IMLebanon

نصرالله محاصر.. ويهدد بحرب أهلية

كتبت أنديرا مطر في صحيفة “القبس”:

الحركة الدولية باتجاه لبنان بعد كارثة انفجار المرفأ والأساطيل الحربية التي تأتي بـ«مهمة إنسانية» لن تمر من دون تداعيات الوضع اللبناني برمته؛ إذ توحي المؤشرات بأن الأميركيين لا يزالون على تشدّدهم لجهة مواصلة الضغط على «حزب الله» والسلطة الحاكمة عبر ملفات عدة، تبدأ بترسيم الحدود وضبطها، ولا تتوقف عن عقوبات على حلفاء «حزب الله» وتفكيك الصواريخ.

وكان لافتاً تشديد وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل السبت من مرفأ بيروت بضرورة سيطرة الدولة على الحدود، قائلاً: «لن نسمح بعودة الفوضى». في موازاة ذلك، خرج الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصرالله بخطاب جديد، نافياً امتلاك حزبه رواية خاصة لما حصل في مرفأ بيروت، مصعِّداً لهجته باتجاه بعض القوى التي اتهمها بالتخطيط لحرب أهلية، داعياً جمهوره إلى «الحفاظ على غضبهم الذي قد يحتاجه الحزب، يوماً ما»، ما اعتُبر دعوة صريحة إلى استخدام القوة.

وقال النائب السابق فارس سعيد لـ القبس: «إن في كلام نصرالله تهديداً مزدوجاً للقوى السياسية، وللشعب المنتفض، لا سيما أنه بات محاصراً، وقد يقوم بعمل أمني عنيف في المرحلة المقبلة». وزير العدل السابق اللواء أشرف ريفي اختصر كلام نصرالله بـ«تهديد الخائف» على غرار تهديد الرئيس اليوغوسلافي سلوبودان ميلوسوفيتش في ساعاته الأخيرة. ولا ينفي ريفي إمكان قيام «حزب الله» بأعمال أمنية، لكنه يؤكد أن أي عمل سيرتدّ عليه.

بدوره، أكد الصحافي علي الأمين: «أن خطاب نصرالله هو انعكاس لعمق مأزقه وما يُقلق نصرالله هو تنامي الدعوة لإسقاط هذه السلطة وهو يحاول حمايتها، قائلاً للبنانيين إنه ممنوع المسّ بسلاحنا وصلاحياتنا». فيما يلي التفاصيل الكاملة ما بعد 4 آب ليس كما قبله في بيروت: حشد دولي غير مسبوق؛ دبلوماسي وعسكري، وفرق تحقيق وإغاثة، كل ذلك على وقع تصعيد إيراني أميركي متواصل وتصعيد فرنسي تركي مستجد. الحركة الدولية باتجاه لبنان بعد كارثة انفجار المرفأ، وفي خضم أزمات سياسية اقتصادية متشابكة لن تمر من دون تداعيات على الوضع اللبناني برمته. الإشارات الأولى أوحت أن الأميركيين لا يزالون على تشددهم لجهة مواصلة الضغط على حزب الله والدولة اللبنانية التي قد تذهب هذه المرة أبعد من ملفات ترسيم الحدود والعقوبات، باتجاه تفكيك مخازن صواريخ حزب الله وتوسيع صلاحية قوات الطوارئ الدولية.

وبحسب المعطيات المتوافرة من لقاءات وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل، الذي يوصف بأنه الأكثر مرونة في إدارة دونالد ترامب، فإن الأميركيين ليسوا في وارد تقديم أي تنازل تطمح إليه السلطة الحاكمة. وكان لافتاً تأكيد هيل وصول فريق من «اف بي أي» للمشاركة في التحقيقات وتشديده على «ضرورة سيطرة الدولة على الحدود والمرافق الرسمية كمرفأ بيروت لضمان سيادة البلد». وقال: «لن نسمح بعودة الفوضى على حدود لبنان البرية والبحرية، ولا يمكن العودة إلى زمن كان يحدث فيه أي شيء على حدود لبنان ومرافئه». كما برز موقف للبطريرك الماروني بشار الراعي أمس، قال فيه إن «أي حلّ لا يتضمّن الحياد الناشط هو مشروع أزمة» وكان لافتاً ما نقلته صحيفة فايننشال تايمز عن تحول الأمونيوم المخزن في المرفأ إلى صخرة كبيرة جعل منها «قنبلة محملة» دون صاعق، وأن المسؤولين اللبنانيين، وفقاً لوثائق اطلعت عليها، كانوا على علم بأن أكثر من نصف أكياس مخزون المادة الكيميائية قد تلف.

