IMLebanon

أميركا – “الحزب”… تراجع المواجهة أم استراحة محارب؟

كتبت غادة حلاوي في صحيفة “نداء الوطن”:

يزور وزير الخارجية القطرية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني لبنان قريباً، في زيارة هي الاولى لمسؤول عربي بعد ثورة 17 تشرين وتشكيل الحكومة الجديدة. هدف الزيارة الاطلاع عن قرب على امكانية مساعدة لبنان. بعده بأيام يصل وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان للهدف نفسه. وتأتي هاتان الزيارتان في لحظة مفصلية إقليمياً شهدت اطلاق سراح رجل الاعمال قاسم تاج الدين المتهم أميركياً بتمويل “حزب الله”، وذلك كنتيجة لمفاوضات ايرانية – اميركية، وتراجع ملحوظ في الموقف الاميركي عبرت عنه سفيرة اميركا دوروثي شيا التي كان هدفها أخيراً، ان توضح وفق ما طلب منها ان بلادها لا تدعم خطة لإقالة الحكومة لعدم توافر البديل راهناً.

ما يحاول فعله الاميركيون هو منح لبنان الاوكسجين في مرحلة ما قبل الانتخابات الاميركية. ويعوّل البعض على أنّ نفس الأميركيين قصير عادةً لا يذهبون بالمواجهة الى آخر المطاف. هذا ما أثبتته تجاربهم السابقة مع حلفائهم وهو ما يظهر جلياً اليوم. ولكن هل يعني انكفاء الاجواء السلبية نسبياً وتراجع المواجهة الأميركية مع “حزب الله” مرونة في الاجواء ام استراحة محارب؟

تتحدث أوساط مطلعة على أجواء “حزب الله” عن تقاطع مصالح أميركي – أوروبي في تخفيف الضغوط عن لبنان خشية ان يقود ذلك الى تداعيات لا يمكن تطويقها، لا سيما في ظل الاصرار الاسرائيلي على مشروع ضم الضفة الغربية، والذي سيكون سبباً مباشراً في اندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة لن يقف “حزب الله” حيالها مكتوف الأيدي.

ما يؤخر اسرائيل عن اعلان مشروعها وجود ثلاثة عوامل قد يصعب تخطيها في المرحلة الراهنة وهي: الخلافات داخل اسرائيل على التوقيت، وتعارض في الرأي حوله في اميركا بين الجيش الاميركي والخارجية، والموقف الاوروبي المحذّر من أن مشروع الضم يعني ان نتوقع انتفاضة ثالثة سيستفيد منها محور المقاومة الذي سيدعم الانتفاضة حتماً بالمال والسلاح.

تزامنت هذه الأجواء مع العقوبات الأميركية على “حزب الله”، فكانت وجهات نظر أوروبية وأميركية تقول إذا حصل الضم واندلعت الحرب فسيكون “حزب الله” طرفاً بالانتفاضة، ولذا فمن الافضل تخفيف الضغط على “حزب الله” لأن هذا الأمر من شأنه ان يودي بلبنان الى الإنهيار. كان هدف العقوبات إضعاف “حزب الله” وإبعاده عن المسيحيين وتأليب مجتمعه عليه، ولكن ما ضعف “حزب الله” وهو يقول صراحة ان عناصره يتقاضون رواتبهم بالدولار ولم يتأثروا بالأزمة، ولا مجتمعه انقلب عليه، والمسيحيون لم يبتعدوا عنه باستثناء بعض التمايزات التي مرت من دون أثر. في المقابل للأميركيين استثمارات كبيرة في لبنان من الجيش الى القطاع المصرفي والمصرف المركزي، ولهم حلفاء سنة وشيعة ومسيحيون واذا استمرت الضغوطات عليه فلن يتأثر هو بقدر ما سيولد هذا الضغط، أزمة إقتصادية ستجر معها اضطراباً إجتماعياً وأمنياً سيستفيد منه “حزب الله”، لأن الجيش سيقف حينذاك على الحياد، بحسب ما ترى الأوساط نفسها، ما سيعد إضعافاً لدوره في وقت يملك “حزب الله” قدرة السيطرة على بيئته.

