IMLebanon

سياسة دياب الخارجية… “الولد يضرب أمّه”

كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:

ليس غريباً أن يُقدّم وزير الخارجية ناصيف حتّي إستقالته من حكومة أتت بمهمّة الإنقاذ فأغرقت البلاد في قعر الأزمة، وتتبع سياسة “النعامة التي تدفن رأسها الرمال”.

لم يرضَ حتّي، إبن الكورة الخضراء، أن يكون شاهد زور والبلد ذاهب برعاية الحكومة التي يشارك فيها إلى مزيد من الإنهيارات، ولا يريد أن يدلّ عليه الناس بعد فترة ويقولون باستهزاء: “شارل مالك وزير خارجية من منطقتنا وحتّي وزير؟”.

إنتفض حتّي على الواقع الذي حاول أن يُغرقه فيه رئيس الحكومة حسّان دياب ورئيس “التيار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل، ورفض أن يكون وزير خارجية “باش كاتب” في حكومة معلوم قرارها أين أصبح ومن يُديرها، فصاحب السيرة الدبلوماسية الممتازة والسفير الذي أتقن دوره بجدارة لا يريد أن يُفرّط بكل مسيرته كرمى لعيون سلطة تستمر بارتكاب الأخطاء، فهو يرفض بالمطلق أن يكون في وزارة خارجية مطوّقة ومعزولة.

أتى ناصيف حتّي إلى وزارة الخارجية وهو يطمح إلى إصلاح علاقات لبنان مع العالم العربي بالدرجة الأولى، ومع أوروبا والغرب بالدرجة الثانية، وإذ به يتفاجأ بأن الأخطاء لا تزال تُرتكب، وقد تجنّد رئيس الحكومة للإجهاز على ما تبقّى من علاقات لبنانية مع الخارج وعلى رأسه فرنسا “الأم الحنون” التي هبّت لنجدة لبنان، وكانت الصدمة الكبرى بأن دياب حاول تأنيب باريس خلال زيارة وزير خارجيتها جان إيف لودريان إلى بيروت، متّهماً إياه بالتدخل بشؤوننا وبأنه يملك معلومات منقوصة عما قامت به حكومته من إصلاحات، فغادر لودريان غاضباً وهو الذي أتى بنيّة حثّ المسؤولين على القيام بإصلاحات لأن الوضع وصل إلى حدود لا تُحتمل.

يصف من تابع سلوك دياب مع لودريان بأن رئيس حكومتنا تصرّف مع فرنسا مثل “الولد الذي يضرب أمّه”، أي بمعنى ان الأم تريد مصلحة أولادها وتفعل المستحيل من أجلهم، في حين أن تصرّف دياب كمن وجّه صفعة لأمّه، وهذا الأمر مرفوض في مجتمعاتنا التي تقدّر كثيراً دور الأم، ففرنسا لا توجد لديها أطماع في لبنان وهي لا تسعى إلى إحتلالنا أو السيطرة على مقدرات بلدنا أو لديها ميليشيات مسلّحة، بل بالعكس فقد قامت بمؤتمر سيدر1 ولكن المسؤولين في لبنان عرقلوه، كما أتت بدعم للمدارس التي تخلّت عنها الدولة، وجلّ ما قاله لودريان هو سؤاله أين الإصلاحات ولماذا تفعلون هكذا ببلدكم، وبالتالي فإن “النرجسية” التي تُدار بها رئاسة الحكومة سبّبت العديد من المشاكل للبنان.

وتتراكم الأخطاء الدبلوماسية مع الخارج، وبات لبنان يعيش في جزيرة معزولة، فما بدأه باسيل و”حزب الله” من قطع لعلاقات لبنان مع الدول الصديقة أكمل عليه دياب في المكان الذي يوجع، حتى فرنسا يريدون تخريب العلاقات معها، وهذا الإعتراض لا يتوقف على قوى 14 آذار بل على هيئات من المجتمع المدني والمؤسسات المؤثرة في لبنان.

ولم تستطع هذه الحكومة إصلاح علاقات لبنان بالعالم العربي، إذ إن حتّي ذا الخلفيات العروبية كان يطمح لفعل ذلك لكنه لم يُوفّق، وليس عدم إعطاء أي دولة عربية موعداً، وعلى رأسها دول الخليج، لدياب لزيارتها سوى دليل على الغضب العربي المستمرّ وتردّي العلاقات.

واستُكمل مسلسل الفلتان، خصوصاً بعد قرار القاضي محمد مازح الذي منع السفيرة الأميركية دوروثي شيا من التصريح لمدّة سنة، وحاول حتّي إصلاح الموضوع، لكن دياب، وبعد أن هدأت العاصفة الدبلوماسية صرّح أمام منشد “حزب الله” علي بركات أنه وبّخ السفيرة الأميركية ليعود وينفي، لكن كل هذه الأمور رفعت منسوب التوتر مع واشنطن.

وكان للفاتيكان موقف واضح إزاء ما يحصل في لبنان، خصوصاً انه استقبل حتّي منذ فترة وجيزة وقال كلاماً صريحاً عن رؤيته للوضع اللبناني وعجز السلطة عن فعل أي شيء إنقاذي، وبالتالي فإن كل هذه العوامل ساهمت في تغيير وجهة الدبلوماسية اللبنانية المعزولة، فاختار حتّي الإستقالة بدل أن يتمسّك بالكرسي ويكون شاهداً على الإنهيار الكامل للدولة.