IMLebanon

أحداث مفاجئة ومتلاحقة تغطي الساحة الإيرانية

كتبت هدى الحسيني في “الشرق الأوسط”:

تتعامل إيران حالياً مع أزمة اقتصادية وسياسية وداخلية غير مسبوقة، وهي نتيجة مباشرة لسياستها الخارجية والداخلية، في حين يركز العالم منذ أكثر من أسبوعين على سلسلة من الانفجارات والحرائق في البنية التحتية الرئيسية وبرامج الأسلحة الإيرانية، بدءاً من حدثين في 26 حزيران؛ انفجار كبير في مصنع صواريخ «خوجير» بالقرب من طهران، وانفجار محطة كهرباء في شيراز أغرق المدينة في الظلام، وفي 5 و6 تموز تسرب مزيد من المعلومات من إيران على وسائل التواصل الاجتماعي، ما يشير إلى أنه لم يتم الإبلاغ عن حوادث أخرى حتى الآن، بالإضافة إلى بعض الاضطرابات في الفترة نفسها. وفي 2 يوليو اندلع حريق هائل في منشأة غير معروفة في شيراز عند معبر جادة منتظري وميدان زرغاري في الجزء الشمالي الغربي من المدينة، ولم ترد أنباء عن هذا الحريق في وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية. في الليلة التالية، 3 يوليو، اندلع حريق آخر، لكن الموقع الدقيق لم يكن بالإمكان الإبلاغ عنه على مواقع التواصل الاجتماعي، كما لم يتم الإبلاغ عن هذا الحريق من قبل وسائل الإعلام الرسمية، وأيضاً في 3 يوليو، تعرض مستودع كبير للبضائع غير المعروفة في «سالماس» (بالقرب من طهران) لأضرار جسيمة في حريق كبير، ومثل حرائق 2 و3 يوليو لم يتم الإبلاغ عن هذا الحريق في وسائل الإعلام الإيرانية، وحتى الآن تتكرر الأحداث يومياً في إيران، وهي غريبة ولافتة.

