح والشرفات لإبعاد شبح الجوع عنهم، منددا بـ«الأداء المكشوف والفاضح أكثر للخارجية الأميركية في لبنان وخصوصاً السفيرة الحالية التي تتعامل مع لبنان كأنها حاكم عسكري، أو مندوب سامٍ».

مواقف نصرالله التي انقسمت الآراء حولها شعبياً، لم تستدع أي موقف رسمي، لا سيما لناحية الإجراءات التي توعد بها السفيرة الأميركية، في حين بدا لافتاً الهجوم الشعبي عليه لا سيما من جمهور شيعي عريض على مواقع التواصل الاجتماعي، ما دفع اعضاء في حزب الله الى توجيه تهديدات بالقتل إلى ناشطين من بينهم الاعلامي والمحلل السياسي حسين شمص الذي اعترض اشخاص سيارته امام منزله ليل السبت وهددوه بتحمل العواقب إذا لم يغادر منزله في الضاحية الجنوبية، وقد نشر شمص فيديو للتهديد الذي تعرض له على صفحته في فيسبوك.

مصدر دبلوماسي اعتبر في اتصال مع القبس ان مواقف نصرالله، ليست جديدة وهو دأب على تكرارها، لكنها اليوم خارج السياق تماما، لأن المرحلة الراهنة تستوجب مرونة وهدوءا وبحثا عن معالجات جذرية تعيد الثقة بلبنان. ويضيف المصدر ان حلول نصرالله لمنع الانهيار او الجوع من خلال المقاومة الزراعية لن تنقذ لبنان من أزماته، ولو أصبح اللبنانيون كلهم مزارعين.

اما كلامه في الشق السياسي- الاقتصادي سواء عبر تحفيزه التوجه شرقاً او في توعده الإدارة الأميركية، فهو يحرج أولا حليفه التيار الوطني الحر الذي «يمشي بين النقط» في هذا الملف لأن حسابات نصرالله في هذين الخيارين لا تطابق بيدر العونيين. ويتابع المصدر ان الفريق الحكومي يتهيب من التحرك الدبلوماسي العربي والغربي باتجاه شخصيات محسوبة على المعارضة، وباتجاه البطريرك الماروني بعد موقفه عالي السقف الذي توجه فيه إلى منظَّمة الأمم المتّحدة للعمل على إعادةِ تثبيت استقلال لبنان ووحدته، وتطبيق القرارات الدولية، وإعلانِ حياده، في وقت يقاطع السفراء الخليجيون السراي الحكومي.

الفساد شريان الحزب

صحيفة «آسيا تايمز» التي تصدر في هونغ كونغ أشارت في تقرير إلى أن الكثير من اللبنانيين لا يدركون أن أزمتهم هي في الواقع «صنعت في لبنان»، ومن يلوم ما يسميه «الحصار الاقتصادي» يذر الرماد في العيون عن المشكلة الحقيقة المتمثلة بـ«حزب الله أو الحزب الشرير».

وكان رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، قال الثلاثاء، إن لبنان يواجه «حصارا ماليا»، تفرضه القوى الدولية، وأن أي مساعدة خارجية يجب ألا تكون على حساب السيادة. وتذكر الصحيفة انه باستثناء العقوبات التي فرضتها ذراع مكافحة الإرهاب التابعة لوزارة الخزانة الأميركية، مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، على عدد قليل من الكيانات والأفراد اللبنانيين المرتبطين بحزب الله، فليس هناك أي قيود مالية على الدولة أو مواطنيها أو مؤسساتها العامة أو الخاصة.

ولكنها توضح أنه بالرغم من عدم فرض عقوبات إلا أن الاستثمار الأجنبي المباشر يبتعد تدريجيا عن البلد، لأن رجال الأعمال ببساطة لا يرغبون في وضع أموالهم داخل بلد يعيش في حالة حرب دائمة، حيث إن حزب الله متورط في اشتباكات إقليمية. وتقول الصحيفة انه حتى أصدقاء لبنان المانحين لم يشترطوا نزع سلاح الحزب لتقديم مساعدات، لأنهم فهموا أن الفساد هو شريان حياة حزب الله، لذا، إذا نجح لبنان بالفعل في اقتلاع الفساد، فإنه سيقضي على الحزب.

تقرير الصحيفة تزامن مع كشف مصادر إعلامية عن وجود أنابيب تحت الأرض لتهريب النفط من لبنان إلى سوريا وبحراسة مشددة من قبل مرتدي ثياب سوداء، بالاضافة إلى وجود مسالك غير شرعية.