وصنّف تقرير تفتيش أعدته سلطات مرفأ بيروت عام 2014، واطلعت عليه الصحيفة، المادة الكيميائية بوصفها «متفجرات»، مشيراً إلى أن الأكياس التي حوت 1950 طناً من المادة كانت «ممزقة». حزب الله، الذي وجد نفسه في موضع الاتهام بمسؤوليته عن كارثة المرفأ، خرج أمينه العام حسن نصرالله بخطابين نفى فيهما امتلاك الحزب لرواية خاصة لما حصل متحدثاً عن فرضيتين: إما حادث عرضي أو تخريبي، علماً أن الفرضية الأخيرة لم يتطرق إليها في خطابه الأول بعيد التفجير. وبخلاف خطابه الاول الهادئ، صعّد نصرالله لهجته باتجاه بعض القوى السياسية التي اتهمها بالتخطيط لحرب اهلية في لبنان على غرار ما «كان يُحضّر له قبل سنوات عندما استقال سعد الحريري من السعودية». إلا أن اخطر ما ورد في خطاب نصرالله كان دعوة جمهوره إلى الحفاظ على غضبهم الذي قد يحتاج إليه الحزب، يوماً ما، لإنهاء محاولات جر لبنان إلى حرب أهلية، وهو ما اعتبره خصومه دعوة صريحة الى استخدام القوة ضدهم. سعيد: تهديد بعمل عنفي فارس سعيد النائب السابق فارس سعيد رأى في كلام نصرالله تهديدا مزدوجا للقوى السياسية، وللشعب اللبناني المنتفض، محملا نصرالله مسؤولية أي عمل عنفي يحصل في المرحلة المقبلة. وأوضح سعيد في اتصال مع القبس ان نصرالله أبلغ الطبقة السياسية الممثلة في المجلس النيابي، او ما تبقى منها، بأنه لن يقبل بأي تركيبة حكومية لا يتحكم بها، وهدد اللبنانيين حين توجه لجمهوره بالقول «حافظوا على غضبكم لأننا سنستخدمه يوما ما».

وقال ان الغاية من اطلالة نصرالله للمرة الثانية بعد الانفجار هي ابلاغ الجميع بأن حزب الله قادر على القيام بأي عمل عنفي لوضع حد لما يسميه الانقلاب، حيث ان هناك 6 نواب موارنة استقالوا من اصل 34 أي حوال 18 في المئة، ما يعني ان قسما كبيرا من الموارنة لا يريدون تأمين غطاء للسلطة التي يمثلها الرئيس ميشال عون. ويتابع سعيد: «يصور حزب الله نفسه دائما بموقع الضحية، هذه نغمة لم تعد قابلة للصرف، فما يمكن استنتاجه من الخطاب ان حزب الله بات في دائرة الحصار، وعندما يكون تنظيم بحجم حزب الله وقوته في دائرة الحصار يكون قادرا على افتعال العنف». ريفي: تهديد الخائف أشرف ريفي وزير العدل السابق اللواء أشرف ريفي اختصر كلام نصرالله بـ«تهديد الخائف» على غرار تهديد ميلوسوفيتش في ساعاته الأخيرة بعدما انهار الهيكل على رأسه. ودعا ريفي نصرالله إلى عدم التهويل على اللبنانيين الذين وفي ذروة الغضب الشعبي في اعقاب اغتيال الحريري لم يذهبوا الى الثأر والانتقام بل الى العدالة. ويكرر ريفي ان الدولة غير قادرة على سوق المتهمين للعدالة، ولكن اذكّر اللبنانيين أن ميلوسوفيتش كان اقوى من بشار الأسد ومن مرشد ايران علي خامنئي، حين أنشئت المحكمة الدولية، وقال لهم «انقعوها واشربوا ميتها»، ولكن في نهاية المطاف انهار نظامه وحكم عليه وسيق الى المحكمة مع اركان نظامه.