وتعرضت إيران أيضاً إلى اهتزازات بسبب احتجاجات كبيرة في الأسابيع الأخيرة بسبب الفشل في دفع الأجور من الجهات الحكومية والخاصة، ولا سيما مقاطعة الأهواز جنوب البلاد؛ حيث وقعت الانفجارات وتسرب الغاز في 4 يوليو. وكانت هناك مظاهرة كبيرة في مدينة «شوش» في 4 من الشهر الحالي، لنفس أسباب مظاهرة الأهواز، الفشل في دفع الأجور.
في هذه المرحلة، من غير الواضح ما الذي يمكن استخلاصه من هذه الأحداث من تفجيرات وحرائق، والتي يقع بعضها بالقرب من الآخر، وأيضاً متفرقة، ولكن يمكن تصنيفها على النحو التالي…
الهجوم على «كوجير» و«نطنز» في 26 من الشهر الماضي، والثاني من هذا الشهر على التوالي هي أهداف عسكرية نفذها جهاز متطور. الحرائق التي اشتعلت في شيراز في 26 من الشهر الماضي، وفي الأهواز في الرابع من الشهر الحالي تتعلق بمحطات توليد الكهرباء. أما الحريق في مصنع «كارون» للبتروكيماويات، فكان الوحيد المعروف المتعلق بالبنية التحتية لتلك الصناعة. أما الحرائق في عيادة «سيتا آثار»، في 30 من الشهر الماضي فلم تكن مفهومة، لأنها وقعت في طابقين تحت الأرض، ووصفت الحكومة المكان بعيادة التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI).
أما الحرائق في شيراز في 2 و3 من هذا الشهر، وفي سلماس – طهران يوم 3 من الشهر نفسه، فكلها منشآت مجهولة. لكن المظاهرات في الأهواز وشوش صارت شائعة بشكل متزايد، مرة أخرى، كردّ فعل على التدهور السريع للاقتصاد الإيراني، ولعدم تلقي الأجور لمدة ربع عام على الأقل، ومظاهرات الأهواز في 28 من الشهر الماضي أوقفت حركة القطارات والسكك الحديدية.
من المستحيل معرفة ما يجري على وجه اليقين، لكن من الواضح أن الحوادث في المواقع العسكرية الحساسة (خوجير ونطنز)، كانت هجمات، إما من قِبل قوة مجهولة، أو بمساعدتها، ويبدو أن الباقي المستمر هو جزء من حملة منسقة، لضرب المواقع التي لا نعرف عنها شيئاً، أو لفضح عجز النظام، أو لكليهما. وبغضّ النظر، يبقى أن نرى ما يمكن أن تكون العلاقة إذا وجدت، بالهجمات العسكرية. لكن هذه السلسلة من الأحداث تحمل تداعيات خطيرة على مرونة النظام حيث يُنظر إليه الآن على أنه يعاني من العجز وعدم الكفاءة.
المثير في هذا كله، أن العميد السابق في الجيش اللبناني أمين حطيط فسّر ما يجري بقوله؛ نجحت إيران في استدراج إسرائيل لقصف مواقع خالية في طهران، ضمن التكتيك العسكري لكشف نوعية الصواريخ الإسرائيلية! فهل هذا التحليل ولاء مطلق، أو سذاجة مطلقة.
أيضاً خلال الأسبوع الماضي تراجع الريال الإيراني مقابل الدولار، من 200 ألف للدولار الواحد، إلى 264 ألفاً. إن انهيار الريال الإيراني «وتحطيم الحاجز النفسي البالغ 220 ألف ريال مقابل الدولار»، وانهيار النظم الاقتصادية والمصرفية، بالإضافة إلى سلسلة من الانفجارات والأعطال في المواقع النووية ومحطات الطاقة في جميع أنحاء إيران، تزيد كلها من الضغط المحلي الذي يواجهه النظام.
ويستمر وباء «كورونا» في الانتشار في كل البلاد حيث أودى بحياة الآلاف، بل عشرات الآلاف من الإيرانيين، حتى إن النظام توقف عن محاولة كبح انتشار الفيروس، واستسلم، لأنه لم ولن يتلقى المساعدة الدولية اللازمة لذلك. ولم يوقف الفيروس تحميل المرشد خامنئي الإيرانيين مسؤولية الوقاية الذاتية للحد من انتشاره.
كل ذلك، جعل الجمهور الإيراني محبطاً أكثر وأكثر، ويائساً، لم يعد لدى الإيرانيين أي شيء يخسرونه، لأنه لم يبق لهم شيء. كذلك فإنهم يحوّلون غضبهم تجاه النظام.
من جانبه، يتذكر النظام بشكل جيد مظاهرات الطلاب عام 2009 ومظاهرات 2018 بشأن ارتفاع أسعار البيض، ومظاهرات نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بشأن أسعار الغاز. تعرف القيادة الإيرانية جيداً أن الانقسام بينها وبين الجمهور الإيراني أكبر من أي وقت مضى.
خوف النظام الأبرز هو وقوف الجماهير في طوابير طويلة بانتظار شراء العملات الأجنبية والطعام، التي تزداد غلاءً كل يوم. قد يكون هذا هو الزناد الذي سيشجع الإيرانيين الذين هم الآن يائسون أكثر من أي وقت مضى، على النزول إلى الشوارع والاحتجاج ضد النظام مهما كانت الكلفة.
يبدو أن مرونة الجمهور الإيراني، التي تم تأكيدها عدة مرات من قبل، خلال الأزمات الاقتصادية والمحلية التي لا تعد ولا تحصى، قد انهارت تماماً. وأشارت نسبة المشاركة المنخفضة غير المسبوقة لانتخابات المجلس في فبراير (شباط) الماضي، إلى أن الجمهور الإيراني فقد كل الثقة بالنظام السياسي، ويلوم النظام على جميع المشكلات التي يواجهها.
يدرك النظام ذلك جيداً ويخشى من أن تدفع هذه الأزمات والمشكلات الإيرانيين لمواجهة قواته الأمنية، وجهاً لوجه، لكن أفراد قوات الأمن وعائلاتهم تأثروا كذلك بالوضع الاقتصادي القاسي، فهل سيؤثر ذلك على ولائهم للنظام الذي كان قوياً حتى الآن؟ لم يعد النظام على يقين من الجواب عن ذلك… هو لا.
يقدر خبراء في الشأن الإيراني أن الأشهر القليلة المقبلة ستكون حاسمة بالنسبة إلى النظام الذي صار يدرك أنه يواجه طريقاً مسدوداً، وقد تكون ساعته بدأت تدق، لأن محنة الشعب الإيراني لن تزول، وسيستمر فيروس «كورونا» في تدمير البلاد وقتل مزيد من الإيرانيين. والمضحك أنه في ظل كل هذه الكوارث، يوقّع وزيرا دفاع إيران وسوريا على اتفاقية دفاعية مشتركة.

السؤال المطروح، هل سنرى في الأشهر القليلة المقبلة بداية سقوط النظام الإيراني من الداخل؟ يرغب كثير من الإيرانيين في ذلك. وإذا كانت هناك أي فرصة للشعب الإيراني ليحظى بحياة كريمة واستعادة بلاده، فيجب تحقيق هذا السيناريو.