IMLebanon

لا حياد في ظلّ السّلاح

كتب طوني أبي نجم في “نداء الوطن”:

إبتهج قسمٌ كبيرٌ من اللبنانيين بالمواقف الحاسمة التي أطلقها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي. فليس عابراً أن يطرح سيّد بكركي ملفّ “الحياد” بالحجم الكياني الذي يطرحه فيه، وليس تفصيلاً أن يُصرّ رأس الكنيسة المارونية على هذا العنوان، مُترافقاً مع الإتّهامات الواضحة التي كالها لـ”حزب الله” بالهيمنة على القرار السياسي في لبنان.

مواقف البطريرك الراعي التي فاجأت الجميع من دون استثناء، لا يُمكن أن تمرّ مرور الكرام، لأنّ حضور بكركي في الوجدان المسيحي واللبناني مُتجذّر، ولطالما تصدّرت الكنيسة المارونية كلّ المعارك السيادية. فهل دقّت ساعة استعادة السيادة اللبنانية من إيران و”حزب الله”؟

الثابت والأكيد أنّ حركة بطريرك الموارنة تُشكّل حجر الزاوية في المعركة السيادية الجديدة، وخصوصاً أنّ من يعرفون الراعي يُدركون أنّه لم يكُن ليُعلن إنطلاق معركة “الإستقلال الثالث”، لو لم يُدرك أنّ الظروف كلّها متوافرة داخلياً وخارجياً، وخصوصاً أنّ أداء الراعي منذ تولّيه سُدّة البطريركية، اتّسم بالهدوء والإنفتاح، وحتى بالإبتعاد عن الأداء الذي طبع بكركي في عهد بطريرك الإستقلال الثاني المُثلث الرحمات مار نصرالله بطرس صفير.

لكن، وفي المقابل، فإنّ ما يجب أن يتنبّه له الجميع هو أنّ الحياد، وهو عنوان تتوق إليه أكثرية اللبنانيين كمدخل وحيد لا بديل له لإنقاذ لبنان من مِحنته الوطنية والسياسية والمالية والإقتصادية والاجتماعية، لا يُمكن أن يحصل في ظل وجود دويلة “حزب الله”، وسيطرتها على كلّ المفاصل في الدولة اللبنانية، وخصوصاً على مفاصل المؤسسات الدستورية، وهيمنتها على القرار الأمني والإستراتيجي للدولة اللبنانية، كما على قرارها الديبلوماسي.

هكذا يتّضح بما لا يقبل أي جدل، أنّ لا حياد مُمكِناً في ظلّ استمرار سلاح “حزب الله” وترسانته الصاروخية وعمله الأمني. فالحياد يعني ألا ينخرط لبنان في مِحور، وهو ما يُناقض عمل “حزب الله” طوال الأعوام الماضية لخطف قرار الدولة في لبنان، وجعلها رهينة المحور الإيراني الذي يُفاخر بأنّ حدود إيران باتت على ضفاف المتوسّط. والحياد يعني ألّا يكون ثمّة وجود مجموعات لبنانية تابعة لإيران، تُقاتل كميليشيات عابرة للحدود، من سوريا مروراً بالعراق وصولاً إلى اليمن، وتملك خلايا أمنية تعمل في أكثر من دولة عربية بينها الكويت والبحرين، وقبلها مصر وغيرها.

والحياد يعني ألّا يكون لـ”الحرس الثوري الإيراني” ذراع لبنانية، تُشكّل العمود الفقري في تنفيذ مهمّاته في لبنان وعبر العالم.

والأهمّ في الحياد، أن تكون الدولة اللبنانية قادرة على فرضه على جميع اللبنانيين. ولذلك يُصبح منطقياً كلام رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عن أنّ الحياد يحتاج إلى توافق وطني. ولكن ما فات فخامة الرئيس، أنّ هذا التوافق يُعمل عليه ويُبحث فيه بعد تسليم “حزب الله” سلاحه إلى الدولة اللبنانية، لأنّ هذا السلاح بحدّ ذاته، هو سبب الإنشقاق الوطني وكلّ الفتن والمؤامرات التي يتعرّض لها لبنان. كما أنّ هذا السلاح، الذي يأتمر بأوامر إيرانية، تسبّب في الإنهيار المالي والإقتصادي والإجتماعي الذي نُعاني منه بفِعل قرار إيران و”حزب الله” استعمال لبنان كساحة لمواجهة المجتمعين العربي والدولي.

وبالتالي، عبثاً نبحث عن الحياد، أو نُطالب به، قبل العمل الدؤوب لنزع سلاح “الحزب” بموجب الدستور اللبناني أولاً، ومنطق وجود الدولة وحصرية السلاح، كما واستجابة لكلّ القرارات الدولية وفي طليعتها القراران 1559 و1701.

من دون تصويب المعركة بشكل صحيح ومُباشر نحو السلاح، والعمل داخلياً ومع المجتمع الدولي لتفكيكه وعودة “حزب الله” حزباً سياسياً صرفاً، إن رغب، سيخرج علينا من جديد محمّد رعد، أو أحد رفاقه ليقول لنا مُجدداً إنّ المطالبة بالحياد لا تُساوي الحبر الذي يُصرَف عليها!