IMLebanon

السنيورة: من يعرقل الإصلاح “الحزب” و”التيار”

اعتبر رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة أن “الحاجة أصبحت ماسة من أجل إنقاذ لبنان”. وقال: لا يمكن إنقاذ لبنان إذا لم يبدأ المسؤولون باستعادة ثقة اللبنانيين وثقة المجتمعين العربي والدولي. ليس بالكلام وليس من خلال صدقوني. بل من خلال اتخاذ قرارات محددة يجب ان يصار الى البدء بها وفي المقدمة من خلال رئيس الجمهورية، وهو في أن يبادر إلى التوقيع على مرسوم التشكيلات القضائية للتعبير عن استقلالية القضاء. ومن خلال العمل والمساعدة على معالجة مشكلة الكهرباء التي هي قد أصبحت مسؤولة عن أكثر من 50 في المئة من الدين العام ومستمرة في تكبيد الخزينة مبالغ سنوية هائلة. وكذلك باعتماد الآلية الصحيحة التي أقرها المجلس النيابي من أجل إيلاء المسؤوليات في المراكز الأساسية في إدارات الدولة ومؤسساتها استنادا إلى قواعد الكفاءة والجدارة إلى أكفائها وبطريقة تنافسية وشفافة. وكذلك البدء بتصحيح الخلل في التوازنات الداخلية والخارجية مع الأشقاء العرب والأصدقاء في العالم، وفي ضبط الحدود والمرافق والعودة إلى احترام اتفاق الطائف والدستور والقوانين. هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن أن يعتمدها لبنان للإنقاذ”.

وأوضح، في حديث الى قناة “الحرة”، “أن زيارته الى البطريرك الماروني الكردينال مار بشارة بطرس الراعي قام بها مع وفد من لجنة متابعة إعلان الأزهر ووثيقة الاخوة الإنسانية “كوننا مهتمين بتعزيز العلاقات الإسلامية- المسيحية، وحريصين على التأكيد على دور لبنان كرسالة للعيش المشترك في محيطه وفي العالم”.

وقال: “قمنا بهذه الزيارة تقديرا منا للموقف الوطني الذي عبر عنه غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي إذ يطالب بأن يفك الاحتجاز عن الشرعية اللبنانية وعن لبنان. وهو يؤكد على العيش المشترك اللبناني الإسلامي- المسيحي، وعلى السلم الأهلي، ويشدد على تثبيت استقلال لبنان وسيادته ووحدته وتطبيق القرارات الدولية، وعلى تحييد لبنان عن سياسات المحاور والصراعات الإقليمية والدولية. وهو بالتالي يؤكد على القيم التي قام عليها لبنان، ولاسيما قيم الانفتاح والحرية والديمقراطية. إننا نرى أن هذا الامر يحظى بتأييد كبير من قطاعات واسعة في لبنان، وهو الموقف الذي عبرنا لغبطته عن تأييدنا له. ولقد سلمناه نسخة عن رسالة كنا قد أرسلناها إلى قداسة البابا، نعبر فيها أيضا عن تقديرنا لكل جهد يمكن ان يبذله الكرسي البابوي من اجل نصرة لبنان ودعم حريته واستقلاله وتمكينه من أجل استعادة وجهه الحضاري الذي يصار الى تشويهه في هذه المرحلة”.

