IMLebanon

بعد انفجار بيروت.. لبنانيون يختارون طريق الهجرة!

نجا شادي رزق بأعجوبة من انفجار مرفأ بيروت الضخم بعدما كان يوثّق بهاتفه من مكتبه الحريق الذي سبق الفاجعة، وانتهى به الأمر مع 350 قطبة في أنحاء جسده وقرار حاسم ببدء حياة جديدة خارج لبنان.

قبل وقوع الانفجار، كان لبنانيون كثر يقرعون أبواب الهجرة جراء الانهيار الاقتصادي المتسارع وهربًا من طبقة سياسية يتهمونها بالفساد وهدر المال العام ويطالبون منذ 17 تشرين الأول برحيلها مجتمعة. وجاء الانفجار ليفاقم غضبهم خصوصًا بعد اعلان السلطات أن الانفجار ناجم عن كميات ضخمة من نيترات الأمونيوم مخزنة منذ سنوات في أحد مستودعات المرفأ.

ويقول شادي (36 عامًا)، الذي ملأت القطب الجراحية وجهه ويديه ورجليه، “لا أشعر بالأمان هنا. منحني الله حياة جديدة، فرصة جديدة، ولا أريد أن أعيشها هنا”.

في الرابع من آب، وقف شادي خلف نافذة مكتبه في الطابق السادس، يصوّر بهاتفه حريقًا اندلع في مرفأ بيروت. وبعد ثوان قليلة، دوّى الانفجار وسقط أرضًا بينما تناثر حوله الزجاج وفرش مكتبه.

ويروي شادي أنّ الممرضة صرخت للطبيب حين عاينت ذراعه “إنه الوريد”، مضيفًا “في تلك اللحظة، قلت لنفسي: انتهى الأمر”.

أما اليوم، فكل ما يريده هو مغادرة لبنان إلى كندا، التي أنشأت فريقًا لتسريع خدماتها القنصلية وضمان الإجابة سريعًا على أسئلة اللبنانيين الراغبين بالهجرة إليها.

ويقول الشاب ذو اللحية الكثة والشعر الطويل “لا أستطيع أن أعيش هنا بعد اليوم، حاولنا أن نغيّر، حاولنا أن نقوم بثورة، لا شيء يتغير بل بالعكس تذهب الأمور نحو الأسوأ، إنهم يقتلوننا ببطء”.

ويضيف “أريد أن أغادر، فقدت الأمل بهذا البلد. أريد أن أعيش في مكان أستطيع فيه أن أفكر بالمستقبل، وليس في ما سيحصل غدًا أو بعد غد، وإذا كنا سنبقى على قيد الحياة بعد ساعة فقط”.

بعد دقائق من وقوع الانفجار، اتصل وليد بزوجته السابقة في باريس ليبلغها أنّه يجدر بإبنيهما التوأم (17 عامًا) مغادرة لبنان والالتحاق بها.

ويقول الطبيب الجراح في الأربعينات من العمر “حاولت أن تُهدّئ من روعي فيما كنت أكرر خذيهما، خذيهما”. ويضيف بصوت مرتجف “من واجبي كوالد أن أؤمن لهما ظروفًا لا يكونا فيها معرّضين للصدمة أو حياتيهما للخطر”.

كان وليد في المنزل مع إبنه باولو حين شعر بما يشبه هزة أرضية قبل أن يدوي الانفجار. وأول ما فعله كان أخذه إلى الحمام حيث عانقه كما كان يفعل مع والده خلال المعارك والقصف في سنوات الحرب الأهلية.

ويتذكر وليد “الخوف الذي رأيته في وجهه لم أره من قبل، ضياعه وعدم فهمه لما يدور من حوله، أثرا فيي بعمق”.

كان وليد، الذي تلقى تعليمه في كندا، ينوي إرسال إبنيه إلى فرنسا لمتابعة تعليمهما الجامعي، إلا أن الانفجار سّرع خطته وبات ينوي إرسالهما لإتمام آخر سنة دراسية هناك. وستبدأ الوالدة بإجراءات لمّ الشمل.

ويقول وليد “كنت أتمنى ألا أخذ قرارًا مماثلًا بسرعة”، إلا أن أولويته باتت “ضمان سلامتهما الجسدية” عوضًا عن التفكير بكيفية تأقلمهما مع محيط جديد.

على غرار باقي اللبنانيين، يصبّ وليد جام غضبه على الطبقة السياسية التي كانت تعلم منذ ست سنوات على الأقل بوجود 2750 طن من نيترات الأمونيوم مخزنة في مرفأ بيروت من دون إجراءات الحماية الضرورية.

ويقول “إنه أمر طبيعي جدًا، نعيش في بلد دون دولة منذ 40 عامًا”.

ويتوقع هيكو ويمان من مجموعة الأزمات الدولية أن يفقد لبنان “جيلًا كاملًا يحتاجه من أجل إعادة الإعمار وتحقيق التغيير السياسي المطلوب”.

ومنذ سنوات، تشجّع والدة شربل (29 عامًا) إبنها الذي يعمل في التزيين النسائي على الهجرة. ويبدو أن الوقت قد حان، وبات يفكر اليوم بإطلاق حملة للحصول على تمويل يساعده على السفر.

حين وقع الانفجار، أصيب شربل في رأسه جراء الزجاج الذي سقط عليه في منزله قرب المرفأ، واضطر للتنقل سيرًا على الأقدام من مستشفى إلى آخر وصيدلية إلى أخرى إلى أن نقله أحد أصدقائه إلى مستشفى على بعد أكثر من عشرين كيلومتراً، بعدما اكتظت مشافي العاصمة بمئات الجرحى.

لم تبق الأحياء القريبة من المرفأ، التي اعتاد شربل السهر فيها، على حالها، أبنية متضررة وزجاج متناثر ومقاه وبارات فقدت معالمها.

ويقول “كنا نقضي كل وقتنا هنا، ولا نعرف أننا نجلس على قنبلة”.