IMLebanon

الراعي توغّل في العُمق ووضع الإصبع على الجرح

وسّع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي دائرة كلامه، مطمئنًا كلّ الذين انتقدوا موقفه من الحياد، أو توجّسوا منه. ولكنّه ذهب الى ما هو أبعَد، في ما يتعلّق برسم “خريطة طريق” الإنقاذ، عندما قال إن اللّبنانيّين لا يريدون أن يتفرّد أي طرف بتقرير مصير لبنان، بشعبه وأرضه وحدوده وهويّته وصيغته ونظامه واقتصاده وثقافته وحضارته، بعدما تجذّرت في المئة سنة الأولى من عمره، وهم يرفضون أن تعبث أي أكثرية شعبية أو نيابية بالدّستور، وبالميثاق والقانون، وبنموذج لبنان الحضاري، وأن تعزله عن أشقائه وأصدقائه من الدّول والشّعوب، وأن تنقله من وفرة الى عَوَز، من ازدهار الى تراجُع، ومن رقيّ الى تخلّف.

وبذلك، يكون البطريرك الماروني، الطرف اللّبناني الأكثر عُمقًا في وضع الإصبع على الجرح. فالحلّ قد لا يكون بانتخابات نيابية مبكرة، ولا بالنّتائج التي ستخرج بها، إذا كانت ستُعوّم الأطراف نفسها التي تعمل على إخراج لبنان من المنظومة الدولية، وتُعيده الى ما قبل “القرون الوسطى”. فلا معنى لأكثرية شعبيّة، ولا لديموقراطية، ولا لأي حكم، إذا كانت كلّها لا توفّر كرامة العيش للشّعب، وإذا كانت لا تنجح في بناء دولة تنتمي الى المنظومة الدّولية، بشكل فعلي.

ورأى عضو كتلة “الكتائب اللّبنانية” النائب الياس حنكش أن “الخوف الأساسي يتمحور حول فقدان لبنان موقعه التاريخي والحيادي الذي هو بأمسّ الحاجة إليه الآن، أكثر من أي وقت مضى. فكلّ الصراع الإقليمي والدولي يحتّم علينا التموضُع في موقع حيادي، منفتح ومحيِّد للبلد عن كلّ الصراعات، في وقت واحد”.

واعتبر في حديث الى وكالة “أخبار اليوم” أن “النّظرة الى مصلحة لبنان، هي التي يجب أن تتحكّم بمسار العمل، وبالنّظر الى الموقع الذي يجب أن يكون فيه. وبالتالي، لا يمكننا مواجهة الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا ودول الخليج العربية، فيما نحن نطلب من “صندوق النّقد الدولي” أن ينقذنا. ولا يمكننا خَلْق شبكات أمنية أو مالية مُلتبسة في بلدان عربية معينة، وأن نطلب من البلدان العربية المتضرّرة من تلك الشبكات أن تساعدنا”.

وشدّد على أن “لبنان بات اليوم أمام خيار واحد، وهو الحصول على مساعدة من “صندوق النّقد الدولي”. فهذا “الصّندوق”، وخلال ثلاثة أشهر من الإخفاق اللّبناني في التفاوُض معه، أعطى 83 مليار دولار لـ 77 بلدًا. ومن هنا، لا يُمكن للبنان أن يخرج عن موقعه التاريخي، ومن أصدقائه التاريخيّين، ومن المؤكّد أن ليس من مصلحته أن يتوجّه شرقاً. ومن هذا المنطلق تحدّث البطريرك الراعي، ليؤكّد أن لا جهة وحدها يمكنها أن تقرّر عن كلّ اللّبنانيين، أو أن تأخذ لبنان الى موقع غير موقعه الطبيعي”.

ولفت حنكش الى أن “الواقع اللّبناني الهشّ اقتصاديًا وماليًا، يجعله مُجبراً على الإتّكال على مجموعة من أصدقائه التاريخيّين، وخصوصاً فرنسا والولايات المتحدة الأميركية وألمانيا ودول الخليج العربية. ولا يُمكنه أن يخرج أيضاً من المنظومة الدولية سياسياً، ولا حتى من المنظومة المالية العالمية، أو أن يتواجه معها. ولذلك، لا بدّ من العودة الى الحضن العالمي لفكّ العزلة، وهو ما برز أيضاً في نداء البطريرك الراعي لرئيس الجمهورية (ميشال عون)، ضمن هذا الإطار نفسه”.

وردًّا على سؤال حول عدم جدوى المطالبة بإجراء انتخابات نيابية مبكرة، إذا كانت النتائج الشعبية ستعوّم من يريد إخراج لبنان من النّظام العالمي، أجاب: “نحن نطالب بها انطلاقاً من أن السلطة الحالية فقدَت ثقة الشعب اللّبناني والمجتمع الدولي”.

وختم: “التغيير وإعادة انبثاق سلطة جديدة في البلد، تبدأ كلّها من مجلس النواب. والإنتخابات النيابية المبكرة هي مطلب أساسي للشارع اللّبناني المُنتفِض على الفساد، والمدخل المنطقي لإعادة ترميم الثقة الشعبية والدولية بالدولة اللّبنانية”.