IMLebanon

الجامعة العربية تخرج عن صمتها في لبنان

لم تستطع الجامعة العربية تحمل تداعيات استمرار الصمت السياسي الذي مارسته مع لبنان وأزماته خلال الفترة الماضية، وتحركت لسد نوع خطير من الفراغ العربي، وحاولت أن يكون صوتها مسموعا في ظل تجاذبات إقليمية ودولية تنتاب الأوضاع في لبنان عموما، قد تجره إلى مربع أشد خطورة الأيام المقبلة.

وأكد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط، خلال زيارته لبيروت، السبت، أن الجامعة ستقف إلى جانب لبنان وتدعمه بأكبر قدر ممكن ومتاح من الإمكانيات، حتى يمكنه تجاوز تداعيات الانفجار المدمر في مرفأ بيروت.

وقال أبوالغيط إنه سيسعى لحشد الطاقات العربية لتقديم الدعم للبنان بعد الانفجار الهائل الذي دمر أجزاء من بيروت. وأضاف في تصريحات للصحافيين بعد اجتماعه بالرئيس اللبناني ميشال عون إن الجامعة “مستعدة للمشاركة بطاقات عربية بأيّ شيء يتعلق بالتحقيق في مأساة مرفأ بيروت”.

وأوضح أنه سينقل إلى الدول العربية ووزراء الخارجية تقريرا كاملا عن مشاهداته وعن هذه الزيارة، لافتا إلى أن الجامعة العربية تنوي طرح بند جديد على جدول أعمال المجلس الاقتصادي والاجتماعي للدعم المستمر والدائم للبنان.

ولم يكشف عن طبيعة الدعم الذي يمكن تقديمه، في وقت تبدو فيه الجامعة العربية عاجزة عن تحريك بعض الملفات الإقليمية الأقل خطورة، والتي اكتفت في غالبيتها بالتمثيل المعنوي وعجزت عن الولوج إلى عمقها، ما جعلها خارج التأثير المادي.

ورغم الانقسامات والمشكلات التي تعاني منها الجامعة العربية وكبلتها في التعاطي مع الأزمات، فإن الرمزية السياسية التي تحملها زيارة أبوالغيط، تشي في تقديرات دوائر دبلوماسية في القاهرة بأن هناك رغبة للاقتراب من أزمة لبنان التي باتت خاضعة لتقديرات حزب الله المتحالف مع إيران، بما أدى إلى زيادة نطاق التحديات.

وأجرى أبوالغيط مباحثات مع كبار المسؤولين في بيروت، وأبدى استعداد الجامعة للمشاركة في تحقيقات الانفجار الذي هز مرفأ بيروت، وحضور المؤتمر الدولي الذي ترعاه فرنسا لمساعدة لبنان، كمعبّرة عن الإرادة العربية الجماعية.

وتشير هذه الخطوة إلى أنّ ما يتعرض له لبنان محل مساندة من جميع الدول الأعضاء، وليس كل دولة على حدة، كوسيلة لردع الأطراف التي تحاول استغلال الوضع القائم، وتوظيف التناقضات الراهنة بين الدول العربية.

وتأتي أهمية دور الجامعة العربية في القضايا التي تشكل خطراً وجودياً بالنسبة إلى الدول الأعضاء، والانفتاح على الشعب اللبناني والحفاظ على صورته الحضارية أمام المجتمع الدولي، ويمكن أن تقوم الجامعة كمظلة إقليمية بدور ملموس لضمان وصول المساعدات التي أعلنت عنها بعض الدول العربية.

ويقول متابعون إن الأمين العام للجامعة العربية هرع إلى بيروت للإيحاء بأن لبنان ما زال بلدا عربيا، ولم تنقطع جذوره، ولن تستطيع طهران جره تماما إلى محورها، وإذا تمكنت من التحكم في مفاصل قراره الفترة الماضية فلا بد من وقف هذه الممارسات لإبعاد بيروت عن هذا المحور وبإرادة عربية جماعية، قبل أن تتزايد تدخلات تركيا وتوطّد علاقتها بحزب الله أيضا، ويصبح لبنان رهينة لما يضعه هذان البلدان وما يخوضانه من صراعات في المنطقة.

ويضيف هؤلاء، لـ”العرب” أن “تحرك أبوالغيط ينطوي على دلالة تفيد بأن السعودية التي لعبت دورا محوريا في ضبط المعادلة في لبنان لم تعد الأجواء أمامها مواتية لاستئناف هذا الدور حاليا جراء الحساسية الظاهرة في علاقاتها ببعض القوى السياسية، ففضلت أن يكون التحرك عبر نافذة الجامعة، حتى ولو كان تأثيرها محدودا”.

وألمحت مصادر دبلوماسية، إلى أن القاهرة مستفيدة من زيارة أبوالغيط، لأنها تسدّ هوة عربية أثرت على العلاقة مع لبنان وتركته لقمة سائغة لآخرين، خاصة أن ثمة تحديات مختلفة تكبل مصر في تحركاتها الدبلوماسية، فهي تواجه أزمات على العديد من الأصعدة، ولا تملك رفاهية الانخراط في أزمة ممتدة بعمق كأزمة لبنان وحجمها ووزنها، تتشابك فيها خيوط داخلية وخارجية، وتأبى أن تترك مصيره في يد قياداته الوطنية.

وأشارت المصادر لـ”العرب”، إلى أن القاهرة تتطلع للقيام بدور إقليمي، غير أنها بحاجة للتخلص من كوابح كثيرة تمنعها، وأهمها ضرورة التخلي عن حذرها، فغالبية الأزمات الإقليمية مترابطة، وتخضع لمساومات متعددة، ويساعد تكتيل الأوراق على تخفيف الضغوط وليس العكس، وهو الدور الذي تمارسه إيران وتركيا في المنطقة، وجعل فكرة التصدي لملامح تمردهما على النظام الإقليمي تتطلب رؤى دقيقة.

وقال وزير الخارجية المصري سابقا، محمد العرابي، “أبوالغيط حمل مجموعة من الرسائل السياسية، أبرزها أن هناك جسدا عربيا قادرا على مواجهة النهم الإقليمي المتصاعد للتدخل في الشؤون العربية، ولا يمكن ترك الساحة اللبنانية في ظل هذه الظروف فريسة لرغبات بعض القوى من دون أن يكون هناك حضور عربي مساند، في ظل الأخطار المتصاعدة التي تواجهها الدولة”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “الدول العربية لديها قناعة بأنها تواجه مخاطر داهمة تفرض أن تكون هناك أدوار أكثر فاعلية، وتتخلى عن القيود التي تكبلها، وتضع استراتيجية يمكن من خلالها تثبيت مسألة القيام بجهود حثيثة لتقوية دورها”.

وخلص مراقبون إلى أن الأزمة اللبنانية أزمة مركّبة لا يصلح التعامل معها بصورة عشوائية، وما لم تقدم الجامعة العربية، أو الدول الرئيسية فيها، خطة واضحة سيدور أبوالغيط، أو أي مبعوث له، في حلقات مفرغة، فالمسألة لا تحتمل جولات للعلاقات العامة، أو محاولة جذب الأضواء من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي تحرك سريعا نحو بيروت، وقرر عقد مؤتمر لمساعدة لبنان.