IMLebanon

الحكومة بين الشرق والغرب: لا عودة إلى الوراء!

كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:

تحاول الحكومة ومعها الفريق العوني تقديم خطوة التدقيق المالي في حسابات مصرف لبنان على أنّها إنجاز تاريخي، من المتوقع أن تتابهى به أمام الضيف الفرنسي الذي يصل بيروت خلال الساعات القليلة المقبلة والذي يسارع إلى سؤالها عما حققته من إصلاحات بنيوية ومالية منتظرة منذ سنوات.

وحدهم وزراء الثنائي الشيعي تحفظوا على قرار الحكومة ربطاً باحتمال وجود أي ترابط بين موظفين في شركات التدقيق الجنائي والمحاسبي مع العدو الإسرائيلي. وبالفعل، ما هي دقائق على تسريب خبر التعاقد، حتى كانت الهواتف الذكية للبنانيين تتناقل السيرة الذاتية لمدير شركة “ألفاريز اند مارسيل” كما وردت عبر موقع “لينكد ان” وقد تضمنت إقراراً رسمياً منه بأنّه عمل في اسرائيل… الأمر الذي يفتح باب التساؤل المشروع: اذا كانت الخشية من أي ترابط مع اسرائيل هي التي أدت إلى وقف التعاقد مع شركة “كرول”، فماذا الذي أتاح التعاقد مع هذه الشركات طالما أنّ احتمال وجود موظفين مرتبطين بشكل أو بآخر باسرائيل ينطبق كذلك عليها؟

على كل، تبقى خطوة التعاقد مجرد بداية في مشوار الألف ميل، خصوصاً وأنّ هذا المسار قد يحتاج لأشهر قبل بلورة نهايته، وقبل أن تتمكن الحكومة، اذا ما بقيت صامدة في وجه عواصف التغيير، من تسويقه على أنه انجاز من انجازاتها الاصلاحية.

عملياً، يصل وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان إلى بيروت فيما سبقته عناوين نقاشاته، وهي متصلة حكماً بما حققته الحكومة اللبنانية من انجازات قد تسمح لها بالجلوس إلى طاولة المفاوضات الجدية لتأمين بعض الدعم المالي أو بالأحرى السيولة من خلال مشاريع قروض واستثمارات تقي البلاد السقوط في قعر الإفلاس والفوضى النقدية والاجتماعية.

ومع ذلك، يقول مطلعون على عمل الحكومة إنّ رئيس الحكومة ليس على اطلاع على ما يحمله الوزير الفرنسي في جعبته سواء كان من طبيعة ايجايبة، في ضوء بعض الملامح الايجابية التي أطلقت في الأجواء اللبنانية وفي محيطها، أو من طبيعة سلبية تتصل بالتشدد الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية ربطاً بالصراع الحاصل بينها وبين ايران. ومع ذلك يقول المطلعون على موقف رئيس الحكومة إنّ الحكومة جهزت اجاباتها للزائر الفرنسي في ما خصّ السؤال عن الاصلاحات التي أنجزتها، لافتين إلى أنّ الموقف الفرنسي لم يكن قبل أشهر معدودة على هذا المستوى من الحدّية، وبالتالي إنّ اصرار باريس على تجاهل الخطوات التي قامت وتقوم بها الحكومة، هو موقف سياسي بامتياز يتماهى مع التشدد الأميركي لا أكثر. ولهذا تقول قوى سياسية داعمة للحكومة إنّ الأخيرة تواجه مرحلة مفصلية، لم تتحدد معالمها النهائية بعد، كون إشاراتها لا تزال غير مكتملة، وقد تنقلها من ضفة إلى أخرى. عملياً، التقطت الحكومة، و”أولياء أمرها” الكثير من مبادرات حسن النية، سواء من فرنسا أو من بعض الدول الخليجية. صحيح أنّ هذه الإشارات لم تقرن بأي ترجمة عملانية قد تحولها إلى مشاريع دعم، لكنها بالنتيجة تشي بأنّ هناك من يحاول توجيه رسائل تهدئة إلى الداخل اللبناني.

يقرّ هؤلاء بأنّ الدول الأوروبية كما الخليجية، تحرص على عدم تجاوز الخطوط الحمراء التي تضعها الإدارة الأميركية، التي حتى اللحظة تمارس سياستها الضاغطة على لبنان. ولكن مجرد فتح كوات في جدار الأزمة اللبنانية، يعني أنّ احتمال التهدئة بات وارداً.

يقولون إنّ هذه الإشارات ما كانت لتحصل لو أن الحكومة لم تهدد بالتوجه شرقاً، وبالتالي إنّ الخشية من سحب البساط من تحت أقدام المجتمع الغربي وتحول لبنان بالكامل نحو الدول الشرقية، دفع الأوروبيين ومن خلفهم الأميركيين الى التريث قليلاً في حملة الضغوط التي تمارس بحق لبنان. ويؤكدون أنّ هذه الإشارات لا تزال حبراً على ورق، ولكنها قد تكون بداية مشجعة، ولهذا توصف المرحلة بأنها مفصلية، قد تنتهي باشتداد الضغوط أكثر، وقد تفتح صفحة جديدة من التهدئة التي يراد منها ضخّ بعض الأوكسيجين في عروق الأزمة اللبنانية، لا أكثر. ولكن الاحتمال الثاني لا يعني أبداً أن الحكومة ستوصد الباب أمام المحور الشرقي لدخول المجال الاستثماري في لبنان. فالقرار الذي اتخذته الحكومة لا عودة عنه بمعزل عما ستقوم به الولايات المتحدة ومعها الدول الأوروبية البارزة وتحديداً فرنسا… لأن المطلوب هو تكريس نوع من التوازن الاقتصادي والتجاري في البلد كي لا يبقى أسير أي محور.