IMLebanon

ماذا يعني حياد لبنان في القانون والسياسة؟

كتب د.ناصر زيدان في صحيفة الأنباء:

فكرة الحياد ليس جديدة وهي لا تستهدف طرفا سياسيا بذاته، فقد جاء في ميثاق العام 1943 أن لبنان جسر تواصل بين الشرق وبين الغرب، وتسوية العام 1958 تبنت شعار «لا غالب ولا مغلوب» في إشارة الى عدم انتصار محور على محور آخر.

أما اتفاق الطائف الذي أنهى الحروب الداخلية عام 1989، فقد تحدث عن لبنان العربي الهوية والانتماء والمنفتح على كل الثقافات، وهو ملتزم بميثاق جامعة الدول العربية وبعضويته في منظمة الأمم المتحدة.

وكان لبنان قد انضم الى مجموعة دول عدم الانحياز بعد العام 1961 وهي تأسست خارج سياق الاصطفاف الذي كان يقسم العالم عموديا، بين معسكر تقوده الولايات المتحدة الأميركية ومعسكر آخر يقوده الاتحاد السوفييتي، رغم وجود أحزاب لبنانية قوية مؤيدة لكل من المعسكرين، وقد جانب لبنان الرسمي الدخول في أي من المحاور العربية، وفي الوقت ذاته التزم لبنان بالعداء لإسرائيل ومقاطعتها.

ماذا يعني حياد لبنان الإيجابي من الناحيتين القانونية والسياسية؟

يعني الحياد في القانون الدولي العام، التحلل من أي التزام له تبعات سياسية محورية على الدولة التي تعلن حيادها، وهي تعتبر خارجة عن أي اصطفاف وغير منحازة لأحد.

وتجربة الحياد السويسرية التي تختلف عما هو مطروح في لبنان، كانت للهروب من ارتباط كل من المكونات العرقية بأصولهم الفرنسية والألمانية والإيطالية والتي سببت حروباً بينهم، وقد التزمت سويسرا باحترام قرارات منظمة الأمم المتحدة العامة التي تصدر بالإجماع فقط، رغم أنها ليست عضوة في المنظمة.

أما الحياد السياسي للبنان، او «الحياد الإيجابي» فيعني الابتعاد عن كل عمل جبهوي او تنسيقي مع أي محور دولي ضد محور دولي آخر، ومنع أي عمل مناهض لدولة أخرى انطلاقا من لبنان، باستثناء الدفاع المشروع عن النفس خصوصا ضد العدوان الإسرائيلي.

ووفقا لهذه المقاربة الحيادية الإيجابية، لا يتحمل لبنان تبعات الصراعات بين الدول الكبرى، لاسيما في هذه الفترة العصيبة التي تمر بها المنطقة برمتها، حيث الهياج الإقليمي في أوجه، وهو يهدد بحروب ونزاعات كبيرة قد تطيح بسيادة واستقلال دول بكاملها.

مطالبة البطريرك بشارة الراعي بتطبيق سياسة حياد لبنان، تستند الى مجموعة من المعطيات والثوابت وردت في اتفاق الطائف، وفي إعلان بعبدا الذي وقعت عليه كافة القوى اللبنانية في 11 يونيو 2012، وهو يحظى بتأييد غالبية اللبنانيين، والذين اعترضوا على فكرة الحياد غير مستهدفين، وهم لم يقدموا أي مبررات واقعية للاعتراض، بحيث انه لا توجد أي علاقة بين إعلان الحياد وبين العداء لإسرائيل، وهذا العداء يحظى بإجماع من القوى السياسية كافة، وتكفله القوانين اللبنانية التي تمنع أي تعامل مع العدو الإسرائيلي.

والفكرة الحيادية اليوم هي حاجة وطنية لإنقاذ لبنان من الانهيار الاقتصادي، ولمساعدة شعبه المهدد بالفقر والجوع الذين تسببت بهما سياسة الانحياز التي اعتمدتها الدولة فعليا، وهي ربطت لبنان بمحور «الممانعة» منذ 6 سنوات، وهذا الربط عزل لبنان عن المدى الحيوي المفيد له بين أشقائه وأصدقائه، ورافق هذه السياسة تطبيق توتاليتاريا داخلية أضرت بالقطاعات الإنتاجية ومنعت الإصلاح – خصوصا في الكهرباء – وسببت هدرا كبيرا في المالية العامة، ولم تتمكن الانتفاضة وقوى المعارضة من إحداث أي تغيير بسبب استقواء الحكم بقوى الممانعة المسلحة، رغم أن جمهور هذه القوى يدفع ثمن الانهيار مثل بقية اللبنانيين.

الحياد الإيجابي لا يستهدف أي جهة، بل يعزز دور الدولة ويثبت الوحدة الوطنية، وهو مظلة حماية جامعة للذين يشعرون بالتهديد، خصوصا أبناء الجنوب.