وردا على سؤال عن الفرق في الأرقام في مفاوضات الحكومة مع صندوق النقد الدولي، قال: “بداية، دعني أعبر هنا عن أسفي وحزني على ما آلت إليه الأوضاع العامة في لبنان من تخبط وخروج واضح عن السيطرة قبل الارتطام الكبير الذي أصبح وشيكا- ويا للأسف- وهذا ما نراه يحدث أمامنا، ولاسيما في هذه المرحلة من المفاوضات المتعثرة مع صندوق النقد الدولي. ولكن قبل ان اتحدث عن هذا الامر، دعني أقول لك ان الذي نشاهده في لبنان اليوم من انهيار اقتصادي ومالي ونقدي ومعيشي، ليس هو نتيجة عمل هذه الحكومة. ولكن هذا لا يعني أن ننسى ان هذه الحكومة هي التي قد أصبحت مسؤولة، حسب الدستور، عن إيجاد المعالجات الصحيحة للوضع الكارثي الذي أصبح عليه لبنان. وبالتالي، فإن واجبها هو العمل بجد من أجل اجتراح الحلول التي يمكن أن تنقذ لبنان. بالفعل، ومنذ عقدين، كان ومازال هناك استعصاء وسلوكيات مارستها حكومات ومجالس نيابية وأحزاب سياسية وطائفية ومذهبية وميليشاوية في لبنان. لقد تمثل هذا الاستعصاء بالتمنع عن القيام بالإصلاحات التي يحتاجها لبنان من اجل تصويب مسيرته وتصحيح أوضاعه المالية والاقتصادية، ولا سيما في ظل هذه الظروف المتعاظمة القسوة على لبنان. ولقد حصل ذلك على الأخص خلال العقد الماضي وبالتحديد خلال السنوات الأربعة الماضية وبعد انتخاب العماد عون رئيسا للجمهورية”.

وتابع: “في موضوع الاستعصاء على الإصلاح، فلقد كنت أحض عليه دائما مكررا القول وفي كل مناسبة وزارية وحكومية ونيابية، أن الإصلاح امر تقوم به الأمم عندما تكون قادرة عليه وليس عندما تريد ان تقوم به وقد أصبحت مجبرة عليه. عندها تصبح كلفة الإصلاح عالية جدا وأيضا شديدة الأوجاع. وهو الوضع الذي وياللأسف قد أصبحنا عليه الآن في لبنان”.

وأضاف: “الحقيقة أنه وخلال السنوات العشر الماضية طرأت مستجدات اقتصادية ومالية وسياسية كثيرة على لبنان، انخفضت خلالها معدلات النمو الى ما لا يزيد عن 1 او 1,5% سنويا، وأيضا ازداد العجز في الخزينة والموازنة، كما تزايد حجم الدين العام ونسبته إلى الناتج المحلي. كذلك أيضا، انقلب الفائض الكبير في ميزان المدفوعات الى ان أصبح وعلى مدى السنوات العشر الماضية عجزا مستمرا ومتزايدا. هذه الأمور كان يفترض أن تدفع بالمسؤولين في لبنان إلى أن يبادروا الى التعامل بتبصر مع هذه المعطيات الجديدة، وان يبادروا إلى إجراء الإصلاحات التي لطالما كان لبنان بحاجة إليها، والتي استمر الاستعصاء عن القيام بها، وبالتالي لم تتم معالجة تلك الأوضاع التي كانت وما زالت تتردى. بعد ذلك، وعقب تولي الرئيس ميشال عون الرئاسة طرأ المزيد من المشكلات التي تفاقمت في الداخل بسبب الاختلال في التوازنات الداخلية، وكذلك أيضا تفاقم الاختلال في التوازنات الخارجية، ولاسيما لجهة علاقة لبنان بأشقائه في العالم العربي وبأصدقائه في العالم”.

وقال: “أما الذي حصل خلال الأشهر التسعة الماضية، ومنذ ان استقال رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، فقد سادت حالة من الارتباك والتخبط، وعدم التبصر، وقلة المبادرة، وعدم توفر الروح القيادية لدى المسؤولين. وبدلا من أن تبادر الحكومة ورئيس الجمهورية إلى المسارعة والعمل لإجراء المعالجات واجتراح الحلول، كان هناك الإنكار والتلكؤ والاستعصاء وعدم المبالاة وعدم الاكتراث. وأقول لك هنا، أن رئيس الجمهورية أضاع الخمسين يوما الأولى، بعد استقالة الحريري في إجراء استشارات من اجل التأليف قبل التكليف، وهذا أمر مخالف للدستور. ثم أمضى الرئيس المكلف حسان دياب خمسين يوما أخرى قبل ان يؤلف الحكومة. ذلك في الوقت الذي كان لبنان فيه بأمس الحاجة الى القيام باعتماد المعالجات والحلول السريعة اللازمة لوقف الانهيار”.

