IMLebanon

مناخ دولي مستجد: “ممنوع إنهيار لبنان”

كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:

يبدو أن الرهان على اعتبار لبنان ساحة لتوجيه الرسائل بين أميركا وإيران في طريقه إلى السقوط على حافة الوضعين المالي المترنح والاقتصادي المتأزم، وهو رهان لم يؤت ثماره مع “حزب الله” ومحيطه بقدر التأثر السلبي الشديد الذي لحق بالآخرين، حتى تعدى الأمر إلى تركيبة لبنان ووجوده على قاعدة هشاشة الاوضاع فيه وعدم احتمال أي مغامرة تفوق قدرة هذا البلد على المواجهة. واستجد أخيراً مناخ دولي وتقاطع بين الاميركيين والفرنسيين والفاتيكان لتحرك سريع من أجل لبنان وتعديل بعض المواقف المتشددة، بعدما ادرك الجميع أن ورقة الضغط على لبنان كي ينتفض على “حزب الله” ليست “سياسة صائبة” بل هي سياسة سيدفع ثمنها المسيحيون أكثر، كما أنّ التصدي لإمكانية المساعدة عبر صندوق النقد وغيره او عرقلتها، سيقضي على مسار تفاعل لبنان مع الغرب ويدفعه باتجاه خيارات أخرى.

الفاتيكان يسعى للمساعدة

وتفيد المعطيات ان الفاتيكان انتقل من موقف المستمع الى موقف الساعي إلى المساعدة. إتخذ قراره بالتوجه نحو الدول الغربية للجم الإنهيار في لبنان، من منطلق ان هذا الانهيار سيدفع المسيحيين الى الهجرة. صاحب الديبلوماسية الصامتة والفاعلة كان أبلغ لبنان عبر وزير خارجيته انه يتفهم خصوصية الوضع اللبناني وان المعالجة للمشاكل التي يواجهها لن تكون مجدية الا من خلال الحوار، واعداً بالتحرك لحث الدول الفاعلة على تعديل الموقف تجاه لبنان، وقد لاقت مساعيه صدى ايجابياً من دول عدة في مقدمها فرنسا.

يسعى المسؤولون في الفاتيكان الى التواصل مع الاميركيين للتفاهم على نقطة محورية، مفادها أن التضييق على لبنان بالشكل الحاصل بهدف التصدي لـ”حزب الله”، ستكون له تداعياته على المسيحيين فيدفع غالبيتهم الى الهجرة. القناعة الراسخة لدى الفاتيكان أن الحوار هو سبيل الحل للوضع في لبنان، وليس التصادم مع الآخرين بمن فيهم “حزب الله” الذي يعتبر من النسيج اللبناني. على المقلب الآخر تعمل فرنسا على تخفيف الضغط عن لبنان واقناع الأميركيين أن حربهم على “حزب الله” بالشكل الحاصل ستدفع لبنان الى الانهيار الكامل.

وتكشف المعلومات عن حوار عميق باشرته جهات محلية فاعلة مع الفاتيكان، عبر سفيرها في لبنان المتفهم لخصوصية الوضع اللبناني وهو على تماس مع قيادات دينية داخل الكنيسة المارونية. محور النقاش الدائر ينطلق من القلق على مصير المسيحيين المهدد بالهجرة في غضون العامين المقبلين، إذا لم يتم استدراك الامر عبر معالجة فاعلة للوضع الاقتصادي والمالي، وبذل الجهود من اجل منع وقوع أزمة تعليمية في المدارس الكاثوليكية والبعثات والارساليات الاجنبية، فضلاً عن ايجاد سبل لدعم المزارعين. وعلم أن مؤسسات دينية فاعلة مارست ضغوطاً على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من أجل تأمين دعم للقطاعات التي تمس حياة الناس.

وفي الموازاة تسعى فرنسا، التي يستعد وزير خارجيتها جان ايف لودريان لزيارة لبنان في غضون الأيام العشرة المقبلة، إلى تزخيم مساعيها الانقاذية وعلم ان الوزير الفرنسي في صدد الاعلان خلال زيارته عن مبادرة تجاه لبنان عبارة عن مساعدة مالية للمدارس الفرنكوفونية والكاثوليكية.

