IMLebanon

مأساة المرفأ: الجيش لن يتوقف وأوروبيون انتهوا من البحث

كتب عمار نعمة في جريدة اللواء:

يُذكّر مشهد مسرح الجريمة في المرفأ في دماره ومأساته، بذلك الذي شهده المسرح نفسه خلال سنين الحرب، لا بل إنّه يفوقه حزنا وغرابة.. وغموضاً.

يطل الاعلاميون والصحافيون بذهول على الخراب من مركب عسكري للجيش اللبناني الذي يتولى رعاية المنطقة المنكوبة وأمنها، من دون فهم بدقة حقيقة ما حدث وهول شرّه وعدوانيته!

الحوض الثاني للمرفأ حيث مبنى الإهراءات الذي اختفى ومعه الجثث والمفقودون، يشهد على تلك الوحشية حيث رائحة الدمار وغباره تزكم الأنوف، بينما تتناثر بقايا الموجودات في المياه الملوثة أصلاً التي تطل عليها بجنون الأبنية المتضررة والمناطق التي استحالت حطاماً.

مع كل اقتراب من منطقة الموت حيث تعجز الكلمات عن الوصف، يبدو الأخير مترصداً وربما متحفزاً للعودة عبر انفجارات مقبلة أو ربما مع نيترات الأمونيوم، التي قد تكون مترصدة لكل من هو في بقعة التفجير لا بل على مساحة بيروت نفسها!

مَنْ يجول قرب ما تبقّى من المنطقة يخرج مذهولا وغير راغب بالعودة سوى بعد لملمة الجراح، لكنها مهمة التقصي الإعلامي التي دعت إليها قيادة الجيش – مديرية التوجيه انطلاقا من قاعدة بيروت البحرية التي مثلت شاهدا حيّا على الحدث.

هنا، يبسط الجيش سيطرته حيث يروي قادته أولاً تفاصيل ما يقوم به الجنود للبحث وإنقاذ ما يمكن إنقاذه أو انتشال الجثث بأفضل آلية وإزالة الأضرار التي قد تتخذ وقتاً طويلاً.

حضر الإعلاميون بحشود حتى غصّ مكان المؤتمر الصحافي بهم قبل صعودهم للإطلالة على الحوض الأول ثم الثاني حيث العنبر رقم 12، مكان المأساة. هناك، شرعت الشرطة العسكرية في تحقيق «سريع وشفاف» في الوقت الذي حرصت فيه قيادة الجيش على الرد على أسئلة انهمرت بغزارة على مسؤولين فيها، تناولت أخبارا وتقارير وحتى شائعات وافتراضات كما يشير رئيس قسم الصحافة في مديرية التوجيه العقيد الياس عاد، الذي استهل اللقاء وشرح الجهد الذي يبذله الجيش منذ اللحظات الأولى في البقعة المتفجرة.

وتولّى العميد الركن جان نهرا الذي يُشرف على مجموعة البحث والإنقاذ بتكليف من مديرية العمليات، شرح عمليات البحث عن الخسائر والمفقودات البشرية وإنقاذ من ما زال على قيد الحياة.

والحال أنه منذ لحظة وقوع الانفجار، ضربت القوى الموجودة من الجيش طوقاً أمنياً، قبل تأليف مجموعة تولّت عملية عزل للمنطقة. ويقول نهرا: إن الأمر تم في ظل إشراف من مجموعات من المغاوير والتدخل الثالت والمكافحة والهندسة وفوج من القوات البحرية. وتمت عملية المسح الأولي لانتشال الجثث وإخلاء الجرحى. كما بدأت عمليات المسح اعتبارا من الجنوب في اتجاه شمال منطقة الانفجار، ثم شرع الجيش في تقبل المساعدات الأجنبية.

في هذه النقطة، يشرح نهرا أنّ هذه العملية تمت وفقاً لقدرة كل دولة لكي تتوزّع القطاعات على الفرق المختلفة من تشيكيا وبولندا وألمانيا واليونان وقطر وهولندا وروسيا وفرنسا وتركيا.. تبعا لإمكانياتها وعديدها «بالاشتراك مع فوج الهندسة وفوج الاشغال».

يتحدث الجميع بأسى عن الشهداء في موقع الإهراءات ومن ما زال تحت الردم.. تكثر الأسئلة عن المفقودين وعددهم ومدى صمودهم في حال بقائهم على قيد الحياة.. يشترك في عمليات البحث عناصر من الدفاع المدني والصليب الاحمر والهيئة العليا للاغاثة، لكن سعة المساحة تتطلب وقتا حسب نهرا، «ونحن نعمل 24 ساعة وليلا نهارا وسنستمر حتى نتأكد من عدم وجود أحد تحت الردم».

«لا منع للفرنسيين»

هو عمل دقيق جدا ويتطلب عناصر بشرية تقوم بالبحث بنفسها تحت الأنقاض بمساعدة المعدات المتوفرة. ويتوقف نهرا لنفي جملة وتفصيلا ما تم تناقله عن منع فرقة فرنسية من الدخول الى حرم المكان للمساعدة. «كل الفرق المعنية دخلت لكن كان علينا إخضاع البعض لفحص البي سي آر ونحن لا نريد أن ننتقل من مصيبة واحدة لنصبح بمصيبتين»، نافيا أن يكون الوفد الفرنسي الثاني قد تأخر بينما عمل الوفد الأول منذ المرحلة الاولى.

وعن سبب بطء العمل، كان يجب مراعاة دقة العمل وتمت الاستعانة بالكلاب المدربة للتفريق بين الأحياء والأموات في عمل تقني ومحترف كان يجب أن يتم بآلية انسانية. يشير نهرا الى مهام كبرى ملقاة على عاتق الجيش داخل وخارج منطقة الانفجار في المرفأ، كان يجب عليه التصدي لها. وقد تم إنشاء غرفة طوارىء متقدمة برئاسة العميد الركن سامي الحويك لهذا الغرض.

ويختتم قائد فوج الهندسة العقيد روجيه خوري الكلام، وهو المسؤول عن تنسيق العمل مع الفرق الأجنبية، متحدثا عن تقسيم القطاعات بين الفرق الهولندية والقطرية والألمانية والبولندية والتشيكية واليونانية، بينما ركز الفرنسيون والروس على العنبر رقم 12 ومعهم الأتراك. وكان الجميع حريصا على عدم العبث بمسرح الانفجار بينما انتهت بعض الفرق من عملها مثل الهولندية والبولندية واليونانية والتشيكية، علما أن ثمة مناطق كانت أكثر صعوبة للبحث من مناطق أخرى، وهو ما يفسر مثلاً بطء عمل الفريق القطري كونه يبحث في ثلاثة عنابر ومعه الكلاب القبرصية. ويشير خوري الى أن الانفجار لو حصل على دفعة واحدة، فإننا كنا سنتمكن أكثر من تحديد أماكن الجثث.

ينطلق الجميع عبر المركبة الحربية «الدامور» لتأمل مشهد الإهراءات، ويقول خوري حول إمكانية بقاء متفجرات في المكان، بأن «لدينا أجهزة تحسس إذا ما كان هناك مواد متفجرة في الأرض أو مواد كيميائية وإشعاعات بيولوجية». ويلفت الى أنه طبقا لعمليات التفجير عامّة، فإنّ «النيترات تبقى بكمية معينة في الجو من دون تفجير في حال لم يصلها الصعق ولم يحصل العصف، لكنها ليست مضرة».