وتابع: “المؤسف أنه، وبعد ذلك، وحتى الآن ما زال هناك الاستعصاء عن القيام بالإصلاحات، لا بل وأكثر من ذلك، في عدم اتفاق الإدارات الحكومية بين بعضها بعضا على الأرقام النهائية للخسائر المتراكمة، وهذه فضيحة كبرى بحد ذاتها. إذ أنه من واجب الحكومة ورئيسها أن يتوليا العمل على تحديد المنطلقات والمقاربات الواجب اعتمادها في إعداد الخطة الإنقاذية مع الاستعداد والالتزام بتبنيها، وذلك بما يشتمل على تحديد حجم وأسباب الخسائر التي نجمت. ومن ثم في تحديد كيفية التواصل مع صندوق النقد الدولي ومن أجل مفاوضة الدائنين لتحديد خطة العمل الواجب اعتمادها بعد ذلك. وذلك قبل اتخاذ القرار بالتوقف عن دفع السندات المستحقة على الخزينة اللبنانية بالعملات الأجنبية. لقد اصطدمت الحكومة بداية بموقف “حزب الله” الذي حظر على الحكومة إجراء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. وهو قد سمح لها، بالاسم، لاحقا ولكن بعد تفويت فترة زمنية كانت ضرورية للقيام والتوصل إلى اتفاق مع الصندوق الذي يفترض به عند التوافق معه على البرنامج أن يؤمن الصدقية الائتمانية للدولة اللبنانية بما يمكنها من استعادة ثقة اللبنانيين وثقة المجتمعين العربي والدولي، وبالتالي في الحصول على الدعم الاقتصادي والمالي الذي يحتاجه لبنان في هذا الوقت”.

وعن أسباب الخلل المتراكم في الاقتصاد اللبنانية، قال السنيورة: “لا شك أن هناك مصالح متجذرة لدى الأحزاب الطائفية والمذهبية والميليشياوية التي تمنعهم من التجاوب وتجعلهم يستمرون بالاستعصاء عن القيام بالإصلاح. وكذلك أيضا بالإصرار على استمرار الإمساك بإدارات ومؤسسات وأجهزة ومفاصل الدولة اللبنانية للمحافظة على استمرار نفوذهم فيها. وبالتالي في ممارسة الضغط على الحكومة وعلى المسؤولين وفي مقدمهم فخامة رئيس الجمهورية مما يعني الاستمرار في الحؤول دون قيام الحكومة بولوج باب الإصلاح حتى الآن. ولذلك مازالت الحكومة مستمرة في حالة الإنكار للحال التي وصل إليها لبنان، وبالتالي في الممارسات ذاتها والسلوك الذي سلكته على مدى الأشهر الخمسة الماضية، وتحديدا بعد أن تسلم الرئيس حسان الدياب المسؤولية. فلقد تبين، وبشكل واضح، ومن خلال الممارسة التي تقوم بها الحكومة، مدى عدم تبصرها ومدى افتقارها للقدرة على إدارة الأمور. وبالتالي أيضا مدى عدم قدرتها القيادية في هذه الظروف الصعبة. ما أعنيه هنا، أنه كان ينبغي أن تبدأ الحكومة وبإشراف الرئيس على وضع الخطة التي سوف تعتمدها من اجل مواجهة هذه الأزمات المتفاقمة. ويكون ذلك بالتشاور ما بين الوزارات المعنية والبنك المركزي وجمعية المصارف والهيئات الاقتصادية للتوصل إلى الخطة التي تستطيع أن تتبناها الحكومة اللبنانية. وبالتالي أن تعرضها الحكومة وتتباحث بشأنها مع صندوق النقد الدولي”.

