IMLebanon

الراعي للسفير الإيراني: تبعية “الحزب” لكم تعرِّض لبنان للدمار

كتب معروف الداعوق في “اللواء”:

لم يكشف السفير الإيراني محمّد جلال فيروزنيان عن جوانب مهمة من وقائع حديثه مع البطريرك الماروني بشارة الراعي في الديمان مؤخراً، بل إكتفى بالتحدث للصحافة كما عادته في معظم الأحيان بكلام ديبلوماسي منّمق، يظهر بلاده وكأنها تتعاطى مع لبنان من باب الحيادية والحرص على مصلحته كما هي حال الدول الصديقة الأخرى، في أوروبا أو شرق آسيا مثلاً، ولا تتدخل بشؤونه الداخلية، ولا تهيمن عليه، لا من قريب أو بعيد ولا علاقة لها بحزب الله وممارساته وسلوكياته وليست معنية بالمواقف والتصريحات التي يرددها كبار المسؤولين الإيرانيين من قمّة الهرم إلى اسفله ويتباهون فيها بأن لبنان أصبح منطقة نفوذ إيراني خالصة في مواجهة الغرب والولايات المتحدة الأميركية، أو حتى لجنوح بعضهم لاعتباره ولاية تابعة للجمهورية الإسلامية دون رفّة جفن أو مراعاة للحدّ الأدنى من مشاعر اللبنانيين الرافضين بمعظمهم لهذه السياسة الإيرانية تجاه لبنان.

اما في الحديث مع البطريرك داخل أروقة الصرح، فكان له جوانب مهمة أخرى، لم يشأ السفير الإيراني بدبلوماسيته المعهودة التطرق إليها في الخارج، لأنها قد تسبب له بأسئلة واجوبة واحراج هو بغنى عنه في هذا الوقت بالذات، أو لأن ما أثاره البطريرك سيتسبب بتأجيج المواقف المحلية والخارجية الرافضة اساساً للتدخل الإيراني والسياسية الإيرانية بالمنطقة عموماً..

كان حديث البطريرك الراعي مع السفير الإيراني كما روته جهات متابعة اطلعت على تفاصيله، صريحاً إلى أبعد الحدود، ويكاد يكون أوّل كلام متشعب ويلامس جميع نقاط الخلاف والتباينات والاعتراضات بين البطريرك ومسؤول إيران على مستوى السفير، بدون مجاملة أو قفازات، وتناول نقطتين اساسيتين، الأولى فكرة الحياد التي طرحها البطريك مؤخراً ويسعى إلى تسويق دعم مختلف الأطراف لها لوضعها موضع التنفيذ العملي، والثانية وضعية «حزب الله» وسلوكياته تجاه لبنان واللبنانيين.

وقد أسهب البطريرك الراعي في شرح فكرة الحياد بكل ابعادها ومعانيها والأهداف المتوخاة منها، مبيناً انها ليست موجهة ضد أي طرف أو جهة داخلية كما يروّج البعض لذلك، أو يحاول تحويرها في غير موضعها، بل هي تهدف لحماية لبنان من الصراعات الإقليمية والدولية المستفحلة هذه الأيام والسعي من خلالها بأن لا يكون لبنان إحدى ساحات هذه المنازلات، وبالتالي يدفع اللبنانيون اثمانها الباهظة على حسابهم وحساب وطنهم، في حين تجري الأطراف المتصارعة صفقات وتسويات بالخفاء لصالحهم كما يتبين من وقت لآخر، وهذا لا يمكن ان نقبل به أو نوافق عليه.