هنا جاء من ينصح الاميركيين بتشكيل حكومة جديدة بديلة عن حكومة حسان دياب التي يعتبرها الاميركيون حكومة “حزب الله”. ليتبين بعد اتصالات جس نبض أن لا رئيس الحكومة السابق سعد الحريري على جهوزية للعودة مجدداً، ولا المجتمع الدولي في صدد تزكية مثل هذا المشروع، ولا توجد جهات مستعدة لمد لبنان بالاموال اللازمة لانتشاله من أزمته، ولا كان “حزب الله” في وارد التغيير الحكومي.

في هذه الاثناء بلغ الإصطدام بين الاميركيين عبر سفيرتهم في لبنان دوروثي شيا و”حزب الله” ذروته، حتى وصل الامر الى حد قول أمينه العام للسفيرة مباشرة “احترمي نفسك وتوقفي عند هذه الحدود”، وأرسل وزير الخارجية ناصيف حتي بطلب السفيرة ثم تسلم من كتلة “الوفاء للمقاومة” مذكرة احتجاج على تصرفاتها. وبذلك يكون “حزب الله” قد انتقل من الدفاع الى الهجوم مع الاميركيين. ومع التراجع الاميركي سقطت نظرية تغيير الحكومة وجاء دور الاوروبيين ونسبياً الفاتيكان للجم تدهور الاوضاع اكثر والحد من التأزم، وترافق ذلك مع زيارة الموفد العراقي ثم جولة مدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم الى كل من قطر والكويت، ليبدو وكأن مناخاً جديداً يلوح في الافق هو، وفق الأوساط المطلعة على أجواء “حزب الله”، تسليم من جانب الأميركيين بحقيقة عدم التمكن من ترويض “الحزب”. لكن من دون ان يعني ذلك ان معركتهم في مواجهته توقفت او حسنت نواياهم، بل جلّ ما في الموضوع انهم في مرحلة مراجعة للمرحلة الماضية فهل سيكملون الضغط باتجاه “حزب الله” ام سيتوقفون عند هذا الحد؟

الاجابة على السؤال غير واضحة لدى الاميركيين أنفسهم لوجود وجهتي نظر، واحدة لصاحبها دايفد شينكر الذي يميل الى تزكية سياسة العقوبات الى حين انتهاء ولاية الرئيس الاميركي دونالد ترامب واستيضاح صورة الانتخابات الاميركية الجديدة، والاخرى عرابها دايفيد هيل الذي يرى ان في لبنان اصدقاء ومصالح اميركية ما يوجب عدم دفعه صوب الانهيار. الاهم بالنسبة اليه هو أمن اسرائيل بالدرجة الاولى والذي يراه مهدداً لا سيما مع احتمال اندلاع انتفاضة فلسطينية مجدداً. يريد هيل ان يتجنب تحريك وكر الدبابير الذي يهدد اسرائيل وفي اعتقاده ان المضي قدماً بفرض العقوبات الناعمة ضد “حزب الله” سيجر الى هلاك البلد.

وحاول لبنان الاستفادة من اجواء التهدئة النسبية بإيفاد اللواء ابراهيم الى قطر والكويت لكنه عاد منهما خالي الوفاض، ولم تكن الحال مع العراقيين افضل لكنها حركة اعطت انطباعاً ان الاميركيين لم يصدوا الباب نهائياً في وجه لبنان، وهم رغم العقوبات التي يطوقون فيها هذا البلد عدلوا عن انهياره.

جل ما يسعى اليه رئيس الحكومة حسان دياب وسط ضبابية المشهد، الاستفادة من المرونة الاميركية النسبية بتزخيم مفاوضاته مع صندوق النقد. ما يهم رئيس حكومة لبنان ليس المبلغ الذي قد يمنحه الصندوق في نهاية المطاف وعلى شكل قروض، وهو مبلغ وعده حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بتأمينه له على دفعات سنوياً، وإنما الأهم بالنسبة له ان ينال شهادة حسن سلوك لحكومته من المجتمع الدولي تفتح له امكانية مجيء استثمارات خارجية، وترفع عنه الحظر الاميركي لتعود وتُفتح ابواب العرب المقفلة.

كل المسألة اذاً، تمرير الوقت بانتظار الانتخابات الاميركية لعل كواليسها تفتح على تسوية ما تلوح في الافق، من دون ان يلغي ذلك المراوحة في الأزمة المالية بانتظار خطوات الحكومة الاصلاحية.