مؤشر جوهري آخر لمسه المعنيون تمثل في التعديل الذي طرأ على الموقف الأميركي عبرت عنه السفيرة دوروثي شيا خلال لقائها رئيسي مجلس النواب نبيه بري والحكومة حسان دياب. قالت صراحة إن بلادها “لن تسمح بالانهيار في لبنان” الذي وعدته بالحصول على تسهيلات متعلقة بقانون قيصر. وأضافت ان بلادها ستصغي لطلب اللبنانيين في هذا الشأن، ما يعطي البلد فرصة العودة مجدداً الى خيار استجرار الكهرباء من سوريا.

وأخيراً عقد اجتماع حضره ممثلو أربع دول اوروبية هي المانيا وفرنسا وايطاليا واسبانيا. قرروا في ضوء استعراض الاوضاع في لبنان حماية هذا البلد حفاظا على المسيحيين، وقالت مصادر مواكبة إنّ الاجتماع، وان لم يعقد على مستوى تمثيلي رفيع المستوى، الا انه اندرج في إطار المشاورات المستمرة لوجود شعور بالخطر يزداد على جميع المكونات اللبنانية، وبخاصة المسيحيين، وان الخطر بات يتربص بالبلد برمته. وكما في السياسة كذلك في الاقتصاد حيث خصص البنك الدولي أخيراً مساعدة مالية للبنان قدرها 300 مليون دولار موزعة ما بين مبالغ نقدية وأخرى تصرف على القطاعات التربوبة والصحية والاجتماعية. ومن بين هذا المبلغ ستخصص مساعدات لقرابة 140 ألف أسرة فقيرة تصنف ضمن الفقر المدقع (قبل كورونا) حسب تقديرات البنك الدولي، بينما بلغت نسبة الفقر العادي 50 بالمئة. ووضعت اللمسات الاخيرة على ملف المساعدات على ان يرسل الى الادارة المركزية للموافقة عليه، وهو عبارة عن قرض باستثناء مبلغ 30 مليون دولار يعتبر بمثابة هبة.

الدعم انساني

المعطى الظاهر أن الاميركيين لا يمانعون في الدعم بالملف الانساني وأبدوا تجاوباً مع البنك الدولي، فيما كانت مستغربة معارضة دول أخرى لمساعدة البنك الدولي للبنان. يسرد مصدر معني بملف مساعدات البنك الدولي هذه المعطيات على سبيل التأكيد ان المرحلة المقبلة ليست سوداوية، وان هناك دولاً تعي مخاطر سقوط لبنان وارتداداته السلبية ويقول إن النقطة المركزية المهمة هي في ان يتم اختيار الأسر الفقيرة بطريقة علمية بعيداً من السياسة. وتفيد احصاءات لوزارة الشؤون عن وجود ما يقارب 43 الف أسرة يجب التأكد من استيفائها الشروط من خلال معاينة مباشرة لأوضاعها عبر زيارات منزلية لها قريباً.

ومن جهة ثانية بدأت حركة المغتربين تحريك سوق المال تدريجياً ولكن المطلوب تأمين عامل الثقة بالمصارف التي عليها ان تعطي الناس حقوقها، والآليات موجودة وليست صعبة وذلك في محاولة لتشجيع الناس على إرسال اموال من الخارج.

لكن العامل الاهم والاخطر الذي يقف عائقاً امام ذهاب المجتمع الدولي بعيداً في مساعدة لبنان هو انعدام الثقة بالدولة. المعنيون بملف التفاوض مع البنك الدولي سمعوا مراراً الموقف ذاته الذي يقول سبق ودفعنا للدولة وللادارات ولم نلمس اي خطوة فعلية باتجاه الاصلاح، وكلما وصلنا الى تحقيق خطوة ما لمصلحة البلد لمسنا وجود اعتبارات سياسية وطائفية على حساب منطق الكفاءة، ولذا تفيد المعلومات عن توجه دولي لدعم البلديات والمجتمع الاهلي بدلاً من الدولة كخيار أفضل وأكثر فعالية، والتركيز على مشاريع بلدية تهتم بشؤون الناس والمجتمعات. ما يعني ان المجتمع الدولي بات يفضل دعم المجتمع الاهلي والبلديات، اكثر من دعم الوزارات التي لم تقدم اي اشارة ايجابية باتجاه الاصلاح لغاية اليوم.