وأردف البطريرك قائلاً لمحدثه، ان مفهوم الحياد الذي نطالب بتحقيقه لا يعني حياد لبنان عن الصراع العربي- الإسرائيلي كما يحلو لبعض رافضي هذا التوجه القول لتبرير ارتباطهم بالخارج وتصرفاتهم ومشاركتهم بالحروب والحرائق المشتعلة بالمنطقة، بل على العكس من ذلك نحن في لبنان جزء من العالم العربي وفي خضم الصراع العربي مع إسرائيل، ولسنا بصدد التأكيد في كل مرّة بأن إسرائيل هي عدو للبنان، وهذا الأمر هو من ضمن ثوابتنا أو قناعاتنا الوطنية والدينية، ولكن ذلك لا يعني في مطلق الأحوال الزج بلبنان وتعريضه لمخاطر غير محسوبة لحسابات ومصالح خارجية كما حصل أكثر من مرّة، بل يجب أخذ مصلحة لبنان فوق مصالح الآخرين. وما نقوله يعبّر عن توجهات وقناعات لبنانيين كثر وهم يجاهرون فيه، ولعل ما قاله سماحة الامام السيّد موسى الصدر يوماً بهذا الخصوص إنما يعبر عن المواقف والتوجهات اللبنانية الوطنية الخالصة. وقال فيه بالحرف: «سنخسر وطننا لبنان، ولن نستعيد شبراً من فلسطين وسنتحول إلى لاجئين إن لم نجعل لبنان في دائرة الحياد. وطننا لبنان لا يستطيع بإمكانياته الضعيفة ان يتحمل عبء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الكبير».

اما النقطة الثانية التي استغرقت معظم النقاش، فتركزت على تبعية «حزب الله» المطلقة لإيران وقيامه بممارسات وتصرفات تهيمن على الواقع السياسي وتقلب موازينه بالقوة، وهو ما يتعارض مع الدستور والقانون ويهدد صيغة العيش المشترك ووحدة لبنان وسيادته واستقراره واستقلاله.

وقد حاول السفير الإيراني التملص دون جدوى من تبعية حزب الله لبلاده وانتظامه في تنفيذ خططها ومصالحها أو ان يكون يعمل لصالحها «بلبنان»، لافتاً إلى ان بلاده تتعامل مع الحزب كونه حزباً لبنانياً صرفاً وحركة مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي وهو لا يُشكّل قوة امتداد أو تأثير صرف لها كما يدعي البعض، مؤكداً في الوقت نفسه ان إيران تحترم لبنان كدولة وتتعامل مع كل اللبنانيين سواسية ولا تتدخل بالشؤون الداخلية اللبنانية.

وهنا واجه البطريرك الراعي السفير الإيراني بجملة مواقف ووقائع، معدداً ما يقوله كبار المسؤولين الإيرانيين بالاسم عن ارتباط النظام الإيراني وتحالفه الوثيق مع «حزب الله» على مرّ السنوات الماضية، لافتاً إلى أن هذا التحالف ليس سراًً ولا يُمكن إنكاره أو تجاوزه، بل هو واقع عملي والقاصي والداني يعرفه، ويتباهى به مسؤولو الحزب في كل احتفالية أو حدث يحصل، بل أكثر من ذلك هم يرددون باستمرار بأن دعمهم المالي والتسليحي من دولة إيران، ويعملون بتوجهاتها ويدافعون عن مصالحها على حساب المصلحة اللبنانية، وهذا ضد إرادة معظم اللبنانيين، وضد مصلحة الدولة ونحن لا نقبل أن يستمر هذا الحال مستقبلاً.

وأكد البطريرك أن ما يقوله ويعمل لتحقيقه هو بدافع الحرص على العمل مع كل الجهات الفاعلة لكي يعود الحزب إلى لبنانيته ويستغل الفرصة المؤاتية لإعادة الاندماج في بيئته اللبنانية ومع الشعب اللبناني، وأن يقلع عن استعمال لبنان كمنصة لايران، تنطلق منها العداوات ضد الدول العربية أو الدول الصديقة على حدّ سواء، وهو ما ألحق الضرر الكبير بعلاقته ومصالحه واقتصاده وأدى إلى عزلة لبنان الدولية التي لم تحصل من قبل على هذا النحو.

وتمنى البطريرك الراعي على السفير الإيراني في ختام اللقاء، أن يتولى هو شخصياً وبصفته الديبلوماسية أن يلعب دور الوسيط مع «حزب الله» للمباشرة الفعلية بإعادة صياغة علاقات جديدة بين اللبنانيين بكافة مكوناتهم مع الحزب، تساهم فعلياً في حل الخلافات والتباينات القائمة وتفتح صفحة جديدة بين الجميع، ترتكز على التعاطي المسؤول واحترام الدستور والقوانين المعمول بها، وتلتزم أسس العيش المشترك ومتطلباته وسيادة ووحدة لبنان واستقلاله بعيداً عن كل أساليب الإستقواء والهيمنة بكل أشكالها.