يشدد ريفي على المطالبة بتحقيق دولي وفي جريمة 4 آب الكبرى لأنه لا إمكانية لتحقيق عدالة الداخل، ليس بسبب غياب الكفاءات، بل لغياب الحماية لها، فطالما حزب الله ممسك بمفاصل القرار، وطالما أن السلطة «منبطحة» أمامه، فأي محقق أو ضابط أمني «قبضاي» سيغتال أو يزاح من موقعه. في ما يتعلّق بفاجعة تفجير المرفأ، يلفت ريفي إلى جملة استنتاجات تدين «حزب الله»؛ فالمواد المتفجّرة كانت في مربع أمني لـ «حزب الله»، لأن العنبر رقم 9 المجاور للعنبر 12 هو مربع أمني لـ «حزب الله»، ويعلم الجميع أن للحزب مربعا جمركيا أيضاً، يستطيع من خلاله أي تاجر لبناني أن يدفع 5 آلاف دولار لتخليص أي «كونتينر» من دون تفتيش أو مراقبة، فليكفّ نصرالله عن ادعاء عدم معرفته بما حصل في المرفأ. هناك بضاعة وصلت وجرت محاولة لتمويهها. لو كانت بضاعة شرعية من دولة إلى دولة لكانت سارت بالطرق القانونية من حيث تسجيلها وتخزينها وكل التفاصيل المتعلّقة بهذا الشأن، ولكننا حتى اليوم لا نعرف من صاحب البضاعة، ومن سجلها، ولماذا وصلت إلى لبنان؟ هذه كلها إشارات بأن المواد كانت وجهتها «حزب الله» أو النظام السوري. تهديد اللبنانيين وعن اتهام نصرالله بعض القوى السياسية بالتخطيط لحرب أهلية، قال ريفي إن نصرالله وهذه الطبقة السياسية شريكان في الفساد، وهناك مجموعة من السياسيين الأحرار، الى جانبهم الشعب، غير معننين بأي مؤامرة لأنهم يطالبون بإسقاط رئيس الجمهورية ومجلس النواب لإعادة تشكيل سلطة وطنية لا تضم منبطحين عند «حزب الله» وإيران، ونحن أمام فرصة تاريخية بوجود قرار دولي وإقليمي ولبناني لتحرير لبنان من إيران، التي انتهت في العراق وتكاد تنتهي في سوريا.

ولا ينفي ريفي إمكانية قيام «حزب الله» بأعمال أمنية، لكنه يؤكد ان اي عمل مخلّ بالأمن سيرتد على «حزب الله»، وسيكون هو المتضرر الأكبر منها، حيث ان أنظار المجتمع الدولي مركّزة عليه، وكذلك أنظار اللبنانيين، ولم يعد يمتلك الغطاء المسيحي بعد انفجار بيروت، ولم يكن لديه غطاء سنّي أو درزي. الخناق ضاق والخيارات صعبة علي الأمين الكاتب الصحافي علي الأمين قرأ في خطاب نصرالله انعكاساً لعمق مأزقه، ورأى أن لبنان يمر بمرحلة مفصلية والتطورات المتسارعة التي اعقبت انفجار بيروت لا تخرج عن هذا السياق: البوارج العسكرية على شاطئ بيروت، ومحققو الـ«إف بي آي» يتولون التحقيق، ودايفيد هيل «يتجول» في الجميزة. الأمين اعتبر ان خطاب نصرالله عكس عمق أزمة «حزب الله» التي تكشف اكثر فأكثر عجزه عن مقاربة الوضع اللبناني خارج سيطرته العسكرية، والتي هي احد اسباب وصول لبنان الى ازمته، اي هيمنة الدويلة على الدولة. ونصرالله ليس لديه يقوله للبنانيين، لا في الموضوع المالي الاقتصادي، ولا في موضوع التفجير، وهو لا يملك خيارات للجم الانهيار، لا يملك سوى التهديد بحرب اهلية، في حين انه الوحيد الذي يملك السلاح، كما انه لا وجود لاصطفافات طائفية تهيّئ لهذه الحرب. ما يقلق نصرالله هو تنامي الدعوة لإسقاط هذه السلطة وهو يحاول حمايتها. وهو يقول للبنانيين بطريقة مباشرة وغير مباشرة انه «ممنوع المسّ بسلاحنا وصلاحياتنا».

ولا يجد الامين ان هناك امكانية لأي تنازل من الحزب الذي قد «يعطي بالشكل، أما في الجوهر فلا»، وهو يراهن دائما على صوغ تسويات تسمح له بالالتفاف عليها. لكن الخناق يضيق عليه، وسيكون امام خيارات صعبة تزيد من عمق الأزمة.