IMLebanon

لا محروقات بالبرّ للبنان بعد قانون قيصر

كتب علي نور في “أساس ميديا”:

قدّمت وزارة الخارجيّة اللبنانيّة طلباً إلى الإدارة الأميركيّة من خلال السفارة اللبنانيّة في واشنطن، لإعفاء لبنان من الالتزام بموجبات قانون قيصر في ثلاثة مجالات. الأوّل هو استجرار الطاقة وتسديد ثمنها إلى سوريا، بقيمة 350 مليون دولار سنويّاً، استناداً إلى تفهّم الإدارة الأميركيّة لصعوبات تخلّي لبنان بشكل مفاجئ عن هذه الطاقة، ولصغر حجم هذه العمليّات بالنسبة إلى النظام السوري وموارده.

الثاني هو مرور الشاحنات اللبنانيّة التي تنقل البضائع عبر سوريا وتسديد رسوم الترانزيت لها، والثالث هو استيراد وتصدير المنتجات الزراعيّة بين البلدين، وهذا يتعلّق بالأمن الغذائي للشعبين، قبل أن يرتبط بمصالح النظام السوري نفسه. كما أنّ هناك استحالة لتصدير المنتجات اللبنانيّة عبر البرّ إلى الخليج والعراق والأردن دون المرور بالأراضي السوريّة، والتصدير عبر البحر يفقد معظم المنتجات الزراعيّة تنافسيّتها من ناحية الأسعار، نظراً لارتفاع كلفة الشحن.

اللافت للنظر كان عدم شمول هذه اللائحة مجال مبادلة المحروقات عبر الأراضي السوريّة. وهو ما يعني عدم وجود نيّة للحكومة اللبنانيّة للاتجاه نحو هذا النوع من العمليّات خلال الفترة المقبلة. هذا بعكس كلّ ما أُشيع عبر وسائل الإعلام خلال الفترة السابقة، خصوصاً بعد تناقل أخبار حول مرونة أميركيّة تجاه منح لبنان استثناءات معيّنة من قانون قيصر، لسدّ حاجاته من المحروقات من دول محدّدة، كالعراق، في سياق اتفاقيات يمكن عقدها مع العراق، لمبادلة النفط بمنتوجات لبنانيّة، أو شرائه بتسهيلات في الدفع، من خلال نقله عبر الأراضي السوريّة. ولأنّ تلك الأراضي يحاصرها “قيصر”، بات “التساهل” الأميركي مطلوباً.

وتحدثت أوساط سياسيّة لبنانية عن إصرار رئيس الحكومة العراقيّة الجديد مصطفى الكاظمي على تشغيل أنبوب النفط العراقي عبر سوريا ولبنان، لنقل نفط العراق باتجاه البحر الأبيض المتوسط ووضع حدّ لعمولات هائلة يتقاسمها مستفيدون من خلال منفذ البصرة.

لكنّ طلب الاستثناءات اللبناني تجاهل كلّ هذه الطروحات، ولم يأتِ على مسألة النفط لا من قريب ولا من بعيد. وبحسب مصادر حكوميّة مطلعة على الملف، يرتبط هذا التطوّر بإدراك الحكومة اللبنانيّة لكلّ التعقيدات والعقبات المرتبطة بهذه الطروحات، وهو ما دفعها لعدم إثقال طلب الاستثناءات ببنود لن يكون هناك جدوى فعليّة منها في مراحل لاحقة.

فبعد انتهاء الاجتماعات البروتوكوليّة مع الوفد العراقي، وتفرّغ الحكومة لدراسة آليّات التبادل المقترحة مع العراق، بدأت الإشكاليّات العمليّة بالظهور سريعاً. فالدولة اللبنانيّة لا تملك مصانع أو شركات يمكن أن تنتج ما يمكن مبادلته بالنفط العراقي، والشركات اللبنانيّة القادرة على تصدير بضاعتها لن توافق على استبدال الدولار الطازج المتأتّي من التصدير بديون على الدولة اللبنانيّة بالليرة، بعد تسليم الدولة منتوجاتها لمبادلتها بالنفط العراقي. وإذا قررت الدولة اللبنانيّة طبع النقد لشراء هذه المنتجات، فمن أين ستأتي الشركات اللبنانيّة بالعملة الصعبة لشراء المواد الأوّلية اللازمة للإنتاج؟

أما في الجانب المتعلّق باستفادة لبنان من النفط مقابل تسهيلات وامتيازات، فثمّة تعقيدات أكبر، خصوصاً كون الجانب العراقي يدرك أنّه يتعامل مع دولة ما زالت في مرحلة التعثّر غير المنظّم، وهو ما يعني وجود مخاطر ائتمانيّة كبيرة مرتبطة بهذه التسهيلات. مع العلم أنّ فكرة منح لبنان هذا النوع من التسهيلات، بالإضافة إلى امتيازات أخرى، واجه اعتراضات كبيرة داخل لجنة النفط والطاقة البرلمانيّة في العراق، خصوصاً أنّ العراق يواجه بدوره مصاعب اقتصاديّة تقتضي حماية موارده الماليّة بشكل مشدّد في المرحلة الراهنة.

وعلى أيّ حال، وبمعزل عن عدم واقعيّة هذه الطروحات من الجانب العملي، يبدو أنّ الحكومة اللبنانيّة تدرك أيضاً صعوبة الاستحصال على موافقة الإدارة الأميركيّة على هذا الاستثناء تحديداً. ففتح المجال أمام هذا النوع من المشاريع التي تمرّ بالأراضي السوريّة، سيعني حكماً فتح الباب أمام استفادة النظام السوري من النفط الذي سيمرّ بأراضيه، في حين أنّ قطاع النفط تحديداً كان أبرز القطاعات التي شدّدت الإدارة الأميركيّة على استهدافها في إطار قانون قيصر.

في كلّ الحالات، كانت الإدارة الأميركيّة قد أعطت بعض الإشارات الإيجابيّة التي تلقّفها لبنان، من خلال حديث مساعد وزير الخارجيّة الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر عن أنّ مشروع قانون قيصر “يجب ألا يؤذي لبنان”، علماً أنّ شينكر خصّ بالذكر مسألة التصدير عبر الأراضي السوريّة، وإمكانيّة وجود ترتيب لاستثنائها من عقوبات قانون قيصر.

في الخلاصة، من المفترض أن يرتقب لبنان خلال الأيام المقبلة ردّ الإدارة الأميركيّة على طلب الاستثناءات، وهو ردّ سيكون له أثر كبير على تطوّرات الأزمة الماليّة اللبنانيّة، خصوصاً بما يتصل بمسائل حسّاسة تتعلّق بمستقبل القطاعات الإنتاجيّة اللبنانيّة، وقدرتها على التصدير البري. ولذلك، فإنّ ما يمكن الرهان عليه فعلاً هنا، هو حرص الإدارة الأميركيّة على إبقاء هذه النافذة مفتوحة أمام لبنان، لعدم رميه في أحضان المحور المقابل بشكل تامّ ونهائي.