وأضاف: “ليس صندوق النقد الدولي هو الذي يضع الخطة للبنان، انما الحكومة اللبنانية هي التي تضعها بالتشاور مع جميع الإدارات والهيئات اللبنانية المختصة. والمؤسف والمخجل هنا أنه لم يكن هناك وجهة نظر واحدة في هذه الحكومة، فبدلا من أن يبادر دولة رئيس الحكومة لقيادة هذا الفريق، إذا بنا نفاجأ باستمرار حالة الإنكار الشديدة لدى الحكومة وعدم اتصالها بالواقع، وتجاهلها لما وصلت إليه حال الأوضاع العامة في لبنان. وكذلك وجدنا التلكؤ والارتباك والضياع الذي سيطر على الحكومة ولم يزل. وبالتالي لم تتمكن الحكومة وبعد سبعة عشرة جولة من جولات التواصل مع صندوق النقد الدولي من التوصل إلى سلوك الطريق الذي يوصل إلى تفاهم مع الصندوق”.

ولفت الى أن “الذي يعرقل الإصلاح هو الأحزاب وحزب الله تحديدا والتيار الوطني الحر الذي ينتمي إليه الرئيس، والذي يسيطر على هذه الحكومة، ويمنع الإصلاح في أكثر من ملف، ولاسيما في ملف الكهرباء. كذلك، فإن الأحزاب التي تمالىء النظام السوري هي التي أيضا تعرقل الإصلاح وتمانع القيام به”. وقال: “في اللقاء الأخير، وكما سمعت من بعض الذين كانوا حاضرين في ذلك اللقاء، أن المسؤول في صندوق النقد الدولي سأل محاوريه من الممثلين للبنان بالقول: “الى اين تأخذون اللبنانيين”؟! هذا الامر هو ناتج عن ان صندوق النقد الدولي قد ضاق ذرعا بتلكؤ المحاورين اللبنانيين، وبالتالي عدم مبادرة المسؤولين اللبنانيين إلى القيام ولو بإصلاح واحد لكي يعبروا فيه عن جديتهم وجدية لبنان، وبالتالي التزام لبنان بطريق الإصلاح. وهؤلاء المسؤولين يعلمون جيدا بأنه ليس هناك أي إمكانية للبنانيين والأشقاء والأصدقاء أن يبادروا ويساعدوا لبنان إذا لم يروا بأم أعينهم أن لبنان يبادر ويقوم بالإصلاحات المالية والنقدية والقطاعية والإدارية التي يحتاجها. إن صندوق النقد الدولي ولاسيما في هذه السنوات القليلة الماضية، وتحديدا بعد جائحة الكورونا أصبح يتخذ موقفا متعاونا أفضل بكثير من الماضي في علاقته مع الدول. وهو يبدي تفهما أفضل للأوضاع التي تمر بها الدول وصعوبتها. وبالتالي أعتقد أنه يريد ان يساعد لبنان. ولكن صندوق النقد الدولي وأي دولة لا يمكن لها ان تساعد لبنان ولا تستطيع أن تساعده إذا كان لبنان لا يساعد نفسه، وإذا كان المسؤولون اللبنانيون لا يساعدون في إظهار موقف وإرادة ثابتة بأنهم يريدون ان يسلكوا الطريق الإصلاحي”.

وردا على سؤال حول ماذا كان فعل لو كان الآن رئيسًا للوزراء، قال: “هناك انهيار كبير وكامل في الثقة ما بين اللبنانيين وما بين الحكومة والعهد ومعظم الفئات السياسية على اختلافها، وان الطريقة الأمثل للقيام بالمعالجات، هي البدء في عملية استعادة الثقة. ويكون ذلك من خلال الإثبات بالأفعال وعن طريق الاستعداد لاتخاذ القرارات الصحيحة التي تؤدي إلى استعادة ثقة اللبنانيين، بداية بدولتهم وكذلك بحكومتهم. وبالتالي وتحديدا المباشرة باتخاذ القرارات الإصلاحية في عدد من الأمور التي أصبح يعرفها القاصي والداني. المشكلة أن الأشقاء والأصدقاء، وكذلك غالبية اللبنانيين الذين وياللأسف، لا يرون قيادة صحيحة مستعدة لاتخاذ تلك القرارات الصعبة والوقوف في وجه التعقيدات التي يقوم بها البعض، ولاسيما الصعوبات والعراقيل التي يضعها حزب الله في هذا الشأن”.