IMLebanon

فرنسا تتبنّى حياد الراعي… فهل تحمله إلى مجلس الأمن؟

كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:

أن يزور وزير خارجية “الأم الحنون” بكركي فهذا أمر طبيعي، لكن أن تشمل زيارته فقط تلك المرجعية في حين استثنيت جميع المرجعيات والشخصيات غير الرسمية، فهذا الأمر يعطي مؤشراً الى مدى إهتمام فرنسا بعلاقتها التاريخية مع البطريركية المارونية.

أن يشدّد الرئيس إيمانويل ماكرون، اليميني المعتدل، على أهمية العلاقة مع بكركي فهذا أمر طبيعيّ، لكن أن يقول الرئيس الفرنسي السابق “اليساري” فرنسوا هولاند أمام راعي أبرشية بيروت السابق المطران بولس مطر العام 2016 أن علاقة فرنسا مع البطريركية المارونية هي من التراث الفرنسي، فهذا أمر يؤكّد أن تلك العلاقة استراتيجية ولا تتأثر بمن يقطن في الإليزيه.

إستغلّت بكركي، بعكس بعض الأحزاب، علاقتها بفرنسا من أجل مصلحة لبنان، فكان لبنان الكبير العام 1920، واليوم وعلى أعتاب المئوية الأولى لتلك الولادة، فإن البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أعاد تحميل “همّ” هذا البلد إلى “الأم الحنون” بصفتها الصديقة والراعية للكيان اللبناني والدولة الأقرب والأصدق مع اللبنانيين.

وما حصل في بكركي بين الراعي ووزير الخارجية جان إيف لودريان يتخطّى إطار المحادثات السياسية أو المجاملات البروتوكولية، بل كان حواراً في العمق حول أهمية وجود البلد وصون كيانه، فالبطريرك كان واضحاً بالتمسك بلبنان الكبير “كما ورثناه عن أجدادنا وكما أراده البطريرك المكرّم الياس الحويك، وبأن هذا البلد أمانة في أعناق البطريركية المارونية وكل لبناني وطني وحرّ، وبالتالي علينا الحفاظ عليه والعمل من اجل صونه وتحييده عن الصراعات التي تدمره وتقضي على كيانه ووجه الحضاري”.

وكان الضيف الفرنسي مستمعاً ومتفهّماً لما يقوله البطريرك الماروني، والفرنسيون أيضاً لن يفرّطوا بلبنان الكبير الذي كانوا الداعمين لبنائه وساندوه في كل المراحل الصعبة، وبنوا النظام والمؤسسات التي ما زلنا حتى الساعة نسير بها لكننا لم نطوّرها.

والأهم من كل هذا أن فرنسا تبنّت طرح “الحياد” الذي ينادي به الراعي والذي يشكّل المنقذ للبنان الكبير والمخلّص للشعب اللبناني من أزماته وأبرزها الازمة الإقتصادية التي تعصف به، وذهب لودريان أبعد بكثير من ذلك، إذ أكّد أن لا سيادة بلا حياد، وبالتالي فقد أضاء على نقطة أساسية يريد الراعي أن تبصر النور.

وعد لودريان بأن فرنسا والرئيس ماكرون سيبذلان كل الجهود من أجل الوصول إلى حياد لبنان، خصوصاً أن باريس تُبدي كل الحرص على الحفاظ على لبنان منارة المنطقة وصلة الوصل بين الشرق والغرب، ولا تريد لأحد أن يغيّر وجهه الثقافي والحضاري، لذلك أتت المساعدات الفرنسية العاجلة إلى المدارس الفرنكوفونية الـ52 التي كانت وراء نهضة هذا البلد وصنع صورته اللامعة في العالم.

الرسالة الفرنسية كانت واضحة من خلال زيارة لودريان إلى بكركي وهي أن الكرة الأرضية تتغير وتتبدّل لكن علاقتنا مع البطريركية المارونية ثابتة ولا تتزحزح، لذلك فإن كل ما يطرحه البطريرك من مسائل وطنية وخصوصاً المساعدة في إقرار الحياد في مجلس الامن يحظى بموافقة فرنسا ويشكل خريطة طريق يتمّ العمل عبرها.

وتراهن بكركي على الدور الكبير الذي تستطيع باريس أن تقوم به في العالم من أجل تسويق مبدأ الحياد وإقراره في مجلس الأمن، لأن بقاءه مجرّد كلام لن يوصل إلى أي نتيجة، وبالتالي تقع على عاتق فرنسا مسؤولية كبيرة في هذا الشأن.

ولكن من غير المستبعد أن تدرس فرنسا ملف الحياد بكل تفاصيله وتقدّم مشروعاً إلى مجلس الامن الدولي لإقرار حياد لبنان أممياً، وهذا المشروع قد يكون مشتركاً، أي فرنسياً وأميركياً وبريطانياً، لكن الخوف من أن تستخدم الصين وروسيا حق النقض “الفيتو” بحقه، لذلك فإن الفكرة تحتاج إلى إنضاج أكثر كي تمر في مجلس الأمن مثلما يطالب البطريرك الراعي.