IMLebanon

«انفجار بيروت»: نقطة التحول.. وقواعد اللعبة

على امتداد 45 عاما منذ العام 1975 شهد لبنان حروبا وصراعات وأحداثا وتطورات كثيرة، لكن يبقى أن هناك أحداثا وتواريخ شكلت علامة فارقة ونقطة تحول في مسار الأوضاع، منها على سبيل المثال لا الحصر: الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 وما أعقبه من انهيار داخلي واسع النطاق، بدأ مع اغتيال الرئيس بشير الجميل و«سقوط الجبل»، وانتفاضة 6 شباط.. اتفاق الطائف عام 1990 وما سبقه وتلاه من حروب «تحرير وإلغاء» واختلال في المعادلة والتوازنات.. اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005 وما تلاه من خروج الجيش السوري وحرب يوليو ومحكمة دولية واتفاق الدوحة.

«انفجار بيروت» في 4 أغسطس 2020 يندرج في هذه الخانة، خانة الأحداث الاستثنائية التي تشكل نقطة تحول في مسار الأحداث والأوضاع، ولا يمكن أن تمر من دون تغييرات وعواقب. جاء هذا الحدث ليسرع في وتيرة الانهيار اللبناني الشامل ويكمل حلقاته، وليشكل نقطة الارتطام بالقعر أو نقطة الذروة في الانهيار، وليحدث الصدمة القوية التي تفتح الوضع على احتمالات وآفاق جديدة، والتي توجد دينامية مختلفة يمكن أن تذهب في منحى إيجابي، أي في اتجاه التصحيح والتصليح وانتشال لبنان من الهاوية، أو في منحى سلبي، أي المزيد من زعزعة الأوضاع والاستقرار العام وبعد ضرب الاستقرار الاقتصادي المالي وإصابة كل القطاعات من دون استثناء، وبعد اهتزاز الاستقرار السياسي بدءا من سقوط حكومة الوحدة لمصلحة حكومة اللون الواحد.. فإن الاستقرار الأمني، الذي يشكل نقطة القوة المتبقية أو العلامة المضيئة في النفق المظلم، سيوضع على «محك الاختبار والتحدي»، بدءا من حراك الشارع على خلفية انفجار بيروت، النقطة التي طفح بها كيل السخط والغضب الشعبي.

انفجار بيروت بدأ ينتج مفاعيل ومضاعفات ويغير في المسار والمناخ العام.

أولى النتائج تمثلت في عودة لبنان إلى الخارطة الدولية وعودة الاهتمام الدولي والعربي به ولو من «باب إنساني».. وفرنسا هي الدولة التي تمثل وتجسد هذه الاندفاعة الدولية المتجددة في اتجاه لبنان، بعد انكفاء وغياب لسنوات، وعبر زيارة خاطفة ومعبرة للرئيس إيمانويل ماكرون. زيارة تشبه في ظروفها ومغزاها الزيارة التي قام بها الرئيس (الراحل) جاك شيراك إلى بيروت عام 2005، آنذاك كان انفجار بيروت الذي ألغى الرئيس رفيق الحريري سببا لقدوم شيراك في زيارة مواساة وتضامن مع عائلة صديقه أولا ومع الشعب اللبناني. واليوم انفجار بيروت الذي دمر المرفأ عمليا وبيروت معنويا شكل سببا كافيا لقدوم ماكرون في زيارة تضامن مع بيروت وشعب لبنان. زيارة تعكس الروابط التاريخية والعلاقة الخاصة بين لبنان وفرنسا، كما تعكس القلق المتعاظم لدى فرنسا من مسار متسارع في لبنان يوصله إلى الانهيار الكامل والسقوط المريع، مع ما لذلك من انعكاسات سلبية وخطرة على مصالح فرنسا واستقرار المنطقة وأمن أوروبا.

زيارة ماكرون إلى بيروت تحظى باهتمام إعلامي وسياسي وشعبي، خصوصا أنه أول رئيس دولة يطأ أرض بيروت مخترقا الحصار السياسي والاقتصادي المضروب حوله.. لكن ثمة مؤشرات وبوادر بدأت تظهر وتدل إلى اختلاف وانقسام داخل لبنان في النظرة إلى زيارة ماكرون وتقييمها واستثمارها سياسيا:

٭ هناك في فريق الحكومة والموالاة من يعتقد أن هذه الزيارة تستدرج عملية دعم ومساعدة للبنان ستؤدي عمليا إلى فك العزلة عن الحكومة والتطبيع معها وإلى مدها بجرعة دعم والى إنعاش الوضع الاقتصادي، انطلاقا من عملية إعادة إعمار المرفأ وبيروت.
٭ هناك في الفريق المعارض للحكومة، أحزابا سياسية ومجتمعا مدنيا، من يرى أن عودة العامل الدولي الى لبنان سيكون حافزا ومحركا لدينامية سياسية داخلية، وسيفرض تغييرا للوضع والمعادلة. فهو ينطلق من خلفيات ودوافع إنسانية ولكن سيكون له مفاعيل سياسية ووطنية لجهة «تحفيز الشارع وإعادة بناء المعارضة»، والتعجيل في بلورة عناوين كبيرة مثل «تدويل التحقيق» والتغيير الحكومي والانتخابات المبكرة والحياد.

إذا كان انفجار بيروت يفتح مرحلة جديدة ويقود إلى وضع مختلف وإلى تغيير في قواعد اللعبة، فإن هذه المرحلة الجديدة غير واضحة المعالم ويصعب التكهن بما ستؤول إليه، ربطا بالمعركة الإقليمية المستعرة على أبواب الانتخابات الأميركية، وهذا التغيير في قواعد اللعبة لا يمكن تبيان حجمه ومداه.. لذلك فإن وقوع أي من طرفي اللعبة في خطأ التقدير والمبالغة في رفع سقف التوقعات والآمال سيكون خطأ مكلفا